بعد أربعة أشهر على انتخابه رئيساً للعراق، يحلّ برهم صالح ضيفاً على العاصمة الفرنسيّة باريس مساء الأحد المقبل، في زيارة تستمرّ ليومين وتظهر كتبادل للأدوار مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان يُفترض أن يزور بغداد يومي الـ27 والـ28 من فبراير الحالي، بينما منعه "جدوله المُزدحم" من ذلك. لقاء صالح - ماكرون سيكون الأول من نوعه بين الرئيسين، وسيبحث في ثلاثة نقاط أساسيّة، هي توطيد العلاقات السياسية، التعاون حول تحديد مصير مقاتلي "داعش" - الفرنسيين تحديداً - وإطلاق عجلة التبادل التجاريّ.
دور باريس الوسطي
"هذه الزيارة مهمّة جداً بالنسبة للعراقيين"، بحسب ما أسرّ به دبلوماسي عراقي في حديث مع الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو، الذي ينقل في تقرير له في صحيفة "لوفيغارو" النظرة الدبلوماسيّة في العراق للزيارة. ويقول الدبلوماسي موضحاً: "تتمتّع فرنسا بعلاقات جيّدة مع الأكراد. لدينا رئيس وزراء فرانكفوني هو عادل عبد المهدي. وتوحي الزيارة أن هناك اتفاقاً استراتيجياً بين بلدينا قد اكتمل بشكل تقريبي". ويقول شارحاً إن هذا الاتفاق يُطابق ما يتمناه العراقيون الذين كانوا يُعوّلون على زيارة ماكرون لتوقيع "خريطة الطريق"، علماً أن الرئيس الفرنسي قد يعود لزيارة العراق أواخر مارس المقبل. بحسب مالبرونو، تنبع أهميّة الحضور الفرنسي في المشهد العراقي من "قدرة باريس على لعب دور وسطي"، وهذا ما تُدركه الجهات العراقيّة "العالقة بين ضغط الولايات المتحدة التي تدفعها باتجاه تشديد مواقفها ضدّ إيران وحجم تأثير الأخيرة على الداخل العراقي". وحول هذه النقطة، تحدّث الدبلوماسي العراقي مادحاً "العلاقات الجيّدة التي تجمع فرنسا بمعظم جيران العراق، من إيران إلى السعودية وقطر"، بينما اعتبر أن "الوجود الفرنسي في العراق مُهم لتهدئة لعبة الممثلين الخارجيين الذي يريدون جعل بلادنا ميداناً مغلقاً لتصفية حساباتهم". في المقابل، نقل مالبرونو عن الدبلوماسي قوله إن "داعش" تعرّضت للهزيمة، لكن "الجهاديين لا يزالون يمتلكون جيوباً في جميع أنحاء البلاد… أيديولوجيتهم لم تختف، ونحن نعلم بوجود أشخاص سعوديين وقطريين يستمرون في الحفاظ على علاقات جيدة مع بعض شيوخ القبائل في محافظة الأنبار".صفقة الجهاديين المُبهمة
تأتي الزيارة المرتقبة "بعد عام من الانتصار على داعش في العراق"، فيما يُبدي الجهاديون مقاومة شرسة في آخر جيب لهم في شرق سوريا. لكن باريس، المُنخرطة في المشهد العسكري بين سوريا والعراق، أكدت على نيتها متابعة المعركة ضد "الدولة الإسلامية"، وبخاصة ضد الجهاديين الفرنسيين، "الذين ما زالوا يشكلون تهديداً لبلدنا"، بحسب تعبير وزيرة الجيوش فلورانس بارلي. عند ذكر "خريطة الطريق" يُشير المتابعون إلى قضية الجهاديين الفرنسيين المعتقلين في العراق، والذين تطالب باريس بمحاكمتهم حيث هم، بينما شغلت قضيتهم مساحة نقاش واسعة بين المعنيين. وهكذا، سيكون مصير الجهاديين الفرنسيين، الذين تمّ نقلهم في الأسابيع الأخيرة من سوريا إلى العراق، محور المحادثات. ليس هناك الكثير من التفاصيل حول المطلوب من الطرفين، لكن يمكن لبغداد أن تسعى إلى الاستفادة من تقديم "هذه الخدمة" إلى فرنسا.لقاء صالح - ماكرون سيكون الأول من نوعه بين الرئيسين، وسيبحث في ثلاثة نقاط أساسيّة، هي توطيد العلاقات السياسية، التعاون حول تحديد مصير مقاتلي "داعش" - الفرنسيين تحديداً - وإطلاق عجلة التبادل التجاريّ
"يجب ألا يكون لدى الفرنسيين دوافع خفيّة، يسعون إلى الحصول على مكان في العراق للقيام بشيء ما في سوريا أو في أي مكان آخر... لكننا نحتاج لفرنسا في العراق"، بحسب دبلوماسي عراقيوتتحدث التقارير عن نشر أكثر من ألف جندي فرنسي بالقرب من بغداد لتدريب الجيش العراقي، وشمالاً لإنهاء الحرب ضد "داعش" في سوريا على وجه الخصوص. وتزامناً مع الاستعداد للزيارة، أكد مصدر مطلع في جهاز الاستخبارات العراقية اعتقال 13 عنصراً من تنظيم "داعش"، يحملون الجنسية الفرنسية، خلال عملية نُفّذت داخل الأراضي السورية بالتعاون مع "التحالف الدولي". وبحسب المصدر، هناك "12 من المعتقلين من أصول عربية وواحد فرنسي، كانوا يُنفّذون عمليات إرهابية في الموصل ومطلوبين للقضاء العراقي"، لافتاً إلى أن فرنسا أبلغت الجانب العراقي رفضها تسلّم المعتقلين، لكنها مقابل ذلك ستستمر بتقديم الدعم اللوجستي للعراق في الجوانب الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية. وكان وزير الدولة الفرنسي للداخلية لوران نونيز قال إن "المقاتلين محتجزون لدى الأكراد، ونحن على ثقة تامة في قدرتهم على الإبقاء عليهم رهن الاحتجاز"، في وقت وصفهم وزير الخارجية جان إيف لو دريان بـ "أعداء الأمة الذين يجب أن يمثلوا أمام العدالة سواء في سوريا أو العراق". ويلفت الصحافي ريشار لابفيير إلى وجود 5 آلاف معتقل من الجهاديين وعائلاتهم، غالبيتهم من النساء والأطفال لدى "قوات سوريا الديموقراطية"، ويضم هذا العدد 103 من المواطنين الفرنسيين. بحسب لابفيير، فإن "الموقف غير الرسمي الفرنسي كان يُفضّل موت الجهاديين أو تسليمهم للسلطات العراقية. وقد بدأ قسم من المحامين الملتحفين براية حقوق الإنسان، كويليام بوردون مثلاً، حملة بهدف استعادتهم ليُحاكَموا في فرنسا أو ليخضعوا لبرامج مكافحة الراديكالية".
"الأشباح الصغيرة"
إضافة إلى قضية الجهاديين، تحدثت تقارير صحافية وبينها تقرير "ليبراسيون" الفرنسية عن أبناء الفرنسيين في تنظيم "داعش" الذين وُلدوا في العراق، واصفاً إياهم بـ"الأشباح الصغيرة" الذين لم تُقرّر فرنسا بعد نقلهم لأراضيها.سيكون مصير الجهاديين الفرنسيين، الذين تمّ نقلهم في الأسابيع الأخيرة من سوريا إلى العراق، محور المحادثات. ليس هناك الكثير من التفاصيل حول المطلوب من الطرفين، لكن يمكن لبغداد أن تسعى إلى الاستفادة من تقديم "هذه الخدمة" إلى فرنساوأوضح التقرير أن "منذ اشهر عديدة، واجهت فرنسا مشكلة الأطفال الذين وُلدوا أو نشأوا على الأراضي التي يحكمها تنظيم داعش"، موضحاً أنه وفقاً لأرقام من وزارة الداخلية نشرتها مطلع فبراير الحالي فقد عاد 87 قاصراً إلى فرنسا، 81 منهم خاضعين لإجراءات المساعدة التعليمية والنفسية. وأشارت الصحيفة الى أن "فرنسا تدرس عدة خيارات بشأنهم، ومنها عودتهم من عدمها، وفقاً لتقييم المخاطر الخاص بها، بعد إعلان أميركا سحب قواتها من سوريا".
"الملموس" الاقتصادي
"نتوقّع بشكل خاص عودة الشركات الفرنسية"، نعود هنا إلى كلام الدبلوماسي العراقي مع مالبرونو، والذي يوضح كذلك أن فريق الطيران المدني الفرنسي سيزور قريباً بغداد لإعادة افتتاح ممكنة لخط باريس - بغداد المغلق منذ عام 2010. بشكل موازٍ، تتمنى بغداد افتتاح البنك الفرنسي لفرع له في العراق لتسهيل التجارة، بحسب الدبلوماسي الذي يُقرّ في المقابل بحالة انعدام الأمن وانتشار الفساد المستمرة في الحكم، ما يعني توقّع "عودة بطيئة للشركات الفرنسية إلى بغداد". ويُقرّ المسؤول العراقي كذلك بأن العلاقات جيّدة مع باريس، لكن بغداد "بحاجة إلى ملموس"، ويُعطي مثالاً عن ذلك التعاون الثقافي، قائلاً: "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به… لدينا 13 طالباً عراقياً في فرنسا وأكثر من خمسة آلاف في روسيا". أبعد من ذلك، تزعم بغداد أن فرنسا تبني سياسة عراقيّة مع الدولة المركزية. ولكن... "تتحدث فرنسا كثيراً عن الأكراد والأيزيديين والمسيحيين، وهي تُركّز أكثر على الأقليات منه على العراق كدولة. يجب ألا يكون لدى الفرنسيين دوافع خفيّة، يسعون إلى الحصول على مكان في العراق للقيام بشيء ما في سوريا أو في أي مكان آخر... لكننا نحتاج لفرنسا في العراق"، يقول الدبلوماسي. في المقابل، تظهر المفارقة في جدول الزيارات الفرنسية، بالكشف عن نيّة الرئيس السابق فرانسوا هولاند زيارة أربيل في 25 فبراير الحالي للقاء "الأصدقاء الكرد"، بينما يُرجَّح كذلك مروره ببغداد والموصل. وفي سياق متصل، كان لودريان قد زار بغداد قبل أيام، وأكد من هناك - خلال لقائه بنظيره العراقي محمد الحكيم - التزام باريس بتقديم مليار يورو للمساعدة في إعادة إعمار البلاد، وتحديداً المناطق الأكثر تضرراً في العراق، فيما تُقدّر وزارة التخطيط العراقية تكلفة إعادة الإعمار بحوالى 88 مليار دولار، بحسب "أسوشيتد برس".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...