شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ماذا يحدث حين تعتزل غرامَ السياقة؟!

ماذا يحدث حين تعتزل غرامَ السياقة؟!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 26 يناير 201904:04 م
اعتزل الكثير من أصدقائي قيادة السيارة. كان الأمر بالنسبة لي في البداية طبيعيّاً؛ ظننتُ أنهم قد أنهكوا أنفسهم بالقيادة وقد يعودون لها بعد أن يتعبوا من الابتعاد عنها، لكن مَن يعتزل قيادة السيارة لا يعود لها أبداً. أثار الأمر استغرابي ومازال، إلى أن وقعتُ فيه يوم أمس. على مدى ثلاثة أعوام كنتُ أوصل ابنتي للثانويّة. وعادة ما أصل قبل موعد خروج التلميذات بنصفٍ أو عشرين دقيقة. أبتعد عن باب المدرسة الرئيسيّ الذي تتزاحم عليه السّيارات في أخذ المكان أمامه، رغم أني أصل قبلهم. على مدى ثلاث سنوات كانت تسير الأمور بشكل جيّد، إلا فيما يتعلّق بتأفّف بعض السوّاق، وانضمام فئة من السائقات لم تكن قبل أعوام موجودة؛ فالحاجة إلى سوّاق جدد أدخلت الكثير من النساء لهذا العمل، ولا أريد الحديث عن السيّارات الصّغيرة المنطلقة بأقصى سرعة وهي مملوءة بأكثر من عشر أطفال. في السنوات الثلاث، ومع وصولي لمكاني الذي لا أغيّره لا صيفاً ولا شتاءً، أرجع الكرسي للخلف وأفتح كتاباً، وقد وصل لي كتابٌ من ناشر صديق كان قد أصدره حديثا: "جامع الاحلام الأرجوانية"، قصص قصيرة، زوران جيفكو فيتش 2019، دار المعقدين. القصة الأولى "جامع الأيام" من شدّة غرابتها جعلتْني أنحدر للقصّة الثانية "جامع الأظفار"، حيث يقوم السّيد بروهاسكا بجمع قلّامات أظافره منذ كان عمره 8 أعوام. ذكّرتني القصة بثقافة شعبية مازالت منتشرة بيننا في الاهواز، وهي تحذير الأمهات وتخوّفهن من تأقليم الأظافر ليلاً، والالتزام برميِها بعد تقليمِها في المراحيض، وإطلاق كلمة "كافر" على مَن يقلّم أظافره مساءً؛ فتقليم الأظافر ليلاً يحتّم حصول كارثة على صاحبها.
كانت تشتمني وتحضّ الآخرين على شتمي "مادر قَحبه، بي ناموس..."، ولن تزيد ترجمة الشتائم إلا تأزيماً للموقف! وتجاوب الناس معها، بل وتعاطفوا معها، بينما كنتُ حائراً، لأنّ الموقف لا يحتاج إلى شرح. وقفتُ بعيداً عن مكان احتشاد السّيارات، وعن البوابة وهي مَن أغلقت الطّريق بسيارتها.
وكنتُ أفكّر ماذا لو دخلتُ ضمن قائمة الجامعين؛ أجمع من اعتزل قيادة السيارات في إيران. أكثر مَن سألتهم قالوا إنّ السبب هو سوء قيادة النّاس والأنانيّة في امتلاك الشوارع؛ فهم يجدون أنّ امتلاك الشّارع أمر لا نقاش فيه، ويمكن الخروج بمعجم للشتائم في الطّرق السريعة والبطيئة وبلهجات ولغات زاخرة.
في الصفحة الأخيرة انتبهتُ للزحام من حولي. زحام غريب، والساعة الثانية عشرة وعشرون دقيقة، أي أنني قرأتُ لعشرين دقيقة. ثمّ تناهت إلى سمعي شتائم "آدم نَفَهْم" (الغبي)، "خَرِ أحمق" (الحمار الأحمق). كانت الشتائم تتصاعد من السيارة خلفي والتي جلست فيها امرأة مرتدية الشادور الأسود. وقد وقف أمامي باصان مغلقيْن عليّ الطريق. وجدتُ نفسي محاصراً فترجّلتُ من السيارة، ولم أُنهِ بعد الصفحة الأخيرة من "جامع الأظفار". وإذا بكلّ هذا الزّحام أنا سببه، والشتائم التي باتت تخرج الآن من أكثر من فمٍ موجهة إليّ. عدتُ للسيارة بسرعة، وقد شعر سائقا الباصين بخطورة اللّحظة فرجعا إلى الخلف، وأخذتُ السيارة للأمام، وإذا بالسائقة تلصق مقدّمة سيارتها مرّة أخرى بمؤخّرة سيارتي قاطعة الطريق على السيارات، رغم أنّ الشارع يتحمل مرورَ أربع سيارات بمحاذاة بعضها. كانت تشتمني وتحضّ الآخرين على شتمي "مادر قَحبه، بي ناموس..."، ولن تزيد ترجمة الشتائم إلا تأزيماً للموقف! وتجاوب الناس معها، بل وتعاطفوا معها، بينما كنتُ حائراً، لأنّ الموقف لا يحتاج إلى شرح. وقفتُ بعيداً عن مكان احتشاد السّيارات، وعن البوابة وهي مَن أغلقت الطّريق بسيارتها. المهمّ، في هذه اللحظة وصلت ابنتي، وكان سائق الباص الذي أغلق الطريق عليّ يحرّك يدَه دلالة على أنّ المرأة مجنونة ولأكملْ طريقي. قالت ابنتي إنّ هذه المرأة أستاذة فيزياء، وتصاحبها حالة توتّرٍ تنقلُها لطالباتها. ما أن تركتُ الزحام حتى أصابني تأنيب ضميرٍ قاسٍ. هل كنتُ السبب في تأخير كلّ هؤلاء الناس والتلامذة المتعبين؟ وأليس من حقّ الأصدقاء تطليق قيادة السّيارة للأبد؟ ماذا تقول شرطة المرور عن الحوادث المرورية وثقافة القيادة في إيران؟ قال رئيس شرطة السير في طهران في العام 2010 أنّ عدد حوادث المرور ليومٍ واحد في طهران يعادل حوادث مرورِ عامٍ كامل في قارّة أوروبا، وأنّ ما يعادل 3 بالمائة من حوادث السير في العالم تختصّ بها إيران. بينما يذكر تقرير اليونيسيف أنه في كلّ عشرين دقيقة يموت شخصٌ في إيران إثر حادث مروريّ. ويرى علماء الاجتماع الإيرانيون أنّ واقع ثقافة قيادة المركبات ترجّح المصلحة الفرديّة في القيادة على المصلحة العامة. ما زالت فكرة الكتاب القصصي تحارب للحلول بدل الشتائم وتأنيب الضمير القاسي. ومازال بطل قصة جامع الأظفار يحثّني على معرفة أين أنتهى به المطاف بعد أن حجز  صندوق أمانات في مصرف، ليضع فيه أظفاره. كلّ قصص الكتاب تتطرق إلى شخصيّة تجمع ما لا نتخيّل أنه سيجمع في يوم من الأيام، وكلّ قصة تقنعنا بأنّ الأمر ممكن حدوثه. وكنتُ أفكّر ماذا لو دخلتُ ضمن قائمة الجامعين؛ أجمع من اعتزل قيادة السيارات في إيران. أكثر مَن سألتهم قالوا إنّ السبب هو سوء قيادة النّاس والأنانيّة في امتلاك الشوارع؛ فهم يجدون أنّ امتلاك الشّارع أمر لا نقاش فيه، ويمكن الخروج بمعجم للشتائم في الطّرق السريعة والبطيئة وبلهجات ولغات زاخرة. وأضيف هنا أنّ معتزلي القيادة حين يجلسون بجانبك وأنتَ تقود يطالبونك بالقيادة حسب أذواقهم؛ فاختيار الطّريق والسّرعة والتقدّم والتأخّر وعدم الالتزام بالسّير في حارة واحدة، كلّها تكون تحت رحمتهم ورحمة السّنَة التي اعتزلوا فيها غرام القيادة.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard