على الرغم من كل التطمينات التي أطلقها مسؤولون حكوميون في الدول العربية المصدّرة للنفط، ومفادها أنها قادرة على احتواء التراجع الكبير في سعر برميل النفط العالمي، فإن ما شهدته أسواق الأسهم الخليجية خلال الأسابيع الأخيرة باعث للقلق. فقد انتابت البورصات الرئيسة، لا سيما في السعودية ودبي، موجة تراجع كبيرة أثبتت أن تداعيات الأزمة النفطية لن تقتصر على موازنات الحكومات، بل ستشمل أيضاً ثقة المستثمرين ومشاريع الأعمال. أكثر من ذلك، أظهرت تقارير عدة أن مؤشرات أسواق الأسهم الخليجية مرتبطة بالتقلبات في أسواق النفط العالمية.
فقد سجّل المؤشر العام للسوق السعودية خلال جلسة الثلاثاء الفائت هبوطاً لثامن جلسة على التوالي، في أدنى إغلاق له منذ 18 شهراً، وسط هبوط شبه جماعي للأسهم. وبلغت خسائره في 8 جلسات أكثر من 1600 نقطة، وذلك بالتزامن مع انخفاض خام برنت القياسي إلى 59.86 دولاراً للبرميل، بتراجع من 115 دولاراً في يوليو الماضي. وهذا أدنى مستوى له منذ 5 سنوات. بحسب "رويترز" خسرت الأسواق الخليجية يوم الثلاثاء 49 مليار دولار من قيمتها، وهذا ما دفع عدداً من المعلّقين إلى وصفه بـ"الثلاثاء الأسود".
ماذا جرى؟
هناك عوامل عدة تفسرّ التطورات الأخيرة، أهمها:
- زيادة الإنتاج للنفط في كل من الولايات المتحدة حيث بلغ 8.9 ملايين برميل يومياً، ودول أوبك 30 مليون برميل يومياً.
- انخفاض في الطلب في الصين وأوروبا.
- عودة النفط الليبي الى السوق بعد الحرب.
- تصنيع سيارات وطائرات أكثر فعالية في استخدام الوقود.
منذ قرار اجتماع أوبك في أواخر نوفمبر الماضي إبقاء الإنتاج عند مستواه البالغ قرابة 30 مليون برميل يومياً، انخفض سعر برميل النفط برنت حوالى 21%. وهذا ما انعكس على أسواق المال العربية والعالمية.
ففي الأسابيع الـ52 الأخيرة سجل المؤشر السعودي أعلى مستوى سنوي له في 9.9.2014، بـ11,149.36 نقطة، في حين سجل المؤشر أدنى مستوى له يوم الثلاثاء الماضي في 16.12.2014 بـ7,330.30 نقطة أي منخفضاً 34.25% في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
هكذا تكون السوق السعودية وحدها قد خسرت حوالى 64 مليار دولار، في سبع جلسات متتالية. وحاول وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف طمأنة الأسواق إلى قدرة الحكومة على استيعاب الانخفاض الكبير في سعر برميل النفط. وأكد أن الوزارة انتهت من إعداد موازنة العام المالي المقبل، وأنها عرضتها على المجلس الاقتصادي الأعلى.
ورأى العساف أن السعودية ستتمكن من مواصلة تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة والإنفاق على برامج التنمية، وتحقيق نمو اقتصادي إيجابي نتيجة الإنفاق والدور الحيوي للقطاع الخاص السعودي. ذلك أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها لا تتجاوز، حسب البنك المركزي، الـ2% من الناتج، إلى جانب امتلاكها احتياطياً كبيراً من العملات الأجنبية بلغ حتى أكتوبر 734 مليار دولار، أو 95% من الناتج.
كما أن السوق المالية السعودية مقبلة نحو توسيع قاعدة مستثمريها في العام 2015، إذ أعلنت المملكة أنها ستسمح للمستثمرين الأجانب المؤهلين للاستثمار مباشرةً في سوقها المحلية.
إلى ذلك، سجل سوق دبي المالي مع نهاية التداول يوم الثلاثاء الماضي انخفاضاً بنسبة 7.3%، برغم صعوده 13% عند إقفال الخميس. كل هذه الدلائل تتناقض مع تطمينات مسؤولين في صندوق النقد الدولي إلى أن الدول العربية المصدرة للطاقة قادرة على احتواء التراجع في أسعار النفط العالمية. إلا أن تلك التطمينات لم تَحُل دون بروز موجة قلق لدى المستثمرين المحليين. فقد أكد رئيس بعثة صندوق النقد الدوليإلى الإمارات هارالد فينغر Herald Finger أن اقتصادات دول الخليج الكبرى وبسبب بنائها فوائض مالية كبيرة، لن تضطر إلى خفض الإنفاق الحكومي بشكل عميق، وهذا ما سيجنبها التباطؤ الاقتصادي الحاد.
وقال فينغر إن الإمارات العربية المتحدة ستضطر إلى الاستعانة بمخزونها من الأصول الأجنبية من أجل الحفاظ على استدامة الإنفاق الحكومي في حال بقاء سعر البرميل عند مستوياته الحالية، أو واصل انخفاضه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...