"المستشفى بيت الداء"، "تجنب الذهاب إلى الطبيب"، "المستشفى ليست إلا مشرحة"... بهذه العبارات يصف المواطنون المستشفيات الحكومية والخاصة في المملكة العربية السعودية جراء تزايد معدلات الأخطاء الطبية التي أودت بحياة الكثيرين. بات الجميع يخشى اللجوء إلى بعض المستشفيات الخاصة التي قد تستنزف التأمين الطبي، أو تلك الحكومية التي تتدنى فيها مستويات الرعاية الطبية، في ظل مطالبة مستمرة لتشديد الرقابة والعقوبات على المستشفيات والأطباء الذين لا يراعون أخلاقيات مهنتهم.
قصص ضحايا الأخطاء الطبية باتت الوجبات الدسمة للصحافة السعودية: مريض بات مشلولاً بسبب خطأ اقترفه أحد الأطباء، وآخر فقد حياته بعد دخوله المستشفى بسبب كسر بسيط في الساق، ومريض دخل في غيبوبة بسبب زيادة في جرعة المخدر، وغيرها من القصص التي أرعبت المجتمع حتى تحوّلت زيارة الطبيب رحلةً إلى المجهول.
اشتهر الصحفي محمد الثبيتي بتركيزه على نقد الإهمال في المستشفيات السعودية وارتفاع الأخطاء الطبية فيها، إلا أنه وقع نفسه ضحية الأخطاء الطبية التي أودت بحياته مطلع هذا العام. فالثبيتي الذي دخل المستشفى نهاية العام الماضي لوجود خراج في فخذه لم يخرج جراء تعقيدات صحية فشِل الطاقم الطبي من معالجتها، إذ عجز عن وضع أنبوب الأكسيجين في فم المريض عندما عانى من صعوبة في التنفس، وهذا ما أدى إلى توقف القلب ثم الدخول بغيبوبة نتيجة تأخر وصول الدم إلى الدماغ.
هذه الحادثة دفعت بالمديرية العامة للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية في السعودية لإحالة الخطأ الطبي إلى المدعي العام، فيما حظرت سفر الطبيب الذي تولّى الإشراف على وضع الثبيتي الصحي.
قصص لا تنتهي
تتوالى قصص ضحايا الأخطاء الطبية، ولعلّ أشهرها تلك التي أودت، عام 2012، بحياة طفل أحد رجال الأعمال البارزين، وهذا ما دفع لجنة طبية تابعة لمديرية الشؤون الصحية في جدة إلى إغلاق مستشفى "عرفان" الخاص 60 يوماً ألزم خلالها مالك المستشفى بإجراء التعديلات والتحسينات الطبية الضرورية.
يقول الطبيب السوداني "مصطفى بشير" الذي يعمل في أحد المستشفيات الخاصة في جدّة إنّ سبب ارتفاع ضحايا الأخطاء الطبية في السعودية عدم وجود آليات رقابة وتقييم مستمر لعمل الأطباء، إضافة إلى النهم الذي استشرى داخل أروقة الإدارات لحصد الأرباح بواسطة التأمين الطبي الذي توفره الشركات لموظفيها، لا سيما الأجانب. فبات العديد من الأطباء في المستشفيات الخاصة ملزمين بتضخيم حالة المريض لرفع تكاليف العلاج.
قصة "منى اسماعيل" هي إحدى القصص الحزينة التي لم تجد صداها فى أروقة السلطات الصحية. فقدت منى شقيقها الذي أدخل إلى مستشفى خاص عقب حادث بسيط نتج منه كسر في الساق. بُترت الساق لاحقاً بسبب ميكروب عرف طريقه إليها في غرف العناية المركزة في المستشفى، بعدما أجرى الشاب عملية في ركبته، تبيّن أنها لم تكن ضرورية، بحسب منى. تفاقم وضع شقيقها ليدخل في غيبوبة ويتوفى بعد شهر واحد في المستشفى.
تؤكّد منى أن تلك القصة مرّ عليها أكثر من عامين إلا أنها لا تزال تتذكر جيداً أن أخاها لم يكن يعاني من أي مرض قبل وقوع الحادث، وأن حاله لم يستدعِ إجراء جراحة، لأنه كان يستطيع السير عليها.
مقالات أخرى:
يَعتبر "إبراهيم نجم الدين"، وهو شاب سوري يعمل في السعودية، أنّه أحد الناجين من تلك الأخطاء الطبية. عند زيارته أحد المستشفيات الخاصة في مدينة الدمام لوضع حد للآم ضرسه، فوجئ بطبيب الأسنان يطلب منه الخضوع لعملية جراحية مع بنج عمومي لاقتلاع 4 أضراس، علماً أن الألم مصدره ضرس واحدة. رفض "نجم الدين" التعاطي مع هذا الطبيب وفضّل الذهاب إلى إحدى الصيدليات التي أعطته مضاداً للالتهاب كان كفيلاً بمعالجة الألم على الفور. يضيف "نجم الدين" لرصيف22، "حالما يعلم المستشفى بأنك تملك تأميناً طبياً عالي المستوى، تنظر إليك كبقرة حلوب، وتجد نفسك أمام طبيب يطلب منكالخضوع للأشعة بمختلف أنواعها، والمكوث في المستشفى قدر المستطاع، وربما يطلب منك إجراء عملية جراحية".
دفع هذا الأسلوب شركات التأمين إلى تعيين كادر طبي لمراجعة الحالات العلاجية داخل المستشفيات. تُرسل هذه الشركات طبيباً مختصاً لزيارة المستشفيات التي تتعامل معها بغية مراجعة سجلات المرضى ومواجهة أي تجاوز. وهذا ما أكّده الدكتور مصطفى بشير الذي قال: "إنّ شركات التأمين لا يسهل خداعها. فهي تمتلك حق النظر في قيمة العلاج وما إذا كانت الحالة المرضية تستحق ذلك".
ويضيف د. بشير: "الأمر تجاوز التأمين الطبي، إذ بات عدد من شركات الأدوية والمستلزمات الطبية يتدافع إلى الأطباء لترويج المنتجات الطبية، لوصفها لمرضاهم مقابل رحلات سياحية، وحضور مؤتمرات طبية، تتكفل الشركات بكلّ تكاليفها حتى بتكاليف اصطحاب الطبيب لأسرته“.
المستشفيات الحكومية، قصة أخرى!
تجسد المستشفيات الحكومية قمة الإهمال في ظل ازدحام أعداد المرضى وغياب الأسرّة الكافية بسبب تعثّر مشاريع وزراة الصحة. وكان وزير الصحة السابق "أحمد الخطيب" قد أعلن أن الوزارة حصرت المشاريع المتعثرة والمتأخرة بكل مناطق المملكة لدراسة أسباب تعثرها وطرح الحلول التي سيُعلن عنها قريباً فور الانتهاء من هذا الملف الذي وصفه بأهم الملفات على طاولة الوزارة.
محامية الأخطاء الطبية
كانت المحامية السعودية بيان زهران قد أعلنت تبنّيها الترافع عن ضحايا الأخطاء الطبية، لا سيما النساء. فقد كشفت إحصاءات نُشرت حديثاً أن 70% من الأخطاء الطبية تحدث في غرف الولادة بسبب غياب الإمكانات الكافية أو إهمال الطبيب أو عدم وعي الممرضة ما يجب أن تفعله مع الأم الحامل وجنينها. وتعتبر أنّ العقوبات الخاصة بالأخطاء الطبية ضعيفة جداً ولا تتجاوز في حال إزهاق حياة إنسان، السجن ستة أشهر أو الغرامة المالية التي لا تزيد على مئة ألف ريال.
وأضاف أنّ المشاريع تعثّرت لأسباب كانت تحت سيطرة الوزارة وأخرى خارجة عن إرادتها. ومن أبرز الأسباب ارتفاع تكلفة مواد البناء خلال السنوات الثلاثة الماضية مما أدى إلى تأخر بعض المقاولين في عملية التنفيذ والإنشاء.
يُعدّ ملف الصحة في السعودية من أكثر الملفات تعقيداً، إذ تعاقب خمسة وزراء صحة في غضون عامين فقط، وذلك للمرة الأولى في تاريخ السعودية. وتتركز أبرز الأزمات في القطاع الصحي في ملفات أساسية متعدّدة، كالأخطاء الطبية وفيروس كورونا وسوء الخدمات ومافيا الأدوية وتعثّر المشاريع الصحية التي أطاحت الوزير الخطيب من منصبه.
وقد أوصت دراسة أعدّها معهد الإدارة العامة في الرياض بالاهتمام بجودة البنية التحتية لمستشفيات وزارة الصحة من مبانٍ وأجهزة وصيانة واهتمام بشكاوى المرضى ومتابعة الجهاز الطبي والتمريضي والفني والإداري وتشجيع المرضى على التقدم بمقترحاتهم لتطوير الخدمة بما يحقق رضاهم ويساهم في البحث عن فرص التحسين.
يقول الدكتور "مجدي الصباغ" الذي يدير إحدى العيادات الخاصة في مدينة جدة إن عدم محاسبة الطبيب على الأخطاء الطبية يزيد نسبة الإهمال واحتمال وقوع خطأ بنسبة 50%، مشيراً إلى أن مستشفيات القطاع الخاص باتت تحاسب الأطباء على عدم تحقيق الربح المطلوب من قيمة علاج المريض أكثر من أدائه المهني.
نشر الموضوع على الموقع في 12.05.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين
Jack Anderson -
منذ أسبوعشعور مريح لما اقرا متل هالمقال صادر من شخصك الكريم و لكن المرعب كان رد الفعل السلبي لاصحاب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعانا بشكُر حضرتك جدا جدا جدا جدا علي المقاله المهمه والرائعه دي
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعمقال قوي. أحييك عليه.