القديس، صانع البهجة، الساحر، الخلوق. هي أسماء عُرف بها محمد أبو تريكة نجم النادي الأهلي والمنتخب المصري لكرة القدم. وبرغم شعبيته الجارفة، قرّرت السلطة المصرية الحجز على أمواله بتهمة صلته بشركة تموّل الإخوان المسلمين. فهل تريد القول للمصريين "مفيش حد كبير علينا"؟
بزغ نجم أبو تريكة مع النادي الأهلي، قبلة إعجاب المصريين، عام 2004، بعد سنة تقريباً من انتقاله إليه من نادي الترسانة. وتزامنت نجوميته مع تولي مانويل جوزيه تدريب الفريق واعتباره أبو تريكة نجمه المفضل فساهما معاً في حصد 21 بطوله للقلعة الحمراء.
مهارة أبو تريكة الفذة لم تكن السبب الوحيد وراء شعبيته الساحقة. هناك عوامل عدّة تضافرت لصنع أسطورته. فالرجل يمثل صورة البطل الشعبي، القادر على النجاح برغم خروجه من الطبقات الدنيا في السلم الاجتماعي. هو كنجوم السينما يجسد حلم الفقراء في بلوغ الشهرة والثراء على السواء. وأيضاً، ساهمت مواقفه الدراماتيكية كثيراً في صنع أسطورته.
تضامن مع غزة في زمن الصمت
في حين التزم الجميع الصمت أثناء العدوان على غزة عام 2008، أعرب النجم المصري عن تضامنه مع الفلسطينيين، وهذا ما جعله في مرمى نيران الكثيرين بدءاً من الفيفا ووصولاً إلى مراكز صنع القرار السياسي التي لم تكن ترغب في أن يحرجها لاعب كرة قدم.
حينذاك، مرّ موقفه مما يجري في غزة من دون أن يسبب له مشاكل كبيرة. وراح يحصد البطولة تلو الأخرى. وبرغم النجاح المتواصل، ظل يتمتع بأخلاق ابن "ناهية"، المنطقة الفقيرة في الجيزة. فكان خجولاً يميل للعزلة ولم يُرَ في حفلات أو سهرات النجوم ولا في حفلات مجتمع القاهرة المخملي على غرار بقية زملائه.
دعم جمال مبارك
وجدت شعبية أبو تريكة مَن يرغب في استخدامها سياسياً. ففي السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كان جمال مبارك يعمل جاهداً لوراثة حكم والده، وكانت ماكينته الإعلامية تلمّع صورته. من هنا كانت صور النجم الساحر بجوار الوارث المحتمل من الأوراق الرابحة التي استخدمتها حملة مبارك الشاب.
أبو تريكة في ميدان التحرير
مع قيام ثورة 25 يناير، انحاز أغلب النجوم إلى مبارك ونظامه. قلة قليلة منهم اختارت الثورة. وكان أبو تريكة من أهم الوجوه التى ولّت وجهها شطر ميدان التحرير. حينذاك، امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد لفيديوهات "القديس" وهو يصلي في الميدان.
ضد المجلس العسكري
بعد تنحّي مبارك وانتصار الثورة، تولّى المجلس العسكري حكم مصر بقيادة المشير طنطاوي. مرت العلاقة بين المجلس والثوار بمراحل شدّ وجذب، انتهت بكارثة استاد بورسعيد، وهي أكبر كارثة في تاريخ الرياضة المصرية إذ أودت بحياة 77 من مشجعي النادي الأهلي على أثر صدامات بينهم وبين جماهير النادي البورسعيدي.
حينذاك، حمّل الكثيرون المجلس العسكري المسؤولية عن الكارثة. انحاز أبو تريكة إلى جماهير ناديه ورفض مصافحة المشير طنطاوي محملاً إيّاه المسؤولية عن المذبحة. ولم يكتفِ بهذا، بل قاد تظاهرة أمام النادي الأهلي وهتف فيها بسقوط حكم العسكر وردد هتاف تلك المرحلة الأشهر: "يا نجيب حقهم/ يا نموت زيّهم".
هجوم "الساحر" على المجلس العسكري جرّ عليه عداء الدولة ورجالها. ففُتحت نيران البرامج التلفزيونية عليه، حتى أن المذيع أحمد شوبير المعروف بموالاته لمبارك ونجله اتهمه بأنه هو سبب تحميل المشير طنطاوي دم ضحايا استاد بورسعيد كذباً وبهتاناً.
دعم محمد مرسي
قُبيل موعد الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة، دخلت مصر في نفق الانقسام بين المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق، وسط تراجع بارز لأغلب القوى الثورية من المشهد. وانتشرت لافتات في "ناهية"، مسقط راس أبو تريكة، تحمل صورة اللاعب وتعلن تأييده لمرشح جماعة الإخوان مرسي. وكان اللاعب قد أعلن صراحةً، على شاشات التلفزة، أنه يدعم مرسي وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين.
رفض الميدالية
لم يمضِ وقت كثير حتى انقلب الشارع من جديد على حكم جماعة الإخوان، وعادت التظاهرات تهتف بسقوط حكم المرشد، وانتهت الأمور بإطاحة حكم محمد مرسي على يد قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح السيسي، وهذا ما اعتبره البعض انقلاباً ووصفه البعض الآخر بأنه ثورة أيّدها الجيش.
أبى أبو تريكة الاعتراف بحكم السيسي ورفض حتى التعامل معه. وقد ظهر ذلك جلياً حين رفض، عقب فوز الأهلي ببطولة دوري أبطال إفريقيا، تسلم ميدالية من طاهر أبو زيد، وزير الرياضه المصري. بل وقف مرتدياً "تي شيرت" يحمل الرقم 72 في إشاره الى عدد شهداء مذبحة بورسعيد.
هجوم على أبو تريكة
بدا أن السلطة ضاقت ذرعاً من أبو تريكة، وانعكس ذلك في البرامج التلفزيونية، التي كررت الهجوم عليه، حتى أن توفيق عكاشة هاجمه بشكل شخصي غير لائق وعيّره بنشأته الفقيرة واتهمه بتمويل عمليات لشراء أسلحة في رابعة العدوية بهدف قتل رجال الشرطة.
وأخذت ضربات الدولة تتوجه للساحر، ولم يقتصر الأمر على تهجّم البرامج التلفزيونية عليه، بل تم اتهامه بالتهرب الضريبي وهو ما جعله يرد لأول مرة على الدولة عبر حساب الشخصي على تويتر قائلاً: "دائماً حريص على خدمة بلدي بكل السبل. ضرائبي مدفوعة كل عام ولديّ أوراقي الرسمية. فجرّبوا حيلة أخرى".
حصار أبو تريكة
اشتدت العداوة للنجم المصري أكثر فأكثر. وصار البعض يتحدث عن تعليمات تقضي بمنع ظهوره في التلفزيونات أو الحديث عنه في الصحف. واستمر الهجوم بالواسطة إلى أن اتخذت الدولة أخيراً أول خطوة مباشره تجاه اللاعب عندما أصدرت قراراً قضى بالتحفظ على أمواله بتهمة المساهمة في شركة سياحية تمول أنشطة الإخوان المسلمين. لكن القرار نفسه كان مرتبكاً ومحيراً. ففي حين تحدث البعض عن أنه يقتصر فقط على حصته في الشركة، قالت جهات أخرى إنه يشمل جميع أمواله وممتلكاته.
وكعادته، رد أبو تريكة وقال: "نحن من نأتي بالأموال لتبقى فى أيدينا، وليس فى قلوبنا. لتتحفظ (الدولة) على الأموال أو تتحفظ على ما تتحفظ عليه. لن أترك البلد وسأعمل فيها وعلى رقيها".
— AbouTrika Official (@trikaofficial) May 7, 2015
الخلاصة
محمد أبو تريكة، صاحب الموهبة والشعبية الطاغية والقادم من أحياء الجيزة الفقيره إلى عالم الشهرة، يقف اليوم على حافة المعركة. لا أحد يمكنه التنبؤ بمشهد النهاية في صدامه مع السلطة في مصر. ولعلّ السلطة أرادت أن يكون قرار التحفظ على أمواله اختباراً لرد فعل الشارع على حربها ضد معارضيها.
وليس مستبعداً أن تمضي السلطة في عنادها لتزج باللاعب المشهور في السجن، موجهةً عبره رسالة إلى كل من يجرؤ على معارضتها: "مفيش حد كبير علينا". كما من الوارد أيضاً أن تدرك السلطة حماقة الاصطدام بصانع البهجة الأول في قلوب المصريين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع