"يحق لي ما لا يحق لغيري". هذا هو لسان حال مؤيدي المحور المسمّى بمحور الممانعة وجماهيره. هؤلاء يمارسون لعبة الازدواجية إلى أبعد الحدود، فلا تعود ممكنة معرفة المعايير التي يحكمون من خلالها على مسارات الأمور، رغم أنهم يتحدثون عن "بوصلة" إسمها فلسطين!
الممانعون ليسوا مواطني دول محور الممانعة. فريقهم يتشكّل من أغلبيات شعبية في دول المحور المذكور ومن أقليات شعبية في دول أخرى تُحسب على المحور المضاد. الفئة الأخيرة تتشكّل، بشكل أساسي، من بقايا الأحزاب القومية العربية والأحزاب اليسارية.
سوريا... بعين واحدة!
في كل ما يتعلّق بالأزمة السورية، يقرأ "الممانعون" تطوّرات الأمور من زاوية بقاء النظام السوري فقط لا غير. تقودهم قراءتهم المتحيّزة مسبقاً إلى جملة من المفارقات. يندر أن يمرّ يوم دون أن يطلّ أحد "الممانعين" مطالباً بخروج الجماعات المسلّحة من سوريا، قاصداً الجماعات المعارضة للنظام السوري. في حديثه يُغفل واقع وجود آلاف المقاتلين المنضوين في أطر جماعات مسلّحة مؤيدة للنظام حال تدخلها في سوريا دون سقوط نظامها. وأيضاً، يندر أن يمرّ يوم دون أن يطلّ أحد "الممانعين" مهاجماً الدول التي تسمح لمواطنيها بالقدوم إلى سوريا والمشاركة في الحرب ضد النظام السوري. مَن يسمعه يخال أن دول محور الممانعة تقيم التحصينات على حدودها لمنع المقاتلين المؤيدين للنظام من التوجه إلى الأراضي السورية.
دولار بسمنة ودولار بزيت!
في لغة الممانعين، يكثر استخدام مصطلح "البترودولار" كمصطلح يهدف إلى هجاء الخصوم على أساس أنهم أشخاص لا يمتلكون قناعات سياسية، بل هم مجرّد مأجورين لدول الخليج التي تُغدق عليهم من الدولارات المكتسبة من عمليات بيع ثرواتها النفطية. وكأن الأموال التي يستخدمها الممانعون في العمل السياسي تأتي من عمليات بيع القمح!
يمرّ هذا الاتهام على الكثيرين دون الانتباه إلى مدى الازدواجية التي يعيشها مطلقوه. ففي الحقيقة تتساوى هذه القوى مع غيرها في الاعتماد على البترودولار. حالياً، يؤسس هذا المحور نفوذه بالاعتماد على البترودولارات الإيرانية والعراقية. القول بأن هذه الأموال هي "مال نظيف" (تعبير استخدمه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عام 2006 لوصف المساعدات الإيرانية) لا يغيّر شيئاً في واقع الأمر.
أكثر من ذلك، كل مؤيدي هذا المحور بنوا تاريخهم السياسي على ركائز مصنوعة من البترودولارات! فالشيوعيون واليساريون بنوا خطط انتشارهم في الحقبات الماضية بالاعتماد على بترودولارات الرئيس الليبي السابق معمّر القذافي وأحياناً على بترودولارات الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين. كذلك الأمر بالنسبة للتشكيلة الأوسع من القوميين العرب.
إمبريالية!
ولأن محور الممانعة هو الأقدر على استقطاب فلول الحركات الشيوعية واليسارية والاشتراكية العربية، وذلك لأسباب ثقافية وسياسية عدّة، فإن لغة هذا المحور كثيراً ما تحاول إرضاء هذه الشرائح. يصوّرون أنفسهم على أساس أنهم آخر القوى الكونية التي تتصدّى للإمبريالية! يتعامون عن حقيقة أن الإمبريالية تتدخل عسكرياً في الخارج لتحقيق مصالحها، وهذا ما يقوم به عرّاب محورهم، إيران.
الكيل بمكيالين لا يقتصر على ذلك. تصنيفاتهم للدول، انطلاقاً من معيار الإمبريالية، تثير العجب. لا تعود روسيا أو الصين دولة إمبريالية فقط لأنها حليف لهم. البرازيل تصير قاعدة لسياسات التحرر العالمي مع أنها مصنّفة من بين إمبرياليات الأطراف بسبب سياساتها الاقتصادية التي تستغلّ جاراتها في أميركا اللاتينية.
مفارقات دينية
لا يخلو حديث الممانعين من مفارقات لها علاقة بنظرتهم إلى الدين. جمهور الممانعة كلّه، بمتديّنيه وعلمانييه، يتندّر على معتقدات الإسلاميين المقاتلين في سوريا وعن توقهم إلى لقاء الحوريات في الجنّة. يتناسون أن هذه معتقدات دينية إسلامية يتشارك فيها هؤلاء مع عصب "الممانعة" المتشكّل من إيران وحزب الله والأحزاب الإسلامية العراقية. ولكن كل هذا لا يردعهم. برأيهم، الغاية تبرّر الوسيلة، حتى ولو كانت تحوّل بعض العقائد الإسلامية إلى نكات.
أبطال هذا النوع من المفارقات هم اليساريون والعلمانيون. هؤلاء يبرّرون دعمهم للنظام السوري بأنه آخر حصون العلمانية وآخر المتصدّين لمشاريع الإسلام السياسي. لوهلة، يخال المطّلع على مواقفهم أن كتائب أبي الفضل العباس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني وغيرهم من الإسلاميين الشيعة الذين ينصرون النظام السوري هم كتائب يسارية مقاتلة!
كثيرة هي الدلائل التي تؤكد ازدواجية الذهنية الممانعة. يكرّر الممانعون أن فلسطين هي "البوصلة". ولكن ممارساتهم تشير إلى أنهم لا يأبهون لمصير الفلسطينيين، بدليل أن ما حصل في مخيّم اليرموك لم يحرّك مشاعرهم لا بل دفعهم إلى خلق الذرائع لتبرير الكارثة التي حلّت على سكان المخيّم. وكأن فلسطين أرض بلا شعب!
الازدواجية في المعايير التي تميّز ذهنية الممانعين ليست ازدواجية خاصة بهم. خطاب خصومهم ليس متّسقاً بل يحفل أيضاً بكثير من المفارقات. ولكن في حالة الممانعين وصلت هذه الازدواجية إلى حدّ يثير العجب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...