شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"موبايل سكول": مدرسة متنقلة تعلم أطفال اليمن القراءة والكتابة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 20 أغسطس 201602:21 م

هي حافلة نقل عادية تتسع لستة عشر راكباً، يستأجرها نزار السقاف ويحوّلها إلى مدرسة كبيرة يتلقى فيها الأطفال التعليم بشكل منتظم.

السقاف (40 عاماً) الذي يعمل في شركة تسويق يقتطع الكثير من وقته وماله باحثاً في طرق العاصمة اليمنية صنعاء عن الأطفال المشردين والمتسوّلين. هؤلاء غالباً ما يكونون من فئة المهمشين أو ما يُعرف بـ"الأخدام". يقنعهم بالالتحاق بحصصه التعليمية في "مدرسته المتحرّكة" التي يسميها Mobile School أو بحصص يلقيها في الهواء الطلق، في الحارات والحدائق والشوارع الهادئة، بعيداً عن صخب الأسواق.

مدرسة موبايل سكول في اليمن - صورة 1295-1

إنشاء جيل غير متسول

"أعلّمهم بمساعدة زميلتين متطوعتين والكثير من المتطوعين أساسيات القراءة والكتابة لانتشالهم من براثن الفقر وظلام الجهل"، بهذه العبارة بدأ السقاف حديثه لرصيف22 وتابع: "أعمل خلال يوميْ الإجازة الأسبوعية أربع ساعات يومياً، لانشغالي بعملي في شركة التسويق باقي أيام الأسبوع".

مواضيع أخرى:

كينغز أكاديمي: مدرسة داخلية أردنية تغيّر المناهج التعليمية التقليدية

الدراسة في السجن الإسرائيلي أسهل من التعلّم في الجامعات الفلسطينية

عن مشروعه، قال: "ليس أكثر من محاولة للقضاء على الجهل ولإعطاء الأطفال المهمشين فرصة للتعلّم بدلاً من أن يقضوا حياتهم كلها متسوّلين. حالياً، هناك جيل كامل متسوّل ونحن اليمنيين نهمّشهم ولا نعطيهم أبسط حقوقهم وهي مقاعد يجلسون عليها كباقي الأطفال في المدارس والمعاهد. وهذا بدوره سيخلف جيلاً آخر من المتسولين والمشردين وسيعقبه جيل ثالث من المتسولين وهكذا. أنا والمرأتان المتطوعتان نحاول تنشئة جيل متعلم لينجب جيلاً متعلماً آخر. وهكذا نكون قد أنقذنا الأغلبية المتسولة المشردة في شوارع العاصمة صنعاء".

وأضاف: "أنشأت المدرسة المتنقلة (موبايل سكول) منذ عام تقريباً حين لمست معاناة هؤلاء الأطفال بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة. وبما أنني لا استطيع الإنفاق عليهم ليعيشوا حياة طيبة، قررت إنفاق الوقت والجهد لتعليمهم القراءة والكتابة ليخرجوا من الأمية ويستطيعوا بعدها شق طرقهم بأيديهم".

مدرسة موبايل سكول في اليمن - صورة 2295-2

وتابع: "أقوم باستئجار حافلة اتنقل بها من شارع إلى شارع كي أدرس المشردين. وما جعلني أصرّ على إكمال مشروعي هو أن الكثير منهم موهوبون ولديهم رغبة كبيرة في الالتحاق بالمدارس وفي التعلم. وقد أعدت أكثر من 12 طالباً إلى المدرسة كانوا مطرودين بسبب عدم حيازتهم مقتنيات التعليم ومتطلبات المدرسة أو لأنهم أخدام. وكلما أكملَت دفعة تعليمها ودخل بعض أفرادها إلى المدرسة، بحثت عن أطفال جدد لتعليمهم".

السقاف يعتبر أن دوره لا يقتصر على تعليم الأطفال، "ولكني أزرع الأمل في نفوسهم، وأخبرهم كيف يمكن للتعليم أن يغيّر حياتهم ويخرجهم من عباءة الفقر والتسول والتشرد".

وقال: "نحاول أخذ الطلاب الأوائل الذين عندهم قدرة كبيرة على الاستيعاب وندخلهم إلى مدارس خاصة. ونبحث أيضاً عن تجار يتكفلون تأمين مصاريف الدراسة ومكتبات ترعاهم بالقرطاسيات". يحلم السقاف بإنشاء مدرسة داخلية تحتضن الطالب في جميع مراحل دراسته من الابتدائية إلى الجامعية وتوفّر له كل التخصصات، من بينها التعليم المهني والحرفي.

مهمة إنسانية

ما أهملته الحكومة اليمنية اهتم به نزار السقاف وبعض المتطوعين والمتطوعات. إحدى المدرسات المتطوعات قالت لرصيف22: "من الواجب أن أشارك في هذه المهمة التي اعتبرها إنسانية. فالمئات من الأطفال دفعهم الفقر والجهل إلى الشوارع، والتعليم هو الطريق الوحيد لإنقاذهم من الانحراف أو الالتحاق بالعصابات أو الجماعات الإرهابية أو المتطرفة".

مدرسة موبايل سكول في اليمن - صورة 3

بعد أن كان الكثير من الأطفال مشردين في الشوارع ويتسولون المال والقات والطعام، أضحوا يجتمعون لتلقي التعليم في الحافلة مع نزار السقاف والمتطوعين. وقالت المتطوعة ابتهال المرفدي التي تعمل معلمة في المدرسة البريطانية الخاصة: "منذ اليوم الأول الذي شاركت فيه في تعليم الأطفال الفقراء والمشردين في الحافلة لاحظت أنهم يدمنون الإنصات إلى المعلمين والمعلمات بشغف تعليمي واضح".

الفتى محمد مجاهد (15 عاماً) الذي يمتهن غسل السيارات في شوارع العاصمة صنعاء عبّر عن فرحه بالمدرسة المتنقلة وقال: "أطمح إلى أن أكون كبقية الأطفال الذين يدرسون في مدارس ويمتلكون كتباً ويقومون بواجبات مدرسية"، وأضاف: "تعلمت من هذه المدرسة القراءة والكتابة والرياضيات وإن شاء الله سأحاول الالتحاق بمدرسة حكومية منتظمة حتى أتخرج مدرساً أو طبيباً، وإن شاء الله سيكون المستقبل أمامي مشرقاً بعيداً عن التشرد والإهانات".

مدرسة موبايل سكول في اليمن - صورة 4295-4

تحاول الطفلة مهى علي (10 أعوام) أن توازن قلمها على الدفتر حتى تنسخ آية قرانية مكتوبة أمامها على لوح معلّق على إحدى الأشجار. قالت: "أنا متسولة ولم أدرس لأنني وأسرتي لا نملك قيمة الطعام. ولكني سوف أتعلم حتى لا يضربني أحد في الشارع أثناء قيامي بالتسول". أما رفيقتها نوف التي لم تتجاوز العقد الأول من عمرها فتتمنى أن تصير طبيبة حتى تعالج الناس يوماً ما.

الفقر سبب الجهل وبالعكس

في اليمن، تصل نسبة الأمية بين السكان (24 مليون نسمة) إلى 62%، بحسب آخر الإحصاءات، ويُعدّ الفقر أحد أهم أسباب انتشار الأمية. ووفق منظمة اليونيسف، فإن معدل التحاق أطفال الأسر الفقيرة بالتعليم الأساسي يصل إلى 48% فقط، ومعدل الفتيات 38%. وخلال العام 1998 تم إنشاء جهاز محو الأمية وتعليم الكبار وهو يعمل بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم وتحت إشرافها بهدف القضاء على ظاهرة الأمية التي بدأت ترتفع معدلاتها. وفي العام 2013، بلغ عدد الدارسين في جهاز محو الأمية 168000 طالباً وطالبة.

رئيس جهاز محو الأمية وتعليم الكبار في اليمن أحمد عبد الله قال لرصيف22: "مبادرة نزار السقاف طيبة ونحن أيضاً في جهاز محو الأمية نهتم بشريحة المشردين وبانضمامهم إلى فصولنا الدراسية، وهناك الكثير منهم بدأوا ينصهرون في مدارسنا دون عنصرية وفي مختلف المحافظات".

مبادرة السقاف هي الأولى في اليمن، ولكنها لا تكفي لاستيعاب مئات آلالاف المشردين والمهمشين. فاليمن يحتاج إلى آلاف الحافلات وآلاف المتطوعين الذين يمتلكون حساً إنسانياً ويعملون على محاربة التمييز وجميع أشكال العنصرية تماماً مثل نزار السقاف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image