(أيام العجب) هو عنوان البرنامج الجديد الذي تقدّمه فرقة (الراحل الكبير) الموسيقيّة على خشبة مسرح مترو المدينة.
تأسّست الفرقة عام 2013، استمرّ تقديم مشروع الفرقة السابق الذي كان يحمل عنوان (القنبلة - La Bombe)، بين عامي 2014 – 2016 بما يقارب الثلاثين عرضاً على خشبة مترو المدينة، وقامت الفرقة بتسجيل ألبوم (La Bombe)، لتكتمل هذه التجربة الفنيّة بجولة على المسارح الأوربيّة: فرنسا، هولندا، سويسرا والنروج.
https://youtu.be/pt8ldK4G-ew
على مدار العامين السابقين عمل أعضاء الفرقة على إنجاز مشروعهم الفني الثاني، (أيام العجب)، العنوان من قصيدة للشاعر المصري (فؤاد حداد 1927 – 1985)، وهو من أبرز شعراء العاميّة المصريّة، ومؤسّس شعر العامية الملحمي.
اختارت الفرقة كلمات قصيدته: (آدي أيام العجب والموت، جات بسرعة زي غمضة عين، ليه ما قلتش زي لمح البصر، كنت بأتقلب على الجنبين، والكابوس من كل جنب جيني)، لتكون تحية – مرثية إلى أحد أعضاء الفرقة، عازف العود والمغنّي، عماد حشيشو الذي فارق الحياة إثر حادث سيارة بعد انتهاء الفرقة من تسجيل أغنية (من أجل هذا ولهذا)، المخصّصة لقضية الممثل المسرحي زياد عيتاني، العام الماضي.
بين التجربة الأولى (La Bombe، 2016)، والثانية (أيام العجب، 2019)، يمكن رؤية ملامح مشروع الفرقة الفني، والخصوصيّة التي تقدّمها الفرقة في مشاريعها الفنية، وخصائص أغانيها وأدائها.
تعدّد أغنية (جن الشعب) لفرقة "الراحل الكبير"، الأسباب التي أدّت إلى جنون الشعب، من حال الخدمات لنوعية الأحزاب، إلى غياب العدالة واستمرار العنف، لهذا فقد جُنّ الشعب، المدجّن من قبل السلطة بخطابات النصر والعظمة.
(نشر الأواعي مش مستحب)، أغنية لفرقة "الراحل الكبير" تسخر من الأسلوب الخطابي الذي يستعمله رجال الدين في التحليل والتحريم والإفتاء، فيبالغ مغني الفرقة في استعمال أسلوب الحديث الديني، كالتفخيم في ما هو يومي ومبتذل مثل قواعد نشر الغسيل.
دمج التراثي بالمعاصر
في ألبوم (La Bombe، 2016)، قدّمت الفرقة أغنية تستلهم الغناء الإنشادي الديني، بعنوان (مولد سيدي البغدادي)، تستهلّها لازمة: ( مَدَدْ مَدَدْ يا سيدي ) التي تعود إلى الإنشاد الصوفي، تنتقد الأغنيةُ الخطابَ الإسلامي المتشدّد المنتشر في منطقة الشرق الأوسط، وبالخصوص خطاب (أبو بكر البغدادي) الذي أعلن نفسه خليفة على مناطق تنظيم داعش في العراق وسورية، حققت الأغنية انتشاراً واسعاً، واعتُبرت عملاً غنائياً جريئاً وماهراً في السخرية من الخطاب الديني المتشدّد، كانت هذه تجربة الإستعارة الأولى للفرقة من الإنشاد الديني. في حفلتهم (أيام العجب، 2019)، تبدأ الفرقة أمسيتها في تجربة مماثلة، أغنية (الله حي) حيث تستمدّ من الغناء الديني قالباً لتحوّر فيه الكلمات: (الله حي، شوف وأتفرج فتح عينك، بتفرق بين الآه واللاء، أذكر كل الخوف والكره، حتى تفتح الباب للفهم الصح)، هكذا يصبح القالب الموسيقي الديني وسيلة لتمرير مفاهيم من الواقع المعاصر أرادت الفرقة التأكيد عليها، مثل الوعي السياسي، التعبير بحرية والتميز في المواقف السياسيّة.الأغاني العشقية
الأغاني العشقيّة ليس نوعاً موسيقياً يمكن أن يميّز تجربة فرقة موسيقيّة، لأن المنتج الغنائي العربي يكاد يكون محصوراً بموضوعاتها، لكنها واحدة من الأنواع الغنائيّة التي تقدمها الفرقة، ما يمكن الحديث عنه في هذه التجربة هو السعي لتقديم قصائد ذات سويّة عالية، مثل اللجوء إلى الموشحات مثل (لما بدى يتثنى)، وأغنية (أيقظ الحب فؤادي، بعد أن ملّ الغرام)، وتعود كلا القصيدتين إلى الشعر العربي القديم. ما يمكن أيضاً تمييزه في تجربة الفرقة مع الأغاني العشقيّة هو على الصعيد الموسيقي، حيث تحرص الفرقة على إعادة توزيع المقطوعات أو القصائد وتقديم اقتراحات لحنيّة جديدة لها، مثل إعادة تلحين إحدى قصائد الشاعر (عمر الخيام 1048 – 1131)، وأغنية (أهيم شوقاً، الشيخ إمام)، والقصيدة الصوفيّة (فؤادي تولع، لمصطفى البقاعي). https://youtu.be/8p_yds5U6Ek تعتمد هذه الفئة من أغاني الفرقة على توليد حالة تستهدفها الموسيقى العربيّة عند المتلقي، وهي حالة "الطرب"، وبالتالي هي أغنيات طربيّة على مستوى الأداء الموسيقي والغنائي، ويمكن اعتبارها مختلفة تماماً عن الأغنيات التي تقدّم فيها الفرقة قصائد لشعراء جدد ومعاصرين، أو حين تكتب الفرقة بنفسها كلمات الأغنية، ففي النوعين الآخرين تغيب تماماً الغاية "الطربية"، بل بالعكس تحضر جماليات موسيقيّة مغايرة تماماً مثل : الهزل، السخرية، التكسير أي عدم السماح للحن الطربي بالاكتمال. أحياناً، يؤدي سعي الفرقة إلى تقديم مقطوعات طربيّة، إلى إنتاج أغنيات لا تعتمد إلا على الأداء اللحني الطربي، دون أن تحمل الكلمات أي معنى سوى دورها المنطوق كنوتات تثير حالة "الطرب" مثل أغنية (يوم الأربعاء) في الألبوم الأول، التي يبدو فيها أن عاشقاً مشتاقاً يعدّ أيام الإسبوع غنائياً ليس إلا.الغناء الشعبي
توسم الموسيقى الشعبيّة في الثقافة العربيّة بالدونيّة أو لا تتوافر على المستوى الفني المطلوب، لذلك هُمّشت هذه الأنواع الغنائيّة في تيار الموسيقى العربيّة، رغم أنها تنتج عن الذائقة الشعبيّة كما يدلّ اسمها، إلا أن التقييم الموسيقي العربي والمتحكّمين في الصناعة الثقافيّة في العالم العربي، أهملوها وأحياناً حاربوا انتشارها. يتكرّر في التاريخ أن يأتي فنانون لاحقون ليضيئوا على تجارب تمّ تهميشها فنياً عبر التاريخ، ليعيدوا إحياءها وإبراز أهميتها، وهذه الخاصية ركيزة في المشروع الفني للفرقة، أي في استعادة الغناء: الشعبي – الثوري – الهامشي – المتمرّد. لذلك سعت الفرقة لتقديم أغان لـ (الشيخ إمام 1918 – 1995) ، منها أغنية (الأخلاق) من كلمات الشاعر المصري (أحمد فؤاد نجم 1929 – 2013)، و أغنية (أيام العجب والموت) لشاعر العامية المصري (فؤاد حداد)، وسعى خالد صبيح، مؤلّف كلمات أغلب الأغاني الخاصّة للفرقة أن يكتب الكلمات بالاستلهام من هذه الطريقة في الغناء والموسيقى وأداء الكلمة، في العلاقة بين المغنى والموسيقي. نموذج آخر على هذا الغناء الشعبي الذي يحمل هموم شعبيّة، أغنية (أدين بدين الجدعنة، كلمات مصطفى ابراهيم)، أديت من الفرقة في الحفلة، بإشارة إلى ثورة الربيع العربي في مصر : (أدين بدين الجدعنة، وبدين رفاق الدرب، بقولة نحنا في أنا، في المعمعة والضرب).الأغاني الهزليّة
تمتدّ خاصيّة أخرى من الغناء الشعبي وغناء الهامش إلى الأسلوب الموسيقي لتجربة (الراحل الكبير)، وهو الأسلوب الهزلي. تصرّ الفرقة على الهزل كطابع يميّزها، ومن أغانيها في هذا الإطار أغنية (Don’t mix)، مصطلح إنكليزي استعمله الرئيس المصري السابق محمود مرسي، تلعب عليه الفرقة موسيقيّاً، وتعدّد الأغنية الأشياء التي لا يجب الجمع بينها، مثل العسل واللبن، أو العسكر والسياسة. أغنية (La Bombe) أيضاً، المكتوبة باللغة الفرنسيّة، تؤدّيها الفرقة هزلياً وهي تروي حكاية مفجّر قنابل، يسأل سيّدة فرنسيّة عن المكان الأنسب لزرع قنبلته وتفجيرها، بتورية عن العنفي والجنسي في المفردات. أما في حفلتهم الجديدة، فتبرز أغنية (قلّي الدكتور) تروي مشهداً هزلياً يجري بين مغنية الفرقة والطبيب، ينصح الطبيب المغنية بالتخفيف من شرب الكحول، دون أن تنجح هي بذلك: (قلي الدكتور ما تشربيش غير في المناسبات، ومن يومها صارت حياتي كلها مناسبات)الأغاني الساخرة
بالإضافة إلى الهزل، تأتي السخرية كخاصية أخرى تميّز تجربة هذه الفرقة. في أغنية (مولد البغدادي) يقود الحاكم والإمام الناس إلى الهاوية، يستعمل الذبح والتفجير، ويحلّل قتل المنتمين للديانات الأخرى، ومع ذلك يتابع الشعب التهليل والمديح والغناء للحاكم المستبدّ المطلق طلباً "مدد، مدد". تروي أغنية ( أنا عايزة طلب لجوء)، مشهداً بين مغنية الفرقة مع سفير إحدى الدول الأجنبيّة، الذي يحاول أن يقنعها بالعدول عن قرار الهجرة، ويحكي لها عن بعض محاسن وطنها، ومن هذا الباب السردي تروي الأغنية بسخرية واقع وحال العالم العربي ومجتمعاته، لتصرّ المغنية أكثر على قرار الهجرة وطلب اللجوء. المثالان السابقان في السخرية على مستوى الموضوعة، بالنسبة للسخرية على المستوى الموسيقي، هناك أغنية (نشر الأواعي مش مستحب)، هذه الأغنية للفرقة تسخر من الأسلوب الخطابي الذي يستعمله رجال الدين في التحليل والتحريم والإفتاء، فيبالغ مغني الفرقة في استعمال أسلوب الحديث الديني، كالتفخيم في ما هو يومي ومبتذل مثل قواعد نشر الغسيل. السخرية تتضح أيضاً، في عنوان الألبوم الذي اختارته الفرقة (La Bombe)، بمعنى القنبلة، والسخرية السوداء في عنوان برنامجها الجديد (أيام العجب، 2019).أغاني الالتزام
من الأغنيات التي تدمج الفرقة فيها ببراعة السخرية مع موضوعات تعكس حال الواقع السياسي والاجتماعي، هي أغنية (جن الشعب)، تعدّد الأغنية الأسباب التي أدّت إلى جنون الشعب، من حال الخدمات لنوعية الأحزاب، إلى غياب العدالة واستمرار العنف، لهذا فقد جُنّ الشعب، المدجّن من قبل السلطة بخطابات النصر والعظمة. (أبانا)، أغنية خاصّة قدّمتها الفرقة لموضوعة اللجوء، وهي قصيدة للشاعر الفلسطيني (سميح القاسم 1939 – 2014): (يا أبانا نحن مازلنا نصلّي من سنين، نحن مازلنا بقايا لاجئين). يظهر الالتزام بوضوح في أغنية (قمت طلعت مع الناس) من كتابة خالد صبيح. الأغنية تشجّع الانضمام إلى الناس المكسورين والمطحونين وتدافع عن مطالبهم، تركّز على قمع الحريات والدفاع عن حرية التعبير، تشجّع على التعاضد بين المناضلين، كما في أغنية (أدين بدين الجدعنة).الأداء المسرحي
يضاف إلى الخصائص الغنائيّة والموسيقيّة السابقة، خصوصيّة في سينوغرافيا العرض مع فرقة (الراحل الكبير) على المسرح، يرتدي كامل أعضاء الفرقة نظارات سوداء حزناً على "الراحل الكبير"، مما يضيف على أسلوبهم الهزلي، كذلك يميل الأداء المسرحي إلى التفاعل مع الجمهور، يقول عنه في لقاء إذاعي مدير الفرقة، خالد صبيح: "بأنه أداء مسرحي يسترجع عرض الحكواتي، أو التفاعل بين الفرقة الموسيقيّة والجمهور في الحفلات الشعبيّة". أعضاء الفرقة: خالد صبيح كاتب، مؤلف، بيانو وتوبا. نعيم الأسمر، غناء. ساندي شمعون، غناء. عبد قبيسي، بزق. علي الحوت وأحمد الخطيب، إيقاع ومؤثرات. سماح أبي المنى، عازف الأكورديون.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...