"عليكِ العملُ بجهدٍ مُضاعف عن ذلك الذي يبذله الرجل، وثلاثةِ أضعافٍ إن كنتِ من الأقليّات، وأربعةِ أضعاف إن كنتِ من الريف، وخمسة أضعاف إن لم تكوني من المُحافِظات الدينيات" قولٌ للصحافية الأردنية رنا الصباغ، يختصرُ تجربتَها المهنية في مناخاتٍ لم تخلُ يوماً من العوائق الشائكة في سبيل تقدمها.
تقييدُ الحريات، التحرش، المعاييرُ المجتمعية، سياساتُ التمييز، صعوبةُ نيل المعلومة، الضغوطات العائلية... عقباتٌ تحول دون تقدّم النساء في أغلب المؤسسات العربية.
رنا الصباغ تلك المعوقات لتبني مسيرةً صحافية زاخرة، فكانت أولَ امرأةٍ تتلقدُ منصبَ رئيسَ تحرير جريدة يومية عندما استلمت رئاسة تحرير صحيفة "ذا جوردن تايمز" عام 1999، مركزٌ لم تدم فيه طويلاً بسبب تبنيها نهجاً إصلاحياً، بعد ذلك بسنوات قليلة أنشأت مؤسسةً لدعم الصحافة الاستقصائية جعلت فيها مساحةً واسعة للنساء اللواتي يردن إيصال أصواتهن، خاصة في ظل "التفكير الداعشي" الذي مازال يخيّم على عالم الصحافة كما تقول الصباغ.
حكايةُ الصحافية الأردنية وردت في تقريرٍ لبرنامج "النساء في الأخبار" الصادر عن المنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء "WAN IFRA"، يهدف البرنامج إلى دعم حضور النساء في وسائل الإعلام لتحقيق التقدم والنجاح عبر بناء القدرات والإرشاد الوظيفي والتوعية وتطوير الأدوات. يعملُ مع 90 مؤسسةً إعلامية من 15 دولةً في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا.
التحرش الجنسي والتحيّز الجندري، محوران سلَّط برنامج "النساء في الأخبار" مجهرَه عليهما خلال المؤتمر الإقليمي الذي عُقِدَ منتصف الشهر الجاري في بيروت، عبر ورش عملٍ ولقاءاتٍ وإصدارات تضمنت تقاريرَ وإحصاءاتٍ وتجاربَ، جميعُها يهدف إلى خلق مناخ عملٍ آمن للصحافيات في وسائل الإعلام، خالٍ من التحرشِ واختلالِ التوازن الجندري.
لكن معوقاتٍ ماتزال تحول دون تحقيق التنوع الجندري، لعل أهمها المجتمعُ الذي يشكل ضغوطاً على الصحافيين عامة والنساء خاصة، فمناطق النزاع تمثل تهديداً على حياة الصحافية، ضررٌ جسدي وعنفٌ جنسي وأعمالٌ انتقامية ضد أفراد عائلتها، مايدفع المدراءَ إلى الامتناع عن وضع المرأة في مثل هذه الحالات.
المعاييرُ الثقافية تحدٍّ آخر يعزّز التحيّزَ الجندري في المؤسسات الإعلامية، تصوراتٌ مجتمعية ترسخ صورةً نمطية للمرأة، كسنّ الزواج ودورها في العناية بالأولاد وأفراد العائلة، حيث يغيب التكافؤ بينها وبين الرجل في إجازة الأمومة، ففي جميع الدول العربية المرأة تأخذ الإجازة كإشارة أنها المنوطة بالمهمات الأسرية وليس الرجل، مايجعل الوضعَ الأمني والمادي للكثير من الصحافيات غير مستقر، فيعملن سنواتٍ بشكل حر دون نيل استحقاقاتهن، لذا نلحظ تفاوتاً في الأجور بين الرجل والمرأة، بحسب "النساء في الأخبار".
تؤكد الصحافية ميرا عبدالله، مديرة برنامج "النساء في الأخبار" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن التحيّز الجندري في العالم العربي مايزال إشكاليةً تعيق تقدمَ الصحافيات في المؤسسات الإعلامية "خاصة في ظل غياب سياساتٍ داخلية تحمي النساء من التحيز الجندري وتحقق المساواة الجندرية بكل مستويات الإدارة في المؤسسات الإعلامية".
ميرا مديرة المركز الإعلامي للحقوق الجسدية والجندرية في المؤسسة العربية للحريات، تضيف لرصيف22 أن حضور النساء واضح في المؤسسات الصحافية لكنه يصل حدّاً معيناً في المستويات الإدارية "لدينا عدد كبير من الصحافيات العربيات لكن العدد يقل كلما زاد المستوى الإداري، قليلاتٌ جداً النساء المتبوئات منصبَ مدير تحرير أو رئيس تحرير، كل ذلك بسبب عدم وجود سياسات داخلية تضمن مساواةً بالتقدم في المستويات الإدارية داخل المؤسسات الإعلامية".
"الوعي الكافي بمشكلة التحيز الجندري هي أولى خطوات مواجهته" تقول عبدالله مشددة على ضرورة إيجاد حلولٍ، منها اتباعُ سياساتٍ داخلية وإعطاءُ فرصٍ متساوية للرجال والنساء للتقدم داخل المؤسسات الإعلامية، وخلقُ بيئةٍ آمنة للنساء خاليةٍ من التحرش الجنسي لأنها عنفٌ قائمٌ على النوع الاجتماعي الذي تعاني منه الصحافيات في المؤسسات الإعلامية وتعيق تقدمهن وإتمام مهماتهن.
إحدى خلاصات المؤتمر الإقليمي لبرنامج "النساء في الأخبار" أن على الصحافيات الحرصَ على مواصلة عملهنّ لنيل حقوقهن، والسعي لصقل المهارات وتعزيز القدرات بهدف الوصول إلى مؤسسات أكثر تنوعاً وانسجاماً وتنافسية.
واجهت "عليكِ العملُ بجهدٍ مُضاعف عن ذلك الذي يبذله الرجل، وثلاثةِ أضعافٍ إن كنتِ من الأقليّات، وأربعةِ أضعاف إن كنتِ من الريف، وخمسة أضعاف إن لم تكوني من المُحافِظات الدينيات" قولٌ للصحافية الأردنية رنا الصباغ، يختصرُ تجربتَها المهنية في مناخاتٍ لم تخلُ يوماً من العوائق الشائكة في سبيل تقدمها.
بحسب دراسةٍ استبيانية عالمية، 48% من الصحافيات يتعرضن لأحد أشكال التحرش، البرنامج أجرى استطلاعاً في 9 دول في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط كانت نتيجته أن بين 59 إلى 64% من الصحافيات يتعرضن لتحرش لفظي، وبين 17 إلى 24% منهن يتعرضن لتحرش جسدي، وبين 3 إلى 10% يتعرضن لاعتداء جنسي
التحرّش الجنسي ومعركة الوقت
"القانون الدولي يعتبر التحرشَ انتهاكاً لحق المساواة بين الجنسين، وحق الحياة، وحق الحرية، وحق ممارسة أية مهنة بحرية بما فيها مهنة الصحافة" يؤكد تقريرٌ لـ"النساء في الأخبار" لافتاً أن التحرش هو كلُّ تصرفٍ عدائي وغير مرغوب به ذي طبيعة جنسية ينتهك كرامةَ الشخص ويشعره بالإهانة أو الترهيب أو التهديد. وهو مشكلةٌ عالمية تكلِّف جميع الأطراف، المتحرش والمؤسسة وقبلهما الضحية. بحسب دراسةٍ استبيانية عالمية، 48% من الصحافيات يتعرضن لأحد أشكال التحرش، البرنامج أجرى استطلاعاً في 9 دول في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط كانت نتيجته أن بين 59 إلى 64% من الصحافيات يتعرضن لتحرش لفظي، وبين 17 إلى 24% منهن يتعرضن لتحرش جسدي، وبين 3 إلى 10% يتعرضن لاعتداء جنسي. تؤكد الدراسة أيضاً أن 29% من النساء اللواتي تعرضن لاعتداء جسدي بلَّغن عن الحادثة. بعض المدراء قد لا يكونون على اطلاعٍ بحالات التحرش الواقعة في مؤسساتهم، البرنامج يؤكد ضرورة وعي المدير بحجم المشكلة التي تواجه مؤسسته ويلتزم سياسة عدم التسامح، يضع سياسةً عملية لمناهضة التحرش ويوضح مضمونَ فعل التحرش وعواقبَه وإجراءات مواجهته، ما قد يشكل رادعاً وقدرةً على التعامل معه فور حدوثه. تؤكد منى مجدي، أستاذة مساعدة في الجامعة الأمريكية في القاهرة لرصيف22 أن المؤسساتِ الحديثةَ العهد تتبنى هذا الفكر، وباتت تنتبَّه إلى ضرورة وجود أساسياتٍ وحدود تنظّمُ العلاقة بين الزملاء وبين الرئيس والمرؤوس "هذه المؤسسات أكثرُ قدرةً على تطوير هيكلها الوظيفي ما يجعلها أكثر مرونةً في التعامل مع مشكلة التحرش وفق آلياتٍ معينة". تتابعُ أن المنظومةَ الإدارية في المؤسسات القديمة تعاني من ثغراتٍ عديدة إحداها غيابُ السياسة الدقيقة، بالتالي يتم التعامل مع قضية التحرش بشكلٍ ودّي أقرب إلى العرف دون خطوات إجرائية "المؤسسات القديمة تنقصها سياساتٌ عديدة لا تتوقف عند التعامل مع التحرش، بل تطال مجالاتٍ أخرى كالشكاوى مثلاً، لكن عدم تبنيها هذا الفكر لا يعني رفضَه، بل هو تحدٍّ يفجر لديها تساؤلاتٍ عديدة خلال تطبيق آليات مواجهة التحرش في غرف الأخبار". منى مجدي نائبةُ مدير مركز بحوث ودراسات المرأة والإعلام في جامعة القاهرة، تؤكد أن تطور الجانب الإداري في المؤسسة، يؤدي إلى تبنّي سياسة دقيقة ومحددة تجاه قضايا عديدة، منها التحرش. "النساء في الأخبار" يشجع من يتعرض لفعل التحرش أن يعبر للمتحرِّش بماهية ما يفعل ويحاولَ الحفاظَ على سلامته قدر الإمكان، والاحتفاظَ بالأدلة وجمعَها لتقديم شكوى يمكنها الوصول إلى المحكمة لينال حقه ويجازي الآخر على فعلته. جهود البرنامج لتعزيز الوعي بمفهوم التحرش في غرف الأخبار ومواجهته، قد لا تؤتي ثمارها في يوم وليلة، تؤكد منى مجدي "ربما تحتاج بعض الوقت، فنحن نعالج فكراً وآراء، والتغيير يبدأ بنقاطٍ صغيرة وقواعدَ تحتاج للاتساع والتطور كي تشمل جميعَ شرائح المجتمع" لافتة إلى ضرورة تكاتف المبادرات الشبيهة بـ"النساء في الأخبار" حتى تتحقق النتيجة المرجوّة.التمييز الجندري.. الوعي أولاً
"مصطلحاتٌ كالتحرش الجنسي والتمييز الجندري حديثةُ العهد، مايجعلها إشكاليةً أخرى تحول دون مواجهتها" تقول الدكتوره منى مجدي، مضيفةً أنه رغم ذلك فإن غرف الأخبار والعاملين فيها بدؤوا يتنبهون لها "مفهوم التمييز الجندري كان حاضراً لكن تحت مسمياتٍ أخرى، منها الصورة النمطية للمرأة وتمثيلها في الإعلانات والدراما والأخبار والتي هي ضد مفهوم الدقة والتوازن والموضوعية". تتابع أن الآونة الأخيرة شهدت وعياً لأهمية العدالة والتنوع الجندري ومحاولة ربط الصورة النمطية بالقيم المهنية، ذلك ما يؤكده أيضاً تقريرٌ لبرنامج "النساء في الأخبار" موضحاً أن المؤسساتِ حول العالم التي تضم نساءً في مناصب قيادية وتعتمد تنوعاً جندرياً متيناً ومتماسكاً تميل إلى تحقيق نتائجَ أفضل، والتحلي بقدرات ابتكارية أكبر، والمساهمةِ في الاستقرار الاجتماعي. وأن المؤسسات الإعلامية التي تحقق تكافؤاً بين الجنسين تحصل على نتائج أكثر أهمية.المؤسسات الإعلامية التي تحقق تكافؤاً بين الجنسين تحصل على نتائج أفضل.
لكن معوقاتٍ ماتزال تحول دون تحقيق التنوع الجندري، لعل أهمها المجتمعُ الذي يشكل ضغوطاً على الصحافيين عامة والنساء خاصة، فمناطق النزاع تمثل تهديداً على حياة الصحافية، ضررٌ جسدي وعنفٌ جنسي وأعمالٌ انتقامية ضد أفراد عائلتها، مايدفع المدراءَ إلى الامتناع عن وضع المرأة في مثل هذه الحالات.
المعاييرُ الثقافية تحدٍّ آخر يعزّز التحيّزَ الجندري في المؤسسات الإعلامية، تصوراتٌ مجتمعية ترسخ صورةً نمطية للمرأة، كسنّ الزواج ودورها في العناية بالأولاد وأفراد العائلة، حيث يغيب التكافؤ بينها وبين الرجل في إجازة الأمومة، ففي جميع الدول العربية المرأة تأخذ الإجازة كإشارة أنها المنوطة بالمهمات الأسرية وليس الرجل، مايجعل الوضعَ الأمني والمادي للكثير من الصحافيات غير مستقر، فيعملن سنواتٍ بشكل حر دون نيل استحقاقاتهن، لذا نلحظ تفاوتاً في الأجور بين الرجل والمرأة، بحسب "النساء في الأخبار".
تؤكد الصحافية ميرا عبدالله، مديرة برنامج "النساء في الأخبار" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن التحيّز الجندري في العالم العربي مايزال إشكاليةً تعيق تقدمَ الصحافيات في المؤسسات الإعلامية "خاصة في ظل غياب سياساتٍ داخلية تحمي النساء من التحيز الجندري وتحقق المساواة الجندرية بكل مستويات الإدارة في المؤسسات الإعلامية".
ميرا مديرة المركز الإعلامي للحقوق الجسدية والجندرية في المؤسسة العربية للحريات، تضيف لرصيف22 أن حضور النساء واضح في المؤسسات الصحافية لكنه يصل حدّاً معيناً في المستويات الإدارية "لدينا عدد كبير من الصحافيات العربيات لكن العدد يقل كلما زاد المستوى الإداري، قليلاتٌ جداً النساء المتبوئات منصبَ مدير تحرير أو رئيس تحرير، كل ذلك بسبب عدم وجود سياسات داخلية تضمن مساواةً بالتقدم في المستويات الإدارية داخل المؤسسات الإعلامية".
"الوعي الكافي بمشكلة التحيز الجندري هي أولى خطوات مواجهته" تقول عبدالله مشددة على ضرورة إيجاد حلولٍ، منها اتباعُ سياساتٍ داخلية وإعطاءُ فرصٍ متساوية للرجال والنساء للتقدم داخل المؤسسات الإعلامية، وخلقُ بيئةٍ آمنة للنساء خاليةٍ من التحرش الجنسي لأنها عنفٌ قائمٌ على النوع الاجتماعي الذي تعاني منه الصحافيات في المؤسسات الإعلامية وتعيق تقدمهن وإتمام مهماتهن.
إحدى خلاصات المؤتمر الإقليمي لبرنامج "النساء في الأخبار" أن على الصحافيات الحرصَ على مواصلة عملهنّ لنيل حقوقهن، والسعي لصقل المهارات وتعزيز القدرات بهدف الوصول إلى مؤسسات أكثر تنوعاً وانسجاماً وتنافسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون