إن كنت تتجوّل صيفاً في المجمّعات التجارية بالعاصمة البحرينية، أو إن كنت ذاهبًا لاستكشاف بعض المتاحف والأزقّة التراثية، أو حتى جالسًا في أحد المطاعم، فستلمح تجمّعاً شبابياً في إحدى زوايا المكان، مُمسكين بكتب، محمّلين بلوحاتٍ فنيّة وبآلاتٍ موسيقيّة، بعضهم ينصب منصّة عرضٍ والآخر يتابع ما يجري إعلاميًا، إنه مهرجان «تاء الشباب».
“التاء” لا يموت أبداً
تاء الشباب هو لقاءٌ شبابي يُشارك في الحياة الثقافية البحرينيّة عبر مهرجانٍ سنوي يستقطب المهتمّين بالثقافة والفنون، وينطلق سنويًا تحت مظلة هيئة البحرين للثقافة والآثار (وزارة الثقافة سابقاً). أطلق المهرجان في نسخته الأولى عام 2009 على يد الناقد البحريني الراحل محمد البنكي، بدعمٍ مستمر من رئيسة الهيئة الشيخة ميّ بنت محمد آل خليفة.
يقوم تاء الشباب، أو كما يسمّيه شبابه «التاء» على ثلاثة أسس: الثقافة، والشباب، والتطوّع. ويهدف إلى تعزيز ثقة الشريحة الأكبر من المجتمع، وهي “الشباب” وتنمية اهتماماتهم الثقافية وتقليص الفجوة بينهم وبين الفنون المختلفة، بالإضافة إلى تشجيع روح العمل التطوعي المثمر في صفوفهم.
مقالات أخرى:
"نقاش البحرين": الاكتفاء بالبعد الطائفي ليس كافياً لفهم أزمة البحرين
كثيرون يسألون: “لمَ التاء تحديدًا؟ وماذا تعني؟”. الجواب: في لغتنا العربية، يعتبر حرف “ت” من حروف المضارعة التي تدخل على الفعل لتدل على استمرارية حدوثه، ومن ذلك استوحى القائمون على المهرجان اسمه رغبةً منهم في أن يستمر هذا النشاط الثقافي. والمضارعة كذلك تدلّ على الحركة والتفاعل، مما يتوافق مع طبيعة الحراك المكثّف في المهرجان.
اتخذ المهرجان في أعوامه الستة الماضية شعارًا له، أتى مغايرًا عن النمط المعتاد لشعارات الأنشطة الأخرى، وهو: "الذي يُولد من حُب لا يموت أبداً". وفي نسخته الخامسة، أنشدت هذا الشعار الفنانة لينا صليبي في أغنية من توزيع الموسيقي محمد الحسن، أحد شباب المهرجان.
يتكوّن المهرجان من لجنة تنظيميّة يترأسها الدكتور إيلي فلوطي، وهو المستشار الإعلامي لهيئة البحرين للثقافة والآثار، وهيئة مكتبٍ تضمّ منسقاً ونائباً له وأمين صندوق وأمين سر، بالإضافة لمجموعة القادة الـ30 الذين يشكلون النواة الرئيسية لنشاطات المهرجان السنويّة، وتتلخص مهماتهم في الحفاظ على جودة “التاء” وتطوّره، ومناقشة الفعاليات والتصوّرات المُقترحة، وإقرار الأنشطة والمشاركات الثقافية الطارئة خلال السنة، واقتراح أسماء ثلاثة مستشارين للمهرجان.
يؤكد القائمون على المهرجان أن هذا الشكل التنظيمي وُجد للتنظيم الداخلي فقط، وتقول المنسقة العامة للمهرجان عائشة الشاعر لرصيف22 في هذا الخصوص: “نرفض تأطير المهرجان وتقييده بقالبٍ مؤسسي يحدّ من مرونته، فالتاء وُجد لترسيخ مفهوم الاختلاف وثقافة التنوّع تحت سقف مهرجان سنوي عماده الإبداع خارج الأطر التقليديّة”.
التنوّع
يضمّ المهرجان 9 مبادرات كل منها تختص بزاوية ثقافية معيّنة، بدءًا من مبادرة “كلنا نقرأ” التي عكفت على تشجيع كل فئات المجتمع على القراءة، حتى تحوّلت بعد ذلك جمعيةً ثقافية مُنبثقة من تاء الشباب، ومبادرة “حفاوة” التي تحتفي سنويًا بأحد المفكّرين والأدباء الراحلين من خلال إصدار كتاب تحت سلسلة “أطياف” يستحضر بعضاً من أعماله ويجمع ما يكتبه عنه زملاؤه ورفاقه.
وهنالك مبادرة "درايش" المختصّة بالهندسة والفنون المعمارية - و"درايش" تَعني باللغة الخليجية الدارجة "نوافذ". ثم مبادرة “تشكيل” التي تُعنى بالفنون التشكيليّة والبصريّة. وهنالك أيضاً “تكنيك” المختصّة بالثقافة التكنولوجية والعلميّة، ومبادرة “بريمير” المهتمّة بالسينما، ومبادرة “حياة” التي تحاول أن تبني صحة بدنية توازي البناء المعرفي الذي يحاول المهرجان أن يشيّده، ومبادرة “هارموني” الموسيقيّة ومبادرة “مسرح”.
يعمل القائمون على المهرجان سنويًا على ابتكار أفكار جديدة لمبادرات أو فعاليات تكسر النمط التقليدي. فمثلاً تُعتبر فعالية “مناقشة الكتب” الأكثر تقليديّة بالنسبة لأيّ محفل ثقافي، ولكن في «التاء» تكون الطريقة مبتكرة بحيث يتم إعادة تمثيل بعض مشاهد الكتاب أمام الجمهور أو إدخال الموسيقى خلال المناقشة وتلحين بعض الأبيات إن كانت جلسة حول ديوان.
تأسيسٌ لطاقات إعلاميّة
ويميّز المهرجان أيضاً لجنته الإعلاميّة التي تحوي 6 وحدات: صحافة، إذاعة، تلفزيون، تصوير، إعلام إلكتروني، وتصميم. وكل وحدة تضمّ عددًا من الشباب المهتم بالعمل الإعلامي إضافةً لشغفه تجاه الثقافة والفنون. كثيرون هم من دخلوا لجنة «التاء» الإعلاميّة وانتهوا بالوصول إلى ما لم يتوقّعوه يومًا، فأصبحوا طاقات يُعتمد عليها في الإذاعة والتلفزيون، وفي الصحف المحليّة أو في وظائفهم. فالهدف من اللجنة، عدا التغطية الإعلامية للمهرجان والترويج له، هو تأسيس طاقات قادرة على إيصال الثقافة والفنون للمجتمع البحريني.
قالت نائب رئيس اللجنة الإعلامية سارة البنّاي لرصيف22: “ما يميّز اللجنة الإعلامية في «التاء» عن باقي اللجان الإعلامية الأخرى، هو أنها تهدف إلى تأهيل كوادر شبابيّة من خلال الورش التدريبية في مجالاتٍ إعلامية مختلفة، وإتاحة الفرصة لهم للتطبيق الحرّ والتجريب عن طريق تغطية المهرجان والترويج له بالتعاون مع بضع جهات، منها هيئة شؤون الإعلام وعدد من الصحف المحليّة. وبذلك يكون تاء الشباب الساحة المثلى للإبداعات الشبابية في حقل الإعلام”.
“الثقافة تجمع ما فرّقته السياسة”
تُخصِص هيئة الثقافة والآثار موازنة سنوية ضئيلة “مقارنةً بالموازنات المرصودة للأنشطة الشبابية الأخرى في البحرين” لإقامة المهرجان الذي يكبر عاماً بعد عام، ومع ذلك يؤكّد شبابه أن الميزانية لم تؤثر ولن تؤثر في جودة «التاء»، لأنّ كل ما ينتجه المهرجان هو من عمل الشباب أنفسهم ويندرج تحت مفهوم "التطوّع الشبابي". وما يميّز المهرجان أيضاً هو عدم تأثّره بالأزمة السياسيّة التي مرّت على البحرين في عام 2011 ولا تزال، فترى وحدة الشباب قائمة على الرغم من اختلاف المذاهب والطوائف والتوجّهات الفكرية والسياسية، ومن هنا يردّد هؤلاء شعارًا دائماً هو “الثقافة تجمع ما فرّقته السياسة”.
ولكن على الرغم ممّا قدّمه تاء الشباب في أعوامه الستة الماضية، يلقى المهرجان معارضة من بعض فئات المجتمع، بعضهم يتّهمه بتلميع صورة الحكومة البحرينية، والبعض الآخر يعارضه بحُجج تتعلّق بترويجه للأفكار الغربية واستضافته رموزاً ثقافية تُعرف بعلمانيتها ويساريتها، غير أن هذه الأصوات هي نفسها من تعارض أي فعاليات ثقافية تُقام في البحرين، وآخرها كانت معارضة إقامة أمسية شعريّة للّبنانية جمانة حداد، ما أدى إلى إلغاء الأمسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...