الوساطة، أو الوسائل البديلة لحل النزاعات، هي مصطلحٌ طوّره الإنسان منذ زمن التجارة الفينيقية، مروراً باليونان القديمة والحضارة الرومانية، إلى أن أصبحت، اليوم، أداة أساسية تسدي الإسعافات الأولية والأخيرة لشركات تجارية تعاني من مشكلات داخلية وخارجية، وتعمل على إصلاح علاقات العمل والشؤون الشخصية، بأداءٍ عملي وإنساني لا يعرفه القضاء أو التحكيم. الوسيطة دالا غندور، من المركز اللبناني للوساطة التابع لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت، تبسّط لنا كل ما يتعلق بالوساطة.
ما هي الوساطة؟
هي طريقة بديلة ومختلفة لحل النزاع بين طرفين أو أكثر، وبلوغ نتائج ملموسة وواضحة. يكون دور الوسيط أو الطرف الثالث مقتصراً على متابعة الأطراف الأخرى في عملية التفاوض على تسوية أو حل للمشكلة موضوع النزاع، سواء أكانت هذه المشكلة ذات طابع تجاري، أو قانوني، أو ديبلوماسي، أو اجتماعي أو عائلي. لكن نحن في المركز اللبناني للوساطة التابع لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت، نتابع القضايا التي تتعلق بالنزاعات التجارية فقط.
لماذا الوساطة هي الحل الأنسب للنزاعات التجارية؟
نقاط عدة تميز الوساطة عن التحكيم أو اللجوء للقضاء، أهمها كسب الوقت والمال. فاللجوء إلى القضاء يعني انتظار حوالي 720 يوماً، كما في حال القضاء اللبناني، قبل أن يصدر قرار قانوني حول الخلاف.
ينظم المركز اللبناني للوساطة التابع لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت "أسبوع الوساطة" الذي ينطلق في 1 يونيو في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان – الصنائع، برعاية وزير العدل اللبناني اللواء أشرف ريفي وحضوره.
ولذلك الأمر سلبيات عدة. فتلك المهلة التي يحتاجها القضاء للفصل في النزاع، ينتج عنها تجميد الأموال المتنازع عليها، عدا الأموال التي تُدفع لدى ملاحقة القضية، وكثيراً ما يكون الحكم مستفزاً ومكلفاً لأحد الطرفين المتنازعين، وهذا ما يؤثر على علاقة الشركاء أو الأطراف بعضهم ببعض. فالحل بتلك الطريقة يتم انتزاعه بالقوة لا بالحوار. وفي النهاية يصدر المحكّم الحُكم على الماضي في حين ينظر الوسيط إلى المستقبل محاولاً إيجاد الحلول المناسبة في غضون 8 ساعات فقط. السرية هي النقطة الثانية المهمة التي تميز عملنا، .وتعزز الثقة بيننا وبين الشركات التجارية
ما هي منهجية الوساطة؟
ما إن يقبل الطرفان اللجوء إلى الوساطة، نحدد موعد لجسات متتالية موزعة على يومٍ واحد في مقرنا ببيروت، لا في أي مكتبٍ أو مكانٍ قد يشعر أحد الطرفين بالظلم. الجلسة الافتتاحية تدور حول حوار بين الطرفين، كلٌ منهما يتحدث عن مشكلته مع الآخر، إلى أن يصل الحوار إلى حائطٍ مسدود في أجواء جد عكرة في بعض الأحيان، وهنا يتدخل الوسيط ليدعو كل طرف إلى جلسة حوار منفردة. هنا تبدأ المرحلة الاستكشافية، فيتعمق الوسطاء في أصول المشكلة وفق سيناريو كل طرفٍ على حدة. ثم نسعى إلى عقد حوارٍ بناءٍ ثانٍ، ليتمكن الفريقان من إيجاد حل عملي لمشكلاتهما التجارية. ما يميز مرةً أخرى الوساطة من التحكيم، هو تلك الجلسات الفردية التي تدفع الفرقين على البوح بكل ما يمر في عقليهما وقلبيهما بكل حرية. هكذا يسلط الضوء على المشكلة الحقيقية، فالشق العاطفي بالإجمال يكمن وراء تأزم الوضع بين الشريكين في العمل.
ألا يقع الوسطاء في فخ الانحياز لأحد الأطراف؟
[two_third]هذه النقطة تحديداً تلعب دوراً مهماً في نجاح الوسيط. مهمتنا تفرض أن ندعم الطرفين بطريقة متساوية مهما كانت الحقائق التي نواجهها. لتكون وسيطاً ماهراً عليك ألا تنحاز. أنت لست بقاضٍ بل وسيط يبحث عن حلٍ عملي وطويل الأمد. إذا ما شعر الوسيط أن رأيه الشخصي يؤثر على سلامة الوساطة، ينسحب ويسلم الملف إلى وسيط آخر.
[/two_third]مقالات أخرى:
هل يوجد الكون من دون الإنسان؟
لمواجهة ضغوط الحياة والتمتع بصحة جيّدة، الحل بسيط: ساعد الآخرين
الأمر أشبه بعلاج الأزواج!
هنالك شركات كثيرة عائلية، والمشكلات العائلية بالإجمال مسؤولة عن المشكلات التجارية في المؤسسة. حتى لو لم تكن طبيعة الشركة عائلية، فالعلاقة بين الشركاء تكون وفق قاعدة: "لا يمكنه العيش من دونه في وقتٍ لا يمكنه العيش معه". في عصرنا المتطور، يحتاج جميع الأفراد والمؤسسات للوساطة، لأن مفهوم شيخ الضيعة أو شيخ الصلح الذي يلجأ إليه الأهالي لحل مشاكلهم ومخاوفهم لم يعد موجوداً، ونحن، هنا، نحاول ملء ذلك الفراغ بطريقة حِرفية ومتجردة. دورنا هو أن نزيل حواجز الإيغو والأنانية المسؤولة عن تدهور العلاقات التجارية، ليتمكن كل طرف من إعادة التفكير مرتين قبل حمل الشركة إلى مكان مجهول.
[two_column]هل للوساطة نقاط سلبية؟
شركة Alumco للعمار هي إحدى أولى الشركات التي أدخلت الوساطة ضمن منهجها الرئيسي، وفي عقودها مع شركات أخرى. لمى سنّو، مديرة العقود لدى الشركة أجابت عن السؤال: "بعد التجربة، تملك الوساطة نقطة سلبية واحدة، هي أنها ليست إلزامية حتى الآن. يستطيع الطرف المدعو إلى اللجوء للوساطة الامتناع عنها والاتجاه مباشرة إلى التحكيم، وهذا ما يتسبب بتأزم المشكلة والعلاقة بين الطرفين، وبخسارة الأموال. هنالك كثيرون لا يؤمنون بسلامة اللجوء إلى الوساطة، ولا يريدون حلولاً للمشاكل مما يفضي إلى خسائر كبيرة. لا بدّ أن تصبح الوساطة شقاً إلزامياً وبنداً من بنود القانون حتى تؤدي دورها في أنسنة العلاقات التجارية".
[/two_column]أين تقف الوساطة في البلاد العربية اليوم؟
إن ثقافة الوساطة شائعة في بعض البلاد العربية مثل المغرب وتونس، أكثر مما هي حالياً في لبنان. فتلك الشعوب بطبيعتها تؤمن بوجود طرفٍ ثالثٍ يعمل على تلطيف الأجواء بين المتنازعين على قضيةٍ ما. في المغرب على سبيل المثال، تمت إحالة 2124 حالة خلاف إلى الوساطة بين 2011 و2014، 1729 منها حُلّت عبر الوساطة، وعليه جرى إنقاذ أكثر من 236 مليون دولار مجمّدة. وقد شهدت مصر بين عامي 2010 و2014، 1242 حالة نزاع لجأت للوساطة، 265 منها وجدت حلاً، وقد حرر ذلك حوالي 27 مليون دولار مجمدة.
كيف يصبح المرء وسيطاً؟
الشعور بأن لديك المهارة اللازمة والرغبة الأكيدة كافٍ لتولي مهمة الوسيط على أن يكتمل الجانب المهني في تدريبٍ معمق وبعد خبرة في الشؤون المتعددة. نحن الوسطاء في المركز اللبناني للوساطة خضعنا لتدريبٍ مكثف في إشراف مركز Centre for Effective Dispute Resolution ومقره في لندن، وهو معروف بدوراته التدريبية على الوسائل البديلة لحل النزاعات منذ نحو 17 عاماً، وقد درّب حوالي 5000 وسيط من جميع أنحاء العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين