قبل سبعة أعوام، قدمت بانوت (فلبينية الجنسية) إلى الأردن بحثاً عن فرصة عمل، توفّر لها ما يكفي من المال لتساعد في بناء منزل للأسرة. ولكن بدل العودة إلى بلادها، بقيت عالقة في الأردن في انتظار قرار رسمي يقضي بأن تتسلم طفلتها التي حُرمت رؤيتها. لم يكن قدوم بانوت، ابنة الخمسة عشر عاماً إلى الأردن أمراً يسيراَ، إذ تمنع القوانين الفلبينية القاصرات من مغادرة البلاد بقصد العمل، وهذا ما دفعها إلى تغيير البيانات المتعلقة بسنها ودفع الرشوة. وفور وصولها إلى الأردن، عملت في منزل عائلة عاماً، لكن سوء المعاملة دفع بها إلى الهروب.
مقالات أخرى
حوارات المعذَّبين والجلادين في السجون السورية
ذوو الاحتياجات الخاصة أيضاً ضحايا للتعذيب في العالم العربي
بعد هروبها، التحقت بمجال العاملات غير النظاميات، وتعرّفت إلى شاب أنجبت منه طفلة خارج إطار الزواج. تقول بانوت لرصيف 22: "كانت ولادتي متعثرة. لم أتمكن من الولادة في المنزل فأنجبت طفلتي بعد عملية قيصرية في أحد المستشفيات الحكومية. لم أحظَ بفرصة رؤية الطفلة كوني حملت بها من دون زواج. مكثت 10 أيام في المستشفى، وفي كل مرة طلبت رؤية ابنتي كانوا يرفضون. بعد ذلك، تم توقيفي في مركز إصلاح وتأهيل النساء، لمخالفتي شروط الإقامة، ونقلت ابنتي إلى إحدى دور الرعاية، أما شريكي فجرى إيقافه بتهمة الاتجار بالبشر".
وتضيف: "أوقفوني نحو 3 أشهر إدارياً إلى أن تمكّنت من تصويب وضعي. بعد خروجي من السجن، توجّهت مباشرة إلى دار الرعاية، لكنني مُنعت من رؤية ابنتي من دون تصريح أمني. وعند مراجعة المركز الأمني، طلبوا مني إثبات نسب الطفلة".
تبلغ ابنة بانوت اليوم خمسة أعوام ونصف العام وكل محاولاتها لرؤيتها باءت بالفشل، وهي تؤكد أنهم "نقلوها من دار الرعاية ولا أعرف مكانها. أريد أن تكون ابنتي في حضني، أريد أن أغادر معها إلى وطني. أشعر أنني أقتل كل يوم".
التعذيب النفسي والعقلي
لجأت بانوتلى مركز "تمكين" للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، المتخصص بقضايا العمال المهاجرين، لمساعدتها في استعادة طفلتها والعودة إلى بلادها. وبحسب مديرة المركز، ليندا كلش، فإن "المركز يسعى إلى تحريك قضية إثبات نسب الطفلة".
وتقول كلش: "ما تعرضت له بانوت يرقى إلى أن يكون تعذيباً. غالباً ما نربط التعذيب بالأذى والعنف الجسدي، لكن التعريف الأممي للتعذيب يشمل أيضاً الأذى النفسي والعقلي للضحية. حُرمت بانوت طفلتها لأعوام من دون سبب مقنع، وتمّ توقيفها من دون اقترافها أي جرم، كما لم توفّر الحماية لها، على الرغم من أن شريكها كان يستغلّها في شبهات اتجار بالبشر".
علماً أن التعذيب، وفق الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، عُرّف بأنه "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه، أو يشتبه في أنه ارتكبه".
وتضيف: "المسألة لا تتعلق ببلد عربي واحد. ففي مجتمعاتنا العربية عاملات المنازل الوافدات هن من أكثر الفئات ضعفاً، وهذا ما يعرضهنّ لمعاملات تمييزية عدة ترقى في بعضها إلى التعذيب". وتوضح أن هناك "ممارسات تعذيب تتعرض لها العاملات في المنازل أيضاً، من تقييد حرية الحركة، والحرمان من الطعام المناسب وعدم دفع الرواتب، إلى العنف الجسدي والجنسي".
وتؤكد تقارير دولية وأخرى لمؤسسات مجتمع مدني ما تشير إليه كلش. إذ جاء في التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية أن "في منطقة الشرق الأوسط، تُعدّ عاملات المنازل الآسيويات الأكثر عرضة بين العمال المهاجرين للاستغلال وانتهاك الحقوق، إضافة إلى احتمالات تعرضهن للإساءة البدنية وغيرها من أشكال الانتهاكات، بما في ذلك الإساءة الجنسية وانتهاكات حقوق العمل من دون أن تتاح لهن وسيلة كافية للإنصاف".
الانتحار وسيلة خلاص من التعذيب
يدفع سوء المعاملة والتعذيب بعض عاملات المنازل إلى الإقدام على الانتحار. ففي لبنان مثلاً، تشير أرقام منظمة كفى إلى وجود حالة انتحار أسبوعياً بين عاملات المنازل الوافدات، نظراً إلى ظروف العمل القاسية وسوء المعاملة من أصحاب العمل. وقد دفعت حالات الانتحار المتكررة بالجمعية إلى إنتاج فيلم قصير عن ظاهرة انتحار العاملات، حمل اسم "ارفع صوت شوّا". يُحمّل الفيلم مسؤولية أخلاقية إلى أصحاب العمل والدولة اللبنانية في دفع العاملات إلى الانتحار، نتيجة ظروف العمل غير المناسبة وعدم توفير الحماية لهن.
كما دفع سوء معاملة العاملات الوافدات بالدول المصدرة للعاملة، إلى حظر إرسال العاملات إلى تلك الدول. مثلاً جاء قرار اندونيسيا بمنع إيفاد عاملات المنازل إلى دول عدة منها دول الخليج، نتيجة لتكرار مزاعم الاعتداءات الجنسية والجسدية على العاملات. بالإضافة إلى تنفيذ السعودية أحكام إعدام عدّة بحق عاملات من إندونيسيا. كذلك حكم على عاملة منزل فلبينية بـ300 جلدة والسجن عاماً ونصف العام في السعودية عام 2013، إثر إدانتها بتهمة تنظيم تجارة الجنس والقوادة. واعتبرت منظمة العفو الدولية حينذاك أن "العقوبة كانت قاسية جداً وأن المحاكمة كانت جائرة".
وفي كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، تستثنى عاملات المنازل من تعليمات قانون العمل وضمانات الحماية المكفولة لهن، وهذا ما يجعلهن، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، عرضة للعنف البدني والاحتجاز في أماكن العمل والاستغلال والإساءة. كذلك يوثّق التقرير حالات لعاملات منازل في قطر تقدمن بشكاوى عقب تعرّضهن لإساءة جنسية على أيدي أرباب العمل، إلا أنهن وجدن أنفسهم في السجن بتهمة إقامة "علاقات غير شرعية"، بدلاً من توفير السلطات الحماية لهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع