“إنت عاملة حاجب تخين وحاجب رفيع ولا إيه؟ دول كام؟" جملة خالدة قالتها أم حسين، التي أدت دورَها الفنانة المصرية الراحلة ماري منيب، لشريفة (لبنى عبد العزيز) الفتاة التي يرغب ابن ماري في التقدم لخطبتها في الفيلم المصري "هذا هو الحب”. المشهد الذي استمر نحو 4 دقائق يعتبره النقاد من أهم مشاهد السينما المصرية، جسّد الحماة بطريقة كوميدية.
ذلك المشهد السينمائي على بساطته عكَس حجمَ موهبة ماري منيب وقدرتها على تقمص الدور المطلوب منها بشكل يحاكي الواقع حتى إن المُشاهد يكاد لا يميز الحد الفاصل بين الخيال والواقع وكأن منيب هي فعلاً حماة قاسية القلب تهمها فقط سعادة ابنها وفي سبيلها تكيد المكائد لكن “قلبها أبيض”.
فيلم هذا هو الحب هو واحد من عشرات الأفلام التي قدمتها منيب للسينما المصرية، حقق جميعها نجاحاً جماهيرياً كبيراً، ورغم أن منيب لم تكن أبداً النجمة الرئيسية في أفلامها، بل كان نصيبها على الدوام الأدوار الثانوية، إلا أنها أبدعت في أداء تلك الأدوار الثانوية، ما بوأها مكانة متميزة في قلوب المصريين على مر الأجيال.
ولذلك شعر المصريون بسعادة كبيرة، حين احتفت النسخة العربية لموقع غوغل، اليوم 11 فبراير، بالذكرى الـ 114 لمولد ماري منيب التي عملت في المجال الفني خمسة وثلاثين عاماً، بوضع صورة لها على الصفحة الرئيسية لمحرك البحث ووجدوا في ذلك تعويضآً عن التقصير الرسمي والإعلامي في مصر في الاحتفاء بمولد منيب.
من هي ماري منيب؟
ماري منيب، ممثلة كوميدية من أصول سورية، ولدت في بيروت يوم 11 فبراير من العام 1905، وانتقلت مع أفراد عائلتها للعيش في مصر فأقامت في حي شبرا، واسمها الحقيقي هو ماري سليم حبيب نصرالله، توفيت يوم 21 يناير 1969، عن عمر ناهز 64 عاماً.
بدأت موهبتها الفنية في سن صغيرة، وربما لا يعرف كثيرون أنها بدأت حياتها الفنية راقصة في الملاهي الليلية، قبل أن تخوض مرحلة أخرى من حياتها الفنية في ثلاثينيات القرن العشرين على المسرح، حين انضمت إلى فرقة نجيب الريحاني عام 1937 وتوالت أعمالها في المسرح والسينما.
اشتهرت منيب بأداء دور الحماة التي تحاول التدخل بين ابنتها وزوجها أو بين ابنها وزوجته فتفسد الأشياء ثم تنسحب من حياتهما، وبسبب إتقانها دور الحماة بات اسمها ماركة مسجلة في الأفلام التي تتناول هذه الشخصية، ويكفي الاطلاع على عناوين أشهر أفلامها للتأكد من ذلك، فوجود كلمة حماة فى عنوان أى فيلم مصري يعني أنه من بطولة مارى منيب، حماتي قنبلة ذرية، حماتي ملاك، الحموات الفاتنات، وغيرها من الأفلام.
في كتابه "وجوه لا تنسى" الذي يحمل شعار بورتريهات عن مشخصاتية مصر، يصف الناقد محمود عبد الشكور، منيب بأنها تمتلك حضوراً سينمائياً ومسرحياً طاغياً منحها فرصة تحويل شخصية الحماة إلى أنموذج كاريكاتوري مسجل باسمها.
لم تكن ماري منيب أول من جسدت شخصية الحماة في السينما المصرية، بل سبقتها مثلاً زكية إبراهيم التى تخصصت فى دور حماة عثمان عبد الباسط فى أفلام علي الكسار، إلا أن ماري منحت الحماة روحاً كوميدية، بعكس زميلاتها.
التفاصيل الإنسانية في شخصية ماري منيب تجعل من المتفرج يتجاوز محاولة كرهها، فيصبح متعاطفاً معها، محباً لها، لأنها بصورتها وشكلها وتصرفاتها شخصية كارتونية بامتياز، ورغم المكايد هي خفيفة الظل.
لم تكن ماري منيب أول من جسدت شخصية الحماة في السينما المصرية، بل سبقتها مثلاً زكية إبراهيم التى تخصصت فى دور حماة عثمان عبد الباسط فى أفلام علي الكسار، إلا أن ماري منحت الحماة روحاً كوميدية، بعكس زميلاتها، على سبيل المثال ملامح زكية الصارمة وحدتها فى الأداء جعلت الحماة المضحكة أكثر ارتباطاً بأداء ماري منيب.
يشير عبد الشكور إلى امتلاك ماري قدرة طبيعية على الارتجال اكتسبتها من خلال مشاركتها في فرقة علي الكسار ثم في فرقة نجيب الريحاني، ولديها قدرة عالية على تغيير صوتها، وتقطيع الجمل، والضغط على كلمات معينة، واستغلال حركة اليدين والأصابع، وتغيير طريقة مشيها، كل ذلك بتلقائية لافتة، ثم يأتي التوقيت الذي تلقي فيه الإفيه (الكلمة الكوميدية). الجمع بين الخبرة المسرحية والموهبة صنع ظاهرة ماري منيب.
رغم أن شخصية الحماة كما جسدتها مارى منيب كانت تأتي بالمشاكل لأبطال الفيلم، إلا أن بعض التأمل في الشخصية يجعلنا ندرك أننا أمام إنسانة تعاني الوحدة، ولم تعش حياتها سعيدة، فلا مانع أن تتصرف بطريقة متصابية للحصول على عريس رغم أنها أقسمت على عدم الزواج بعد وفاة المرحوم، كل تلك التفاصيل الإنسانية الصغيرة جعلت الحماة أكثر قرباً من المتفرج رغم تآمرها على الكنة، فالضحك ينبع بالأساس من أن الحماة أقرب ما تكون إلى طفلة كبيرة تكيد وتغيظ زوجة ابنها، ويختلف هذا الأنموذج تماماً عن الحماوات الشريرات مثلما جسدتهن علوية جميل مثلاً أو دولت أبيض.
التفاصيل الإنسانية في شخصية ماري منيب تجعل من المتفرج يتجاوز محاولة كرهها، فيصبح متعاطفاً معها، محباً لها، لأنها بصورتها وشكلها وتصرفاتها شخصية كارتونية بامتياز، ورغم المكايد هي خفيفة الظل.
روت أمينة منيب، أن جدتها الفنانة ماري منيب اعتنقت الدين الإسلامي، حين كانت تبلغ من العمر 7 سنوات، مؤكدة أن جدتها لم تكن حماة مع زوجات أبنائها بعكس أدوارها في الأعمال الفنية، بل كانت تعاملهن بطيبة وحب وكرم، كانت تحب عائلتها جداً حسب ما تؤكده أمينة.
وأشارت الحفيدة إلى أنها سُميت أمينة على اسم جدتها الفنانة ماري منيب بعدما أشهرت إسلامها.
توفيت ماري منيب في العام 1969 بعد رحلة فنية ثرية قدمت أثناءها عشرات العروض المسرحية الخالدة ونحو 200 فيلم سينمائي. رحلت ماري تاركة بصمتها في السينما المصرية وسجلاً من الجمل التي لا تنسى خصوصاً جملة "مدوباهم اتنين" التي يرددها الكثيرون إلى اليوم في مصر، دليلاً على أن الحماة الجميلة لا زالت باقية بإبداعها في قلوب جمهورها من المحيط إلى الخليج.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 30 دقيقة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 20 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون