تعاني المرأة ما تعانيه من ظلم وقمع من قبل الأهل والمجتمع والدين، لتأتي اللغة العربية وتساهم في تحطيمها وجعلها أدنى مرتبة من الرجل.
لا يقتصر الأمر على كلمة عانس فقط، بل كذلك توجد في اللغة العربية كلمات وتعابير تحقّر المرأة وتقلل من شأنها.
أما تعريف كلمة عانس في قاموس اللغة العربية فهو: إمرأةٌ عَانِسٌ: أَسَنَّتْ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ
وأيضاً: عَنَسَتِ وعَنِسَتِ الجاريةُ عُنوساً وعِناساً: طالَ مُكْثُها في أهْلِها بعدَ إدْراكِها، حتى خَرَجَتْ من عداد الأبْكارِ، ولم تَتَزَوَّج قَطُّ.
إذاً مصطلح العنوسة ينطبق على الأَمَة والجارية. هكذا فهم العرب المرأة. هكذا صنّفوها.
فيما يحاول علماء الألسن تحريك مياه اللغات الراكدة، لا يحرك العرب ساكناً ولا يقومون بأي مجهودٍ لإزالة بعض المصطلحات التي لم تعد تصلح اليوم.
لو أزلنا كلمة عانس من قاموس اللغة العربية، فهل نتمكن من إزالتها من عقول الناس؟ هل نستطيع أن نمحو تعابير متأصلة في مجتمعاتنا مثل: "ظلّ راجل ولا ظل حيطة" "الرجّال لو فحمة رحمة" وغيرهما من الامثال الشعبية التي تعتبرها مجتمعاتنا نصوصاً مقدّسة؟
العانس هي من تحدّت المجتمع وقالت لا لزواج الصالونات.وهي من رفضت كل الشباب الذين تقدموا للزواج بها، لأنهم لم ينظروا إليها إلّا كوعاء لإنجاب الأطفال.. هي ليست عانساً. هي لم تتزوج.في زمنٍ تحاول المرأة بشتى الطرق إثبات أنها ليست مجرّد وعاء جنسي، ليست فقط أماً وطباخة وخادمة لزوجها وأولادها، تساهم اللغة العربية في إبقائها بمكانها المعهود: غرفة النوم والمطبخ. ولكن لو أزلنا كلمة عانس من قاموس اللغة العربية، فهل نتمكن من إزالتها من عقول الناس؟ هل نستطيع أن نمحو تعابير متأصلة في مجتمعاتنا مثل: "ظلّ راجل ولا ظل حيطة" "الرجّال لو فحمة رحمة" وغيرهما من الامثال الشعبية التي تعتبرها مجتمعاتنا نصوصاً مقدّسة؟ يبدو أن الطريق طويل نحو الحرية والمساواة... في الحقيقة، يتعرض الرجل الشرقي لبعض الضغوط من أهله ومجتمعه إن لم يتزوج. ولكن لا مجال لمقارنة وضعه مع وضع المرأة إن لم تتزوج. تولد الفتاة في العالم العربي، فيشعر الأب بثقل كبير يقع على كتفيه. فهي لا تملك قضيباً كأخيها، فإذاً هي ناقصة، هي مشروع عاهرة إن لم تتزوج. فالزواج ستر للمرأة، أما الرجل، فلا يعيبه شيء. عندما تتزوج ابنته يرتاح من همّها، يلقي بالثقل الذي يحمله من سنوات على كتفَيْ رجل آخر. عانس كلمة يستخدمها الناس، ترافقها في أغلب الأوقات نظرات شفقة. عيونهم تنظر إلى الفتاة الثلاثينية التي لم تتزوج كأنها مخلوق فضائيّ لا ينتمي إلى فصيلتهم، مكانه النفي إلى كوكب آخر. وتستمرّ حياة المرأة بشكلها البائس الذي يسعى للهروب من بؤس إلى بؤس خوفاً من البؤس. لم تساهم امرأة واحدة في وضع قوانين اللغة العربية. لم يأخذوا بآراء النساء عندما تم تصنيفهنّ حرائرَ وجواري. لا تهمني تصنيفاتكم. واحتفظوا بكلماتكم وتعابيركم البالية، أما بالنسبة لي، فالعانس هي المرأة القوية المستقلة، المرأة العاملة، هي المفكرة والمثقفة التي وضعت نفسها في سلّم أولوياتها. العانس هي من تحدّت المجتمع وقالت لا لزواج الصالونات. وهي من رفضت كل الشباب الذين تقدموا للزواج بها، لأنهم لم ينظروا إليها إلّا كوعاء لإنجاب الأطفال. لا تغيّروا اللغة، لا تطوّروا المصطلحات، دعونا نستخدم الكلمات التي فُرضت علينا بالطريقة التي نراها مناسبة. هي ليست عانساً. هي لم تتزوج.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ دقيقةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يوملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 6 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...