شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الجمعة الثالثة من حراك الجزائر: مسيرة النساء ضد النظام والذكوريّة

الجمعة الثالثة من حراك الجزائر: مسيرة النساء ضد النظام والذكوريّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 9 مارس 201907:18 م
بعد أسبوعين من الحراك الشعبي ضد العهدة الخامسة، وبعد إعلان المجلس الدستوري عن قبول ملف المترشح عبد العزيز بوتفليقة، خرج الجزائريون في الجمعة الثالثة تحت شعار مسيرة النساء، بما أن اليوم توافق مع الثامن من مارس. "عيد المرأة" في جزائر بوتفليقة مناسبة تحوز اهتمام وسائل الإعلام كل سنة، فبعيدًا عن جدلية هل نحتفل بالعيد يومًا واحدًا أو كل يوم، حاول نظام بوتفليقة أن يبيع صورته كمناصر لحقوق المرأة في المجتمع والسياسة، رغم أن حال حقوق المرأة أولًا وقانون الأسرة ثانيًا في الحضيض. لكن هنالك شيء آخر دفع بالمتظاهرين والناشطين في الحراك (رغم عدم بروز شخصيات منه، بل وهنالك تخوّف من أن يحمل الحراك صفة الشخصيات بدل صفة الشعب) لتبني صفة "مسيرة النساء" لهذه الجمعة الثالثة، وهو في رأيي ضرورة إيجاد أسباب أُطُرْ وأسباب سلمية جديدة ومُبتكرة للدفع بالمزيد من المواطنين للنزول إلى الشارع، ليس في العاصمة وحدها بل وفي باقي ولايات البلاد؛ وهذا ما كان. بدأ التجمّع في وسط الجزائر، بين ساحة موريس أودان وساحة البريد المركزي، المتظاهرون لم ينتظروا نهاية صلاة الجمعة للتجمهر، وطيلة الطريق من أعالي العاصمة إلى وسطها رأيتُ الناس ينحدرون فُرادى أو في مجموعات صغيرة. الانطباع الأول هو الفرح، ففي الجمعتين الماضيتين كان هنالك حذرٌ بين المُشاة سرعان ما يتحوّل إلى ابتساماتٍ مُتواطئة تُفيدُ بـ: "نحن ذاهبون لنفس المكان، للمظاهرة." هذه المرّة الجميع يسير خفيفًا من دون قيد، آباءٌ يوقفون سياراتهم في شارع ديدوش مراد لتنزل عائلاتهم، نساءً وأطفالًا يتوجهون نحو المسيرة. باعةُ الورد عملوا كما لم يعملوا من قبل، نساءٌ ورجال يحملون الورود. الكل يحمل أعلامه وشعاراته. يجبُ القول أيضًا بخصوص الشعارات، وبعد مسيرات الطلبة التي اكتشف الجميع فيها جيلًا من الجزائريين يرفعون شعارات بثلاث لُغات وبمخزون كبير من الفكاهة، جُمعة 8 مارس كانت جُمعة شعارات أيضًا. لافتاتٌ من كل الأحجام، ضد بوتفليقة والحكومة وكل رموز العشرين سنة الأخيرة التي كرّست القوادة والضجر حتى حسبَ الجميع أنّ الفكاهة والمزاح غادرا هذي البلاد. النساء كُنّ أكثر عددًا من المرّات السابقة طبعًا، ومن كل الأعمار والخلفيات الاجتماعية. وصلتُ إلى شارع ديدوش مراد قبل الواحدة زوالًا، وجدتُ العائلات تتصوّر مع صورة لشهيد الثورة الجزائرية العربي بن مهيدي كُتِب تحتها: إذا أردنا أن نختارَ صورةً داخل إطار فسنختار هذا الإطار. في إشارة لصورة بوتفليقة التي نابَت عنه في كل مكان. التقيتُ صديقة مصورة تحرصُ على حضور كل المظاهرات، منذ اليوم الأول، وعاشت الخطر في أكثر من نقطة مواجهة. معها صديقةٌ أخرى، موديل وشخصية مشهورة على أنستغرام، كلتاهما نازلتان إلى المسيرة. أصلُ إلى ساحة أودان فأجد العائلات قد تجمّعت، الشباب احتلوا الساحة الصغيرة عند مخرج النفق الجامعي ورفعوا شعارا كبيرًا: "الحكومة تتبول علينا وهم يخبروننا أن السماء تمطر." على اليسار انتبهتُ إلى رجال الشرطة بخوذاتهم وشاحناتهم الزرقاء يسدون بداية شارع محمد الخامس، فهمتُ أن هنالك شيئًا قد تغيّر، هذا الشارع لم يُغلق ولا جُمعة، أغلقوه في أيام الأسبوع فقط ومظاهرات الطلبة. الشرطة صارت تُحسن التحكّم في الخريطة والإقليم وليس في يد المواطنين سوى الضغطُ بالعدد، هذا هو قانون السلمية. أسيرُ حتى ساحة البريد المركزي فأجدُ آلاف المتظاهرين يحتلّون الساحة كلها، والشرطة قد وضعت شاحناتها ورجالها حول الساحة، يراقبون في صمت. أصادف الكثير من المعارف، صديق عاد من فرنسا ونزل ليشارك، زميلة سابقة في الجامعة نزلت مع عائلتها، أصدقاءٌ أعرفهم على فيسبوك فقط، صحافيون وصحافيات، أعودُ لساحة أودان لأرى الجموع وهي تتقدّم. يبدأ الأمر بمسيرات صغيرة، كل واحدة تتكوّن من عشرات الأشخاص، أميّزُ شعارات حزب يساري يتقدمه رئيس الحزب وزوجته ثم مسيرةً أخرى لمجموعة نسوية أقل عددًا ولكن شعاراتها أكبر حجمًا، كل النساء يلبسن نفس القميص الأبيض ويُردّدن شعارًا يربطُ بين السلمية والنسوية. أرفعُ يدي لتحيّة واحدة منهن، أعرفها، كانت سعيدةً وهي ترفعُ لافتة حمراء كبيرة: "عيينا من حُكم الرجال." مع نهاية الصلاة يصلني فيديو على واتساب، سجّله صديق أمام مسجد في العاصمة حيث خرج المصلّون وهم يردّدون "جزائر حرّة ديمقراطية".
"عيد المرأة" في جزائر بوتفليقة مناسبة تحوز اهتمام وسائل الإعلام كل سنة، حيث حاول نظام بوتفليقة أن يبيع صورته كمناصر لحقوق المرأة في المجتمع والسياسة، رغم أن حال حقوق المرأة أولًا وقانون الأسرة ثانيًا في الحضيض.
كل النساء يلبسن نفس القميص الأبيض ويُردّدن شعارًا يربطُ بين السلمية والنسوية. أرفعُ يدي لتحيّة واحدة منهن، أعرفها، كانت سعيدةً وهي ترفعُ لافتة حمراء كبيرة: "عيينا من حُكم الرجال."
شيءٌ آخر جديد، وهو أن أجساد الرجال والنساء لم يسبق لها أن اختلطت بهذا العدد وبالطريقة التي حدثت بها في جمعة 8 مارس، عجينةٌ كبيرة من الجزائريين والجزائريات تمتدُّ على طول الشوارع الرئيسية التي حملت فوق طاقتها بأضعاف الأضعاف.
مئات آلاف المواطنين في الشارع، هذا صار أمرٌ مؤكد، فوق المليون أو قبل المليونين، لكن الذي تغيّر هو تحكّم في منطقة وسط المدينة. كان بعض المتظاهرين يشكون في اختراق الشرطة للمسيرات و"تأطير" أجزاءٍ منها، لكن الجمعة الثالثة عرفت إغلاقًا لكل الشوارع التي تصعد نحو حي تيليملي والمرادية حيث مبنى الرئاسة، أي كل تلك الشوارع التي عرفت المواجهات وضرب الشرطة المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. هذا الأمر أكّد لي أن التظاهر أو السير في وسط العاصمة وحده أمر شبه مستحيل، لأن هندسة المدينة (التي عمّرها الاستعمار الفرنسي بين نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20) لا تسمح بذلك. قليلةٌ هي المساحات الواسعة والمفتوحة، والجموع تتحرّك في شوارع ضيّقة غير مُسطّحة، وفوق كل هذا –حرفيًا- هُنالك مروحية الشرطة التي تُراقب تحرّك الجموع مثل حشرةٍ ضخمة تُصدر صوتًا مُزعجًا. شيءٌ آخر جديد، وهو أن أجساد الرجال والنساء لم يسبق لها أن اختلطت بهذا العدد وبالطريقة التي حدثت بها في جمعة 8 مارس، عجينةٌ كبيرة من الجزائريين والجزائريات تمتدُّ على طول الشوارع الرئيسية التي حملت فوق طاقتها بأضعاف الأضعاف. أسأل صديقةً طالبة تنشطُ في جمعية نسوية عن سبب نزولها اليوم، فتقول أنها نزلت مع الطلبة وفي الجمعة الثانية، ولكنّها تشعرُ أنها يجبُ أن تسيرَ اليوم ضد النظام وضد الذكورية، ثم تُضيف: "لكن يجب على النساء المحافظة على وجودهن في المجال العام الذي انفتح فجأة في وجه الجميع، يوم الجمعة في المخيال الجزائري هو يوم ميت، حتى الرجال وما يخرجوش غير للصلاة، اليوم نحن نرى النساء والرجال برّا، هذه لحظة جميلة ويجب المحافظة عليها من طرف النساء أولًا." صديقة ثانية، وهي مخرجة سينمائية، قالت أن وجود النساء بهذا العدد جعل الطابع العام للحراك أكثر سلمية. "أنا اكتشفت مع الحراك أن التنظيم والشعارات آتية من ملاعب كرة القدم، كل إيقاع المسيرات جاء من هناك. ثم الشيء الذي يُعجبني مع كل مسيرة من هذا الحراك، أنني أرى جزائر جديدة كل مرة، لا توجد مسيرة تُشبه لسابقتها." قبل أن تضيف: "حتى بعد المواجهات التي حصلت على مستوى تيلملي، صديقة لي وجدت نفسها تفتح بيتها للمتظاهرين ورجال الشرطة الذين احتموا عندها، كلهم شباب، موقفٌ غريب، يُشبه احتماء المجاهدين بالمنازل في وقت الثورة، لكن هذه المرة من هو العدو؟ شيءٌ غريب كيف تكون قصصنا والأحداث دائمًا أكبر وأوسع من التاريخ." في حين رأت صديقة ثالثة صحافية تهتمّ بدور المرأة في الثورة التحريرية أن النساء الجزائريات يخرجن دون دعوة، منذ بداية الحراك وهُنّ في الشارع، سواء العاصمة أو بقية الولايات: "لا يجب أن يُنسينا 8 مارس وألوانه في أننا في الشارع منذ البداية، حتى جميلة بوحيرد رمز الثورة نزلت إلى الشارع، لكن الدرس الذي يُمكن استخلاصه من جيل بوحيرد، هو بعد تحقيق مطالب الحراك، يجب البقاء في المجال العام والسياسة وعدم العودة إلى البيوت والمجالات المغلقة مثلما حدث مع جيل بوحيرد بعد الاستقلال، كان على الدولة وقتها أن تُخرج النساء من البيوت وتُعيدهن إلى الشارع والمؤسسات، ونحن اليوم لن ننتظر من أحد أن يدعونا أو يعيدنا، بل سنبقى ونحتل الأماكن... رغم أن الشرطة أغلقت علينا الشوارع اليوم." تقول وهي تُشير إلى الشاحنات الزرقاء التي يستدير عندها المتظاهرون. انتهت المسيرة السلمية بمواجهات في حي تيلملي، أمام مدرسة الفنون الجميلة، بعد أن تفرّقت المسيرات في الأحياء السفلية للمدينة. حيث قمعت الشرطة المتظاهرين وانتشر فيديو لشاحنة شرطة تدهس أحد المتظاهرين، الأمر الذي فجّر موجة غضبٍ عند الشباب تسبّبت في تراجع الشرطة التي وجدت نفسها من دون دعم فيما يبدو، فتفرّق أفرادها ووقع بعضهم في قبضة المتظاهرين الذي كانوا يحاولون إسعاف جرحاهم في مدخل عمارةٍ تمركزت فيه مُمرّضةٌ مُتطوّعة حسب شهادات العائدين من هناك.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image