بحلول شهر رمضان، يتحوّل سلوك غالبية المسلمين المصريين من النقيض إلى النقيض، فتتملكهم نزعة دينية وتراهم يواظبون على ممارسة الطقوس الإيمانية كالالتزام التام بالصلاة والتراويح وختم القرآن وقيام الليل، هم الذين اعتادوا اللهو والعبث في باقي أشهر السنة.
هو تديّن مؤقّت ناتج من فورة حماسة وزهوة البدايات، وعادةً لا يستمر إلا لأوائل الشهر. وأحياناً كثيرة يقتصر التغيّر على نهار رمضان دون ليله، فيفرط المصري ليلاً في ما أمسك عنه خلال النهار.التوبة الرمضانية
قال الشاب م. ع. الذي يمارس الأعمال الحرة لرصيف22: "حياتي في غير شهر رمضان ملأى بالمعاصي. أمارس العادة السرية وأشاهد الأفلام الإباحية. وبحلول رمضان أستجيب لموجة الالتزام التي تطغى على سلوك الغالبية وأتحمس لها، فأمتنع عن المعاصي، ويساورني شعور بالندم على ما اقترفته من سيئات، فأعقد النية على التوبة والالتزام التام، وأقوم بحذف كل المشاهد الإباحية من كومبيوتري. لكن بعد مرور الأيام الأولى من الشهر الكريم، تضعف إرادتي وتوهن عزيمتي، وأعود إلى عاداتي القديمة، وتفتر حماستي حين أرى العامة يتحوّلون".
مواضيع أخرى:
التديّن المصري كمزيج من المذهب السنّي والمذهب الشيعي الموروث عن الفاطميين
الرقص عند المصريين، احتفال وعبادة
تختلف الممارسات التي يتم التخلّي عنها بحلول شهر رمضان بين الشباب والشابات. تحدثت نهال ق. عن تجربتها الخاصة: "أمارس حياتي في غير رمضان بكل حرية وطلاقة. لا أقيّد نفسي إلّا بما أرضاه وأكون متصالحة جداً مع نفسي. إلَّا أن شهر رمضان يصيبني بانفصام في شخصيتي، فاضطرّ إلى ارتداء الحجاب طبقاً للسلوك السائد مع أنني غير مقتنعة بفكرته. كذلك امتنع عن وضع الماكياج لأنه من الأشياء التي تلفت النظر، وكذلك عن وضع طلاء الأصابع واتوقف عن الاستماع إلى الأغاني لأنها من الأسباب التي تنقض الصيام. وبالفعل أتغير تماماً بحلول هذا الشهر".
تحدّي النفس
الكثير من الشباب يتحدّون أنفسهم مع بداية شهر رمضان، فيقررون الامتناع عن أكثر الأشياء أهمية في حياتهم. سيضطرّ أحمد رمضان لتحمّل نتيجة هذا النوع من التحديات. قال: "أنا متعلق بفتاة وأتحدث معها يوميّاً عبر الهاتف. لكنها قررت أنه بحلول رمضان يجب أن نتوقف عن التخابر في النهار إلا للأمور الملحة، حتى لا يبطل صيامنا. وأخبرتني أنها لا تمانع الحديث على الهاتف في الليل بعد الإفطار".
أما عن نفسه، فقال: "أقصى ما يؤرقني في رمضان أنني مضطر لتناول الحشيش بقدر محدود وبحذر شديد. ففي رمضان قبل الماضي عملت جاهداً على التوقف عن تدخين الحشيش، بل نويت الامتناع عن التدخين عامة، ومرّ يوم إثر يوم، وأنا ثابت على قراري، وشعرت كأني في جهاد مع النفس. كان مزاجي يتكدر وشهيتي إلى الطعام وقت الإفطار منقطعة، فاضطررت، نحو منتصف الشهر، إلى تدخين السجائر فقط دون الحشيش. وفي آخر يوم من الشهر، دعاني الأصدقاء إلى تعاطي الحشيش بعد الإفطار احتفالاً باستقبال عيد الفطر، فدخنت بشراهة وكأني أعوض كل يوم امتنعت فيه عن التدخين". وقالت سحر عبد اللطيف ابراهيم: "بحلول رمضان أحاول أن أرجّح كفة التقوى على السيئات. أعتبر هذا الشهر منحة ربانية للمغفرة، والتدين الطارئ خلاله هو في الأصل تنافس إيجابي على طاعة الله. لذلك أعزز ممارساتي الدينية في رمضان بالالتزام التام بالصلاة وقيام الليل وختم القرآن الكريم، وأمتنع عن الخروج في النهار حتى لا أضطر إلى ارتداء ملابس محتشمة ولأتفادى وابل الشتائم واللعنات التي قد تنصبّ عليّ".الطمع في بركات رمضان
وبالنظر إلى عينة من الآراء نجد أن هذا التدين تقليد اجتماعي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الرمضانية. فيتدين المتديّنون المؤقتون بدافع السلوك العام السائد، ولكن أيضاً بسبب قناعتهم بأن الثواب مضاعف في رمضان، والمغفرة متاحة.
هبة، صحافية، قالت: "أنا مجبرة على التدين في رمضان، وهو شهر يسلبني حريتي. أهلي يجبرونني على ارتداء الحجاب، وأتعرض للإهانة والتوبيخ إذا استمعت إلى الأغاني برغم أنهم يسمحون لي بذلك في ليل رمضان. هذا كلّه تديّن ظاهري فقط ونفعل ذلك خوفاً من ألسنة الناس". أما محمد عبد الفتاح، معد إعلامي، فقال: "في رمضان، يشوّه الأصدقاء عاداتك في غير رمضان، ويستدرجونك من حيث لا تشعر إلى حالة وجدانية تصور لك رؤية مساوئ سلوكك فتعدّه منحرفاً. شخصياً أكفّ عن المحرمات وأندم، لكن ما إن ينتهي رمضان حتى يتغير الوضع الذي كان يشجعني على التدين، فأعود إلى شرب الخمر، وأقصر عن الصلاة إلى أن أنقطع عنها تماماً". ويصحب ظاهرة التدين الموسمي تعصب ديني ملحوظ تجاه غير المتدينين والمسيحيين، وهو ما ينعكس في المضايقات التي تتعرض لها المتبرجات وغير الصائمين، إذ تشملهم اللعنات والألفاظ النابية. قالت الكاتبة أمال الشاذلي لرصيف22: "رب شعبان هو رب رمضان. أقضي هذا الشهر متبعةً عاداتي الطبيعية التي أمارسها في غير رمضان، فأنا أتبرّج وغير محجبة وطريقة لبسي متحررة، ولا جديد لديَّ في رمضان سوى مواعيد تناول الطعام ونوعه. أما الذين يرتدون الحجاب في رمضان فقط، فهم ضحايا نزعة دينية هشة، وتسطيح للفكر والدين". وتابعت: "تعرضت لموقف في رمضان من شخص ملتحٍ رآني بلا حجاب وبطريقة لبسي الطبيعية التي أرتاح إليها، فنظر إليّ باستياء وقال لي: "هتضيّعوا صيامنا ربنا ياخدكم" ثم تمتم كلمات غير مسموعة وأضاف: "ربنا يهدي"، وراح يشكر ربه على نعمة تدينه، قائلاً: "اللهم إني صائم".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...