أعلن مغني الراب الموريتاني حمادة ولد سيدي بونة، عضو فرقة الراب الموريتانية "أولاد لبلاد"، أن السلطات الموريتانية تمنع إحصاء ابنه مراد الذي يبلغ عشر سنوات من العمر وابن زميله في الفرقة إسحق ولد سيدي إبراهيم الذي يبلغ من العمر تسع سنوات.
بدأت قصة الحرمان هذه سنة 2016، يروي حمادة لرصيف22، ويوضح: "كنا نريد تسجيلهم في المدارس في تلك السنة، مثل بقية أطفال موريتانيا، وذهبَت والدتي ووالدة ابن إسحق بالأطفال إلى مراكز الحالة المدنية لإحصائهم حتى يحصلوا على أوراقهم المدنية، وحين دخلوا على الموظف المسؤول ومعهم نسخ من بطاقات التعريف بنا وأوراقنا الثبوتية، رفض إحصاءهم، وقال لهم: هؤلاء أبناء ‘أولاد لبلاد’ وهناك أوامر من الأعلى بألا يُسمح لهم بأخذ أوراقهم المدنية".
ويضيف حمادة: "حين أخبرتني والدتي بذلك استغربت ولم أفهم الأمر وقلت لها لا تعودي إليهم. وأرسل أهل إسحق طفله إلى أجداده في البادية (مناطق خارج المدن) وأنا أرسلت ابني إلى جدة لدي لكي يدرس في محظرة (مدرسة دينية تقليدية محلية تدرّس العلوم الشرعية واللغوية) هناك"، ويعلّق: "أطفالنا بلا ذنب ويدفعون ثمن غضب النظام منا".
ظنّ حمادة أنه تجاوز العقبات بعدما وجدت أمه مدرسة تستقبل ابنه في مدينة بوتلميت، ولكن قبل شهر تغيّرت المعطيات. يروي حمادة أنه طُلب منهم أن يأتوا بأروراق ابنه المدنية حتى يشارك في مسابقة ختم الدروس الابتدائية، وهي مسابقة يُعَدّ النجاح فيها شرطاً للانتقال إلى المرحلة الإعدادية.
ويقول: "اتصلت بي والدتي وأخبرتني، فطلبت منها أن ترجع إلى نفس مركز الإحصاء وتحاول مجدداً، فكرروا لها نفس الحديث: هذا ابن حمادة عضو ‘أولاد لبلاد’ و’أولاد لبلاد’ لديهم مشكلة مع السلطة وأولادهم لا يمكننا إحصاءهم حسب الأوامر التي لدينا".
الآباء في كندا والأبناء بلا أوراق... والسبب أغنية
بعد إصدار فريق "أولاد لبلاد" عام 2014 أغنيتهم الشهيرة "كيم"، أي "ارحل" بالعربية، والتي هاجموا فيها رأس النظام الموريتاني وطالبوا برحيله واتهموه بالفساد والظلم ونهب ثروات الدولة، بدأ النظام بمضايقتهم. يروي حمادة الذي سُجن بتهمة الاغتصاب، قبل أن يخرج منها لاحقاً بدون إدانته، أن زميله إسحق سافر إلى السنغال ولحق هو به إلى هناك، وبدأت رحلة ابتعادهم عن موريتانيا بسبب تلك الأغنية، وهي رحلة يصفها بأنها "قسرية وغير مخطط لها"، وبأنها بداية لمشوار هجرتهما النهائية عن البلد. ويقول: "لم تكن في ذهننا الهجرة إلى الخارج، وعندما كنّا في العاصمة السنغالية داكار كان حالنا جيداً وواصلنا نضالنا وكنّا نطلق أغانينا من هناك ونسافر إلى أوروبا ونشارك في المهرجانات، لكن لحقت بنا المشاكل إلى هناك عندما زار مستشار الرئيس الموريتاني أحمد ولد أباه الملقب بـ’أحميده’ داكار في أبريل 2018، وتعامل مع عصابة من الشرطة من أجل اقتحام مقر سكننا وتسليمنا إل السلطات الموريتانية، إذ قال إننا متهمان بالإرهاب". في السنغال، يقول حمادة، كان لديهما دعم من منظمة العفو الدولية وحركة "يا نمار" (حركة سياسية سنغالية معارضة) ومنظمات حقوقية دولية ومحلية، و"كنّا نسافر ونعمل وقريبين من أهلنا ويزوروننا، لأن السنغال وموريتانيا كالشيء الواحد، لكن بعد ذلك التحرك شعرنا أننا لسنا في مأمن وجرى تهديدنا مرات عدة". وروى حمادة قصة عن محاولة اختطافهما إلى موريتانيا، وقال: "أتتنا في داكار مجموعة بزي مدني لكن أعضاءها مقنعون، ودخلوا على منزل زميلي إسحق ومعهم أسلحة، لكنهم وجدوا الخادمة فقط لأنه كان مسافراً. وأتتني أيضاً فرقة من الشرطة إلى الشقة التي كنّا نسكن فيها، ووجدوا صديقنا لمرابط، وهو منسق أغاني، وكنت أنا وإسحق خارج المنزل وسألوه عنّا، فقال لهم إنه لا يعرف مكاننا، فقالوا له إنهم الشرطة، وعليه الذهاب معهم إلى المفوضية، فقال لهم أنا أعرف أنكم تريدون اعتقال ‘أولاد لبلاد’، وقد اتصل بنا صديقنا وقال لنا ألا نعود إلى المنزل وظل معتقلاً في المفوضية ولكن أُطلق سراحه بعد يوم. وبعد ذلك اتصلت بنا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR وأجرت معنا تحقيقاً برفقة محامينا، وسألونا عمّا يجري لنا، وكنّا قبل ذلك مختبئون، وقالوا لنا إن كندا قبلت ملفكم وتعهدت بقضيتكم". وتابع حمادة: "أعطتنا كندا اللجوء وسافرنا إليها، ولم نكن بحاجة لاستقدام أسرنا فأطفالنا صغار على السفر، وقضيتهم عموماً عند الكندين أيضاً، ونحن نحب أن نرجع إلى أهلنا ونعود إلى وطننا وتصبح موريتانيا ديمقراطية وفيها عدالة اجتماعية واحترام للمواطن، فذلك هو أملنا".مراكز الحالة المدنية في موريتانيا ترفض إصدار أوراق مدنية لأبناء أعضاء فرقة "أولاد لبلاد" للراب، بسبب "أوامر من الأعلى"، ما يحرمهم من الدراسة. وعضو الفرقة حمادة ولد سيدي بونة يقول لرصيف22: "أطفالنا بلا ذنب ويدفعون ثمن غضب النظام منا"
عضو فرقة الراب الموريتانية "أولاد لبلاد" حمادة ولد سيدي بونة لرصيف22: "نحن جزء من عملية التغيير، لأننا نحب بلدنا ولا نرضى عنه بديلاً وهدف أغانينا كشف الظلم في بلدنا، ومجابهة بطش العسكر وحكمهم الذي أفسد البلد، هم ومَن يتملَق لهم"
تاريخ حافل بالأغاني الشعبية
تُعتبر فرقة أولاد لبلاد اليوم إحدى أشهر فرق الراب في موريتانيا، وأغانيها لها شعبية طاغية، ومن أشهرها بجانب "كيم"، أغنية "أمسكين"، وهي من أول أعمالهم وصدرت في ألبومهم الأول سنة 2007 وتحدثت عن حال المواطن الموريتاني المسكين الذي يرزح تحت عبء السكن والبطالة والفقر والجوع وغياب الرعاية؛ وأغنية "رئيس الفقراء" التي صدرت عام 2016 وكذّبت كلماتها شعار "رئيس الفقراء" الذي أُطلق على رأس النظام الموريتاني، وقالوا فيها إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز سجن الأبرياء ودمّر حياة الفقراء؛ و أغنية "سارگ" التي صدرت سنة 2017، وطالبوا فيها باعتقال الرئيس الموريتاني، واتهموه بنهب البلد، هو وزوجته؛ وتأسست الفرقة سنة 2000، على يد الرباعي حمادة وإسحق ولمرابط ولد علي ومحمد، وقد تركهم الأخير مع تصاعد وتيرة المضايقات لهم سنة 2014، واعتزل الراب حسب حمادة. وتتكون الفرقة اليوم من حمادة وإسحق ولمرابط، وقال حمادة عن هدف تأسيس الفرقة: "كان هدفنا النضال والحديث عن مشاكل المجتمع. تكلما في أغانينا عن المظلومين والفقراء والمساكين وسوء الخدمات وانتشار القمامة، وحقوق المرأة كذلك، ونحن نتحدث في أغانينا عن واقع حقيقي وهي تزعج المفسدين فقط، لأنه لا يوجد فرد اليوم لا يعرف أن حكومة عزيز فاسدة وأنه غير شرعي وأتى إلى الحكم بانقلاب على سيدي ولد الشيخ عبد الله وخدع الشعب، وقال إنه رئيس الفقراء لكنه زاد من فقرهم، وينهب هو وعائلته الدولة". ويضيف: "بعد عشر سنوات من حكمه، الأسعار مرتفعة والأمن غائب وتفشت العنصرية، ولهذا ننتقده، ومنذ إصدارنا أغنية ‘كيم’ ونحن نتعرض للمضايقات والتهديدات وهُددنا بالسجن والقتل، ولنا أغانٍ نقدية قبلها منها أغنية ‘خبر عاجل’"، وهي أغنية صدرت سنة 2013، وتحدثوا فيها عن تزوير الانتخابات التشريعية وانتقدوا اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات. &t=1s وتابع حمادة حديثه: "نحن جزء من عملية التغيير، لأننا نحب بلدنا موريتانيا ولا نرضى عنه بديلاً وهدف أغانينا هو كشف الظلم في بلدنا، ومجابهة بطش العسكر وحكمهم الذي أفسد البلد، هم ومَن يتملَق لهم. ورغم أننا خارج الوطن، فنحن لا نزال نتابع أوضاع بلدنا بكل شغف مواصلين نضالنا ضد حكومة الفساد التي تحكم الدولة". وفي كندا، تواصل فرقة "أولاد لبلاد" تفاعلها مع الشأن العام الموريتاني، وأصدرت أغاني مناهضة للنظام الموريتاني، من آخرها أغنية "كافين منك كافين" (2018)، والتي لاقت رواجاً كبيراً بين الجمهور الموريتاني، وجددوا فيها مطالبتهم برحيل رأس النظام، وقالوا إنه بعد تسع سنوات من الظلم والفساد صار من الضروري رحيله.حالة "أولاد لبلاد" ليست استثناء
لم تكن حادثة منع ابني عضوي "أولاد لبلاد" من أوراقهم المدنية الأولى في موريتانيا. سبق وتعرّض معارضون موريتانيون آخرون لمثل هذا التضييق. وأكد الناشط في حركة 25 فبراير سيدي الطيب ولد المجتبى لرصيف22 أن "استخدام النظام الموريتاني للوثائق المدنية كورقة ضغط على المعارضين في الخارج ليس بالجديد" وأضاف: "هو خرق سافر للقانون، فلا سند قانوني له، ولم يبدأ مع قضية ‘أولا لبلاد’، فهناك حالات مشابهة تعرض لها معارضون للسلطة". وكان الكاتب والأستاذ الجامعي الموريتاني المقيم في قطر محمد المختار الشنقيطي قد أعلن قبل فترة أن السلطات الموريتانية منعته وأبناءه من تجديد جوازات سفرهم، وبعد حملات تضامن كبيرة معه حُلَّت القضية بعد كثير من الشد والجذب. وكذلك، أفاد المعارض الموريتاني المصطفى ولد الإمام الشافعي بأن مصلحة الحالة المدنية في السفارة الموريتانية في أبيدجان رفضت إحصاءه وقال إن المسؤول اعتذر له بأنه تلقى تعليمات صارمة بحظر إحصاء بعض الموريتانيين ومن ضمنهم هو. أيضاً، قال السفير السابق والكاتب الموريتاني المقيم في قطر باباه ولد سيدي عبد الله إنه تم حرمانه من تجديد جواز سفره بسبب موقفه من النظام. وقال الكاتب والناشط الموريتاني عبد الرحمن ودادي لرصيف22 إنه لم يسمع بحرمان مواطنين من أوراقهم المدنية قبل حقبة الرئيس الموريتاني الحالي، وإن هناك حالات كثيرة لا يعرف عددها، وبسببها لا يدخل كثيرون من أبناء الحراطين (أحفاد المستعبَدين السابقين والمعارضين بشكل عام للنظام بسبب عدم اهتمامه برفع الظلم التاريخي عنهم) المدارس. وأشار ودادي أيضاً إلى أن النظام يستخدم مسألة ازدواجية الجنسية التي يمنعها القانون الموريتاني بكيدية، فتُسقَط الجنسية الموريتانية عن بعض حاملي جنسية أخرى فيما يحمل بعض المقرّبين من النظام جنسيتين بدون أن يواجهوا أية مشاكل مثل أول وزير للخارجية في عهد ولد عبد العزيز، ولد محمدو، ومحمد ولد الداهي الذي كان مديراً للتمويلات الخارجية. ويلفت الصحافي والناشط الحقوقي الموريتاني المقيم في كندا سيد أحمد ولد اطفيل إلى أن "معظم الأنظمة العسكرية في العالم انتهجت سياسة منع تجديد الأوراق الثبوتية، أو سحب الجنسية". وعن حجم الظاهرة، يقول لرصيف22: "من المؤكد أن هنالك ضحايا لم يتناول الإعلام قضاياهم وبالتالي لا يعرف بهم الرأي العام".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...