شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لا فرق بين وأد المرأة في الجاهليّة ووأد كيانها في عصرنا اليوم

لا فرق بين وأد المرأة في الجاهليّة ووأد كيانها في عصرنا اليوم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 12 مارس 201912:21 م

منذ فترة يسكن عقلي هاجسٌ، هو أن عبادة الأصنام والأوثان لم تنتهِ في تلك البلدان التي اعتنقت الأديان السماوية - كما نظن - أو ذاك المشهد الذي كان فيه الأنبياء يحطمون الأصنام، معلنين انتصار دين التوحيد.

فقد حطمت الأديان الأصنام والأوثان الحجرية. وقد بقيت إلى اليوم تلك الأصنام التي تسكن العقول، ويقدّسها الناس، ويقدمون لها قرابين الطاعة والولاء، دون أن يقربوها بمعولٍ للهدم. الأصنام في أحيان كثيرة قد تكون أفكاراً أو عادات وتقاليد - ما أنزل الله بها من سلطان - يتخذها بعض الناس مأخذ العبادة والتقديس، دون أن يمسوها بنقاش أو تفكير قد يسقطها، ويظهر وهميّتها.

كثير من الأفكار التي تعتنقها المجتمعات الذكورية عن المرأة، هي من قبيل تلك الأصنام الحجرية التي تسكن العقول، وتُقدّم لها فروض التقديس، وصلوات الطاعة، بعيداً عن أطر العقل والمنطق، ولا تمس بتفكيرٍ واع ومدرك، من شأنه أن يحطمها، ويسقطها، وإن كانت الأولى بالتقديس هي الحقيقة، وخلاصتها أن المرأة قادرة، وليست ضعيفة وناقصة إلا بقدر ما يريد لها المجتمع وثقافته، وبقدر قبولها هي هذا.

يقول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: "إن أول اضطهاد عرفه التاريخ هو اضطهاد النساء، مما يجعل نسف الأسس التي يقوم عليها ذلك الاضطهاد، خطوة ضرورية لنسف كل اضطهاد آخر".

والذكورية، وإهدار حقوق المرأة، واِضطهادها لا يغذيها فقط رجل يجد ضالته المنشودة في امتهان المرأة، والتقليل من عقلها، وقدراتها، ليفرض وصايته على إرادتها، ويتعامل معها كقطعة شطرنج يحركها كيفما يشاء، دون أن يكون لها رأي أو هوية.

وغالباً ما يكون هذا الرجل تهاوت عروش قوته، وثقته في نفسه، في معاركه المجتمعية الطاحنة، التي فشل أن يثبت فيها تميزاً فكرياً، أو إبداعاً عقلياً، أو نجاحاً عملياً، ليستعيض عن هذا ببسط سيطرته على آخر ممالكه المسلوبة (وهي المرأة)، فيستميت لأن تبقى قابعة تحت حكمه، متفنناً في استخدام أساليب العنف المعنوية والجسدية إمعاناً في قهرها، واِغتيال شخصيتها ورأيها، وإرادتها، ليستمد قوته من شعوره بضعفها، وإحساسه بتملك زمام أمورها.

كثير من الأفكار التي تعتنقها المجتمعات الذكورية عن المرأة، هي من قبيل تلك الأصنام الحجرية التي تسكن العقول، وتُقدّم لها فروض التقديس، وصلوات الطاعة، بعيداً عن أطر العقل والمنطق، ولا تمس بتفكيرٍ واع ومدرك، من شأنه أن يحطمها.
لكن الفكر الذكوري قد تغذيه أيضاً امرأة لا تؤمن بنفسها، وقدراتها، امرأة تظن أن الوصاية تمنحها حماية لا تستطيع أن تمنحها لنفسها، أو تهديها لفكرٍ وعقل هي قاصرة في الوصول إليهما.
بوأدهم المرأة في الجاهلية كانوا يميتونها مرةً واحدة، أما بوأد دورها وفكرها وكيانها اليوم فهي تموت آلاف المرات تحت براثن الجهل والموروث من الأعراف المجتمعية البالية.

لكن الفكر الذكوري قد تغذيه أيضاً امرأة لا تؤمن بنفسها، وقدراتها، امرأة تظن أن الوصاية تمنحها حماية لا تستطيع أن تمنحها لنفسها، أو تهديها لفكرٍ وعقل هي قاصرة في الوصول إليهما.

فالعادات التي تمثل إهداراً لقيمة المرأة، تدعمها بعض النساء، بدءاً من التمييز وعدم المساواة في المعاملة بين أطفالهن من الذكور والإناث، وتزكية الذكر على الأنثى في المعاملة، وتربيته على أن الرجولة تأتي كلما أظهر قوةً وعنفاً تجاه الإناث، أو تربية الفتاة على أنها خلقت لغرضٍ واحد تدور في فلكه، هو الزواج، والمطبخ، وتنظيف أواني الطهو الفارغة، وتنظيف المنزل... دون أن يكون هناك اهتمام بتعليمها وتثقيفها، ومنحها الثقة في نفسها، لتكون عنصراً ذا فاعلية وتأثير في المجتمع.

ليس هناك فرق كبير بين وأد المرأة في الجاهلية، ووأد دورها وفكرها وكيانها في المجتمعات الذكورية، بل أنهم بوأدهم المرأة في الجاهلية كانوا يميتونها مرةً واحدة، أما بوأد دورها وفكرها وكيانها اليوم فهي تموت آلاف المرات تحت براثن الجهل والموروث من الأعراف المجتمعية البالية، ويموت معها جيل كامل من النشء لم يتربَّ على استنشاق نسيم الحرية والفكر والإبداع.

إن خطر عدم تمكين المرأة لا يكمن فقط في إهدار دورها وكيانها، بل هو مؤشر سلبي إلى مجتمع لا يساوي بين جميع أفراده، وبالتالي هو مجتمع تمييزي لا يحقق المساواة، ويهدر طاقاته وموارده البشرية، مما يعود سلباً عليه. إذ ليس هناك مجتمع يصل إلى التقدم دون تمكين نسائه بمنحهن دوراً أكبر في المشاركة الفعالة في جميع مناحي العمل العام والمجال السياسي، وفي تعزيز قدراتهن، والارتقاء بواقعهن الثقافي والتعليمي والمجتمعي.

فتمكين المرأة هو تمكين للمجتمع؛ بالإضافة إلى أن من شأنه أن يؤدى لإنتاج أسرة متجانسة وقوية البنيان، يحترم كل فرد فيها الآخر، ويؤمن بدوره ومكانته، مما ينشئ جيلاً واعياً، سوياً في فكره، ومعتدلاً في رؤاه، ومستقراً نفسياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard