كذلك أثارت هذه الواقعة ضجّة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لقي المربّي أحمد الطرابلسي مساندة شعبية واسعة من قبل روّاد فيسبوك وقد كُتبت مئات التعليقات التي تعبّر عن المساندة الكاملة لهذا المربّي والمطالبة بردّ الاعتبار إليه وإحالة المرأة المعتدية على القضاء.
وأيقظ هذا الاعتداء العنصري تفاعلات كذلك على المستوى الرسمي، إذ استقبل وزير التربية حاتم بن سالم المعلّم أحمد الطرابلسي في رسالة واضحة لنبذ العنف والتمييز العنصري والتمسّك بقيم الجمهورية.
المستوى القضائيّ
على مستوى القضائي، قد أحيلت المرأة المعتدية على القضاءِ بتهمة ارتِكابِ جريمتين؛ الأولى تتمثل في "من أجلِ صدورِ قولٍ يتضمّن تمييزًا عُنصريًا بِقصد الاحتقار والنيْل من الكرامة"، طبقًا للفصلين 2 و 8 من القانون عدد 50 لسنة 2018 المؤرخ في 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018 المتعلق بِالقضاءِ على جميع أشْكال التّمييز العُنْصرِي٬ والجريمة الثانية هي - بِمعيّة زوجها الذي أُبقِي بِحالة سراح- تتمثل في"من أجلِ هضم جانِب موظف عمومي بِالقول و التّهديد حال مباشرته لوظيفته" طبقًا للفصل 125 من المجلة الجزائية.
كما قرّرت المحكمة الابتدائية بصفاقس1 مساء الثلاثاء الماضي، 29 كانون الثاني/ يناير 2019 تأجيل البثّ في قضية المرأة المتهمة بِاقتراف اعتداءٍ عُنصري على المُربِي أحمد الطرابلسي إلى يوم 5 شباط/ فبراير القادم، كما رفضت مطلب السراح الذي تقدّمت به هيئة الدفاع عنها وفقًا لمراسل إذاعة "جوهرة إف إم".
من الجدير بذكره أن عددًا كبيرًا من المحامين عبّروا عن استعدادهم للدفاع عن المعلّمأحمد الطرابلسي والذين عبّروا عن استنكارهم لهذا الاعتداء العنصري الذي تعرّض له المربي.
الأبعاد النفسيّة لهذا الاعتداء العنصري
يبدو أنّ الآثار النفسية لهذا الاعتداء كانت جسيمة على نفسية المعلّم الذي كتب على صفحته على فيسبوك: "شكرًا لكل الزملاء والزميلات في كل شبر من تراب هذا الوطن. شكرًا لمساندتكم وتحركاتكم من أجل كرامة المربي. تمييز عنصري مقيت. إهانة كبرى في الحرم المدرسي. ما جريمتي أنني خلقت أسمر؟". لا تكشف هذه التدوينة فقط عن تفاعل السيّد الطرابلسي مع الحملة الشعبية المساندة له فحسب بل تكشف كذلك عن حجم الألم الكبير الذي خلّفه هذا الاعتداء عليه.
كما تعرّض المعلّم إلى ضغوط كبيرة ومضايقات من قبل بعض الأشخاص الذين تربطهم قرابة أو صداقة بالمرأة المعتدية إذ جرت محاصرته في منزله لكنّ قوات الأمن التونسي تدخّلت وقامت بفك الحصار عن المربّي المذكور.
هل تحرّر التونسيون فعلًا من ثقافة الرّق؟
كانت تونس من بين الدول الأولى التي وقّعت على اتفاقية الأمم المتحدة عام 1965 ضد التمييز كما صادق مجلس نواب الشعب التونسي يوم الثلاثاء 9 تشرين الثاني/ أكتوبر على مشروع القانون الأساسي عدد 11 لسنة 2018 المتعلّق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بموافقة 125 نائبًا ومعارضة نائب وتحفّظ 5 آخرين، ويلزم القانون الدولة التونسية بضبط السياسات والاستراتيجيات وخطط العمل الكفيلة بالوقاية من جميع ممارسات التمييز العنصري في جميع القطاعات، ووضع برامج للتحسيس والتوعية والتكوين، علاوة على تمكين ضحايا التمييز من الحق في الإحاطة الصحية والنفسية والاجتماعية والحماية القانونية والحصول على التعويض العادل.
تجدر الإشارة إلى انّ صدور هذا القانون كان ثمرة جهود مضنية قامت بها منظمات المجتمع المدني والجمعيات، بينها جمعية "منامتي" التي تترأسها سعدية مصباح وكذلك "الجمعية التونسية لتفعيل الحق في الاختلاف" التي تترأسها الأستاذة الجامعية سلوى قريسة.
ثقافيًا، أوردت العديد من المسلسلات والأفلام التونسية شخصية الرجل الأسود أو المرأة السوداء في دور وضيع كالرجّل الشرير او "الباندي" وصورة الرجل /المرأة المفقّرة أو المنحطّة أخلاقيًا ومن بين هذه الشخصيات شخصية شبروش في سلسلة السيدكوم "شوفلي حلّ".
اجتماعيًا، وعلى مستوى المصاهرات والزواج، فتبدو نسبة الزواج المختلط بين البيض والسود نسبة ضعيفة جدًا رغم أن أغلب الأغاني التونسيّة العاطفيّة والغزليّة تتغنّى بمحاسن المرأة السمراء.
قرار إلغاء الرّق عام 1846 في تونس لم يغيّر الذهنيات كثيرًا ولم يحرّرها من ثقافة الرّق والعبوديّة، فلغويًا، تضمّنت اللّغة المنطوقة "الشعبية" التونسيّة الكثير من الملفوظ الذي يحيل على التمييز العنصري، من ذلك عبارات " وصيف" و"عتيق".
تاريخيّا كانت تونس أوّل دولة عربية وإسلامية تلغي الرّق بعد صدور قرار من المشير أحمد باشا باي ينصّ على اعتبار من يولد بالتراب التونسي حرًا لا يباع ولا يشترى في مرحلة أولى وفي مرحلة ثانية وقع إلغاء الرق بشكل نهائي بتاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 1846.
صحيح أنّ هذا القرار الثوري الذي اتخذه الباي تحت ضغط قناصل الدول الأوروبية بتونس يمثّل خطوة هامّة في سبيل تحديث المجتمع التونسي، لكنّه لم يغيّر الذهنيات كثيرًا ولم يحرّرها من ثقافة الرّق والعبوديّة، فلغويًا، تضمّنت اللّغة المنطوقة "الشعبية" التونسيّة الكثير من الملفوظ الذي يحيل على التمييز العنصري، من ذلك عبارات " وصيف" و"عتيق" و"شوشان".
أما اجتماعيًا، وعلى مستوى المصاهرات والزواج، فتبدو نسبة الزواج المختلط بين البيض والسود نسبة ضعيفة جدًا رغم أن أغلب الأغاني التونسيّة العاطفيّة والغزليّة تتغنّى بمحاسن المرأة السمراء.
سياسيًا، على مستوى التمثيل البرلماني، كان عدد النوّاب من ذوي البشرة السمراء الذين دخلوا مجلس النوّاب طيلة نصف قرن من الزمن يعدّون على أصابع اليد الواحدة علاوة على تهميش مشاركة المواطنين من ذوي البشرة السمراء في تولي المناصب العليا في الدولة حيث لم يتولَّ أي مسؤول أسمر البشرة المناصب العليا برتبة وزير رغم كل المساعي التي تبذلها الدولة التونسية لنبذ العنصرية.
ثقافيًا، أوردت العديد من المسلسلات والأفلام التونسية شخصية الرجل الأسود أو المرأة السوداء في دور وضيع كالرجّل الشرير او "الباندي" وصورة الرجل /المرأة المفقّرة أو المنحطّة أخلاقيًا ومن بين هذه الشخصيات شخصية شبروش في سلسلة السيدكوم "شوفلي حلّ".
ورغم هذا التهميش و"التحقير" و"التصغير" من شأن التونسيّين من ذوي البشرة السمراء، فإن تونس تبقى دولة رائدة في مجال نبذ العنصريّة والدفاع عن مكاسب الجمهورية والقيم الإنسانية والحق في الاختلاف. لذلك تعمل منظمات المجتمع المدني، ومن بينها مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف في تونس على تغيير الذهنيات ونبذ العنصرية ورصد وضعية الأقليات والفئات المعرضة للتمييز وتدعيم حقوقها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...