شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تعرفوا على العديد... فن رثاء الموتى في صعيد مصر

تعرفوا على العديد... فن رثاء الموتى في صعيد مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 8 يوليو 201606:15 م

يقال إن معظم المظاهر والعادات الإنسانية تتمصر (أي تُغلّف بالنكهة المصرية) عند دخولها إلى مصر. لم تسلم مظاهر حزن الموت أيضاً من هذا التمصير، فقصائد الرثاء الطويلة التي سمعناها وقرأناها لكبار شعراء شبه الجزيره العربية والشام قبل دخول الدين الإسلامي إليها وبعده تمصرت كذلك مع دخول الإسلام إلى مصر عام 641 ميلادي، فتحولت في الجنازات المصرية إلى كرنفال شعري جماعي للسيدات في صعيد مصر، تحت اسم العديد أو البكائية.

العديد أو البكاء الغنائي عبارة عن ذكر مناقب الموتى وتعدادها، والعدودة هي مقطوعة شعرية بكائية قصيرة تتكون من عدد قليل من الأبيات أقلها بيتان، وكثيراً ما تصل إلى أربعة أشطر لتشبه الرباعية.

لماذا انتشر هذا الفن في صعيد مصر فقط؟

عند الفتح العربي لمصر، انتقلت القبائل العربية عن طريق البحر الأحمر من شبه الجزيرة العربية وانتشرت في الصعيد. من هنا نجد هذه المنطقة مشبعة بالكثير من عادات وتقاليد العرب، كالثأر وغيره. وعندما نشرت هذه القبائل العربية فن الرثاء تحول هذا الفن إلى مقطوعات بكائية بلهجة أهل الصعيد، تؤديها النساء فقط في المأتم.

يرى الكاتب عبد الحليم حفني في كتابه "المراثي الشعبية" أن العديد في أصله العربي (الرثاء) تحول من اللغة العربية الفصحى إلى العامية الصعيدية وظلت الأجيال تتوارث بعض ألفاظه وتحاول الاحتفاظ بطابعه الموسيقي من حيث صياغة العدودة في قوالب موسيقية. ومن بين أبرز الاختلافات بين الرثاء وفن العديد عدم ذكر نصوص العديد لاسم المتوفّى لاعتقاد المجتمع الصعيدي أن اسم الميت قد يماثل أحد أسماء الأحياء، وهو ما يعد فألاً سيئاً.

خلاف على الأصل

ولكن في المقابل، يرجع الكاتب خيري شلبي العدوده في مقدمته لكتاب “فن الحزن” إلى أصول مصرية فرعونية، مستنداً إلى اهتمام المصري القديم بطقوس الموت وإيمانه بعقيدة الخلود.

بكائية الأم

حبيبتي قومي بينا جوه

حديتك لذيذ وقعدتك حلوة

ياما قعدنا على الفراش اتنين

حديت الحبيبة مليح وزين

مين يجيب لي حبيبتي تاني

تسهر معايا الليل الأخراني

يتفق د. أحمد صالح، وهو باحث في علم المصريات، مع رأي الكاتب خيري شلبي في أن فن العديد كان معروفاً في عصر الفراعنه، معتبراً أن أول معددتين في التاريخ هما إيزيس زوجة أوزوريس (الذي قتله أخوه بحسب الأسطوره المصرية) ونفتيس، أخته، موضحاً أن أكبر دليل على وجود هذا الفن سابقاً هو الصور على جدران بعض المقابر، وتظهر فيها المعددات أو النادبات وهن يسرن خلف الجنازة. مثالاً على ذلك الصورة على مقبرة رعموزا، أحد نبلاء الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية (الصورة الرئيسية).

العديد فن المرأه وحدها

العديد هو فن المرأة وحدها، هي فيه الفارسة والقائلة والسامعة، في حين الرجال هم المتلصصون. تخصصت المرأة به لأنها أكثر رهافة من الرجل، وأكثر مقدرةً في العرف الاجتماعي على التعبير عنه. ولكل فقيد بكائيات خاصة، فمنها للإبن وللإبنة، ومنها للزوج، وللشاب العريس، والشيخ الكبير.

بكائية البنت على أبيها

ريح يا بويا شوية على المقعد

خايفة يابويا من وراك نتعب

ريح يابويا شوية علي الديوان

خايفة يا بويا من وراك نتهان

يطلق على المرأة التي تمتهن مهنة العديدية اسم "المعددة" أو الشلاية. كثيراً ما تكون كبيرة في السن، تستطيع قيادة باقي النسوة عند إلقائها العديد، بإيقاع سريع وموزون. قديماً، كانت تقوم بها المعددة مقابل المال أو مواد تموينية أو طعام، أما الاًن، فتقوم بذلك مجاملة، بحسب أحمد الخضيري، أحد سكان قرية "نجع أبو عديل" في محافظة قنا في صعيد مصر، أو تكون قريبة للميت، أو فقدت شخصاً عزيزاً قبل فترة غير طويلة، فتسترجع إذ ذاك مشاعر الأسى في الجنازة.

ترتدي المعددات الأسود، أما السيدات القريبات جداً من الميت، كالأم والأخت والبنت والزوجة، فتضعن الرمل والطين على روؤسهن. أحياناً، هناك من تخبط على جسمها بشكل منتظم وهي تضع حبلاً من الليف أو إيشارباً حول خصرها، في حين تحلق بعض المعددات شعورهن أو يقصصن ضفائرهن.

بكائية العريس

ياما جبت الطبل ودقيته

ياما جبت الطبل ودقيته

يا فرح ولدي ما شفته ولا ريته

وبرغم ثراء هذا الفن ودوره في توثيق جزء من تاريخ صعيد مصر، فإنه في طريقه إلى الانقراض تحت ضغط الجماعات الدينية المتشددة التي تعدّ هذه الظاهرة من رواسب فترة الجاهلية، أي ما قبل دخول الإسلام.

دفاعاً عن فن العديد، يقول كرم الأبنودي في كتابه "فن الحزن": "إن العديد نداء لمن رحل، وبكاء على حميد صفاته، وهذا ندرسه في المدرسة والجامعة على أنه قصائد الرثاء وشكوى إلى الله من نار الفراق، والله يحب أن يسمع صوت عبده وهو يجأر إليه بالشكوى". مع ذلك، أصبح هذا الفن غير محبب في مآتم الصعيد، ويقل وجوده، وذلك في ظل غياب الاهتمام الرسمي بمحاولة توثيقه قبل اندثاره.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image