قد يبدو غريباً، في اللحظة الأولى، هذا العنوان الطويل الذي اختاره "نبهان الحنشي" لروايته "امرأة تضحك في غير أوانها"، إذ يقودنا مباشرةً إلى سؤال فلسفي "هل للضحك أوان محدد؟ ومتى لا يكون الوقت ملائماً للضحك؟".
سوف يقودنا الفضول بحثاً عن إجابة لهذا السؤال إلى اقتناء هذه الرواية وقراءتها. هكذا استطاع الكاتب منذ العنوان اجتذاب القارئ. الرواية هي قصة حب تجمع بين شخصين "علي" و"مي". الشخصية الأساسية "علي" شاب من بلدة "جعلان" يسافر إلى العاصمة "مسقط" ليعمل فيها موظفاً في إحدى المؤسسات العامة، وبسبب اطلاعه على ما لا يجب أن يراه، يُنقل إلى مؤسسة أخرى. هناك سيلتقي بموظفة في المؤسسة نفسها، فيذوب في هواها لا من النظرة الأولى، بل من الضحكة الأولى. "سرعان ما تغيّرت ملامحها وابتسمت وهي ترقب صمته ودهشته، ضحكت، فاهتز قلبه! ضحكت مرة أخرى فخيّل إليه أنها تضحك في غير أوان الضحك، كالذي يضحك لحظة حزن! (...) تلك الفتاة، تلك الموظفة، ذات الأصابع الناعمة التي باشرت العزف على أوتار قلبه، اسمها ميّ".
قصة عادية ويمكن أن تحدث كل يوم، غير أن الكاتب تمكن من إكساء هذه القصة حلة بديعة، صوّر فيها المجتمع العمانيّ وتناقضاته، والفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، والفروقات بين الريف والمدينة، مسلطاً الضوء على بعض القضايا الشائكة، التي ما زال المجتمع العماني يعاني منها. ولعل أبرزها هو الموروثات البالية التي تصنف الناس إلى طبقات اجتماعية، بعضها أرفع من بعض وأعلى. هذا ما يحدث مع "علي" و"مي" إذ تتكشف أحداث الرواية عن صعوبة العلاقة بين الحبيبين، لأن علي "بيسر"، أي إنه لا يتمتع بالحسب والنسب اللذين يتمتع بهما أي مولود في قبيلة غير مختلطة الدماء، مما يدفع بالاثنين إلى الهروب من حبهما كي لا يصطدما برفض أهل "مي" لزواجهما. "اتضح لـ مي مقدار الألم الذي يجب عليها أن تواجهه حينئذ، وأدرك علي كم هو ساذج. وأن العادات التي كرهها في جعلان، لا يستطيع الهروب منها في مسقط، وأن في الشوارع والإنارة والأبنية الفخمة والمجمعات التجارية الواسعة والحدائق والمهرجانات، مجتمعاً باقياً على ما عاش عليه!".
يسلط الكاتب الضوء على الجماعات الدينية المتشددة، إذ إن "علي" وبعد إحباطه في الحب يترك وظيفته للابتعاد عن "مي"، ويتجه إلى الأعمال التجارية، محققاً أرباحاً عالية، يتبرع بأجزاء منها إلى المساجد، وشيئاً فشيئاً تجذبه جماعة دينية، فينخرط في نشاطاتها، لكنه يفاجأ أن تفكير الشيخ الكبير فيها، لا يختلف عن تفكير المجتمع فيما يتعلق بوضعه الاجتماعي.
وهناك، في الجماعة ذاتها، يتعرف على شاب اسمه "ربيع"، الذي له حكاية أيضاً، يضيء من خلالها الكاتب على جانب من جوانب الاستبداد في السلطنة، إذ يروي "ربيع" عن اشتراكه في مجموعة من المظاهرات فيعتقل ويعذب، ولا يفرج عنه إلا بعد صدور قرار عفو من السلطان. "قال القاضي: السلطان قابوس رجل حكمة، بنى هذه النهضة اللي من خيرها اتعلمتوا وكبرتوا، لو يعفي عنك صاحب الجلالة، بترجع لها مرة ثانية؟ (...) هزيت راسي موافق على كلام القاضي، واطلب السماح والمغفرة وأثني على حكمة السلطان السامية الرشيدة في قيادة الدولة وبناء النهضة، كلام لا شعوري كنت أقوله (...) ولو سألتني يا علي، ليش اعتقلت، وكيف اعتقلت ومتى و و، بقول لك ما فاهم". يشير "الحنشي"، إضافة إلى ذلك، إلى مجموعة من الأحداث المعاصرة المتعلقة بالمواجهات التي حدثت بين رجال الأمن والمتظاهرين المطالبين بحقوقهم وبمحاربة الفساد، ثم الاعتصامات التي حدثت في الساحات عام 2011، والتي انتهت بـ"علي" ليجد نفسه في السجن المركزي بـ "سمائل"، والمحقق يتهمه بالاشتراك مع جماعات أصولية تريد قلب نظام الحكم، لإقامة دولة دينية.
إذن، لم يكن هناك خط واحد في رواية "امرأة تضحك في غير أوانها"، بل كانت تتفرع وتمتد للإحاطة بأكثر من فكرة وأكثر من جانب أراد الكاتب التعبير عنهما، مستخدماً لغته الشعرية السلسة، ومنوّعاً بينها وبين اللهجة العُمانية التي جاءت حوارات النص بها، مما أضفى على الرواية جماليات إضافية.
نبهان الحنشي كاتب عماني، مواليد 1980، له مجموعتان قصصيتان "وما بكى"، "ظلٌّ يسقط من مرآة". "امرأة تضحك في غير أوانها" روايته الأولى. يقيم حالياً خارج السلطنة، بعد التضييق الذي تعرّض له، إذ اعتقل مرتين في 2011 و2012 بسبب اشتراكه في المظاهرات، وكتابته مقالات سياسية تنتقد أداء السلطان في حكمه للبلاد. أنشأ المرصد العماني لحقوق الإنسان عام 2013 الذي يُعنى بقضية معتقلي الرأي.
تم نشر المقال على الموقع بتاريخ 15.05.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...