شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قصة

قصة "الشيخ الموريتاني الصالح" المتّهم بالاحتيال على الناس وسرقة أموالهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 8 أغسطس 201806:38 م
احتاج الشاب الثلاثيني محمد لكهيل إلى المال، فلم يجد وسيلة غير بيع سيارته لمكتب الشيخ علي الرضى بن محمد ناجي الصعيدي الذي يشتري السيارات والمنازل بسعر مرتفع. "بعت لهم سيارتي من نوع Toyota avensis بثلاثة ملايين وثمانمئة ألف أوقية (حوالي 10690 دولاراً)، ومرّ الزمن المحدد للتسديد ولم أحصل على شيء حتى الآن"، يروي الشاب الذي يدرس في مدرسة الصحة العمومية. محمد هو واحد من بين عدد كبير من المواطنين الموريتانيين الذين باعوا للشيخ الرضى عقاراً أو سيارة، وما يزالون حتى اللحظة يطالبون بديونهم رغم تجاوز ميعاد التسديد المتفق عليه سلفاً مع مكتب الشيخ. القضية متشعبة وصعبة، فالدائنون يخافون من الحديث عن مشالكهم للإعلام، إما خوفاً على أموالهم التي لم يحصّلوها حتى اللحظة، أو خوفاً من الولي الصالح، في بلد يؤمن كثيرون من أبنائه بأن غضب الرجل الصالح قد يُحدث أموراً سيئة للأشخاص. يتابع الصحافي الموريتاني المستقل الربيع ولد ادومو، 37 سنة، القضية منذ فترة ويقول لرصيف22: "صفة الشيخ كشيخ وكداعية ورئيس للمنتدى العالمي لنصرة الرسول استُعملت لأخذ أموال الناس، وبالتالي كانت ثقة الشخص البسيط في رجال الدين هي دافع الكثيرين الأساسي إلى تقديم ما لديهم للشيخ بدون ضمانات".

ديون متراكمة

منذ عام 2011، بدأ رئيس المنتدى العالمي لنصرة الرسول، والذي يُعتبر من الأشراف في موريتانيا ومرجعية دينية ولديه الكثير من الأتباع، معاملات تجارية غريبة. راح عبر مكتب تجاري يشرف عليه خمسة أشخاص من المقربين منه يشتري منزلاً من هنا أو سيارة من هناك بسعر مرتفع، على أن يسدد المبلغ بعد مدة، ثم يقوم ببيع ما اشترى سريعاً بسعر منخفض، أقل من سعر الشراء، بدون أن يسدد ثمن ما اشتراه. وأقبل عدد كبير من الناس على البيع له. فمن جهة هو يشتري بأسعار مربحة لهم، ومن جهة أخرى يعتبرون الرجل صالحاً ومن الأشراف ولا يمكن أن يخدعهم. في فبراير الماضي، أعلن الشيخ توبته من هذه المعاملات في تسجيل صوتي نشرته مواقع إخبارية، بعد أن غرق في الديون، ولم يعد يعرف ما يفعله غير طمأنة الناس بأن أموالهم سترجع إليهم، لكن كيف؟ لا أحد يعلم. واعترف الشيخ بأن معاملات مكتبه التجاري "كانت غريبة عند الناس، وعندهم الحق في أن يستغربوا، لأنها من الناحية التجارية غير بديهية، والسبب في ذلك إما حاجتنا المباشرة أو حاجة مَن يريد حاجته عندنا". وقال الشيخ: "سأصرح وأعترف بالحقيقة ومن دون كناية. إنّ ما قمت به من ديون ارتكبت فيه ذنباً عظيماً واستغفر الله العظيم منه"، مضيفاً أنه قرر إغلاق مكتبه التجاري و"البدء في برمجة قضاء الديون جميعاً". ولكن الغريب في الأمر أن هذه ليست توبة الشيخ الأولى. ففي مايو 2017، قدّم اعتذاراً "لأصحاب الديون على ما كان من تقصير في حقهم وتأخير عن مدتهم" واعتذاراً آخر "لأهل السوق عامة وخصوصاً سوق العقارات عن بيعنا بعض الأشياء تحت ثمنها". وبرّر الشيخ معاملات البيع الغريبة التي يقوم بها بأنها أُجريت بسبب "الحاجة والفرار من المعاملات الربوية البنكية والحذر من سؤال الناس أموالهم"، ووعد دائنيه، كما في "توبته" الثانية بقضاء الدين المطلوب عليه. اهتم الناشط السياسي عبد الرحمن ودادي بقضية هذه المعاملات منذ ظهورها. التقى ببعض الضحايا وتابع كيف يتعامل أصحاب الشيخ مع الناس البسيطة. يقول ودادي لرصيف22: "هذه عملية نصب كبيرة تجاهلتها الدولة، وراح ضحيتها الكثير من الناس، وهي ديون لا يمكن للشيخ أن يدفعها، الديون بلغت ما يقارب 100 مليار أوقية، أي ما يناهز 300 مليون دولار".

"صالح من الصالحين"

وُلد الشيخ علي الرضى الصعيدي عام 1970 وحفظ القرآن وهو بعمر الحادية عشرة على والده ودرس العلوم الشرعية واللغوية على عمه، وهو شيخ آخر. أسس الشيخ الرضى عام 2008 المنتدى العالمي لنصرة الرسول، وهو منتدى نشط في موريتانيا يدعم الكثير من النشاطات الدينية وينظم ندوات دورية يحضرها فقهاء وشعراء وكثيرون من أتباع الرجل.
الدائنون يخافون من الحديث عن مشالكهم للإعلام، إما خوفاً على أموالهم التي لم يحصّلوها حتى اللحظة، أو خوفاً من الولي الصالح، في بلد يؤمن كثيرون من أبنائه بأن غضب الرجل الصالح قد يُحدث أموراً سيئة للأشخاص
"صفة الشيخ كشيخ وكداعية ورئيس للمنتدى العالمي لنصرة الرسول استُعملت لأخذ أموال الناس، وبالتالي كانت ثقة الشخص البسيط في رجال الدين هي دافع الكثيرين الأساسي إلى تقديم ما لديهم للشيخ بدون ضمانات"
واشتهر في موريتانيا من خلال المنتدى والمعاملات التي بدأها منذ سنوات. يعتقد معظم الموريتانيين أن جلّ رجال الدين من الصالحين، وأنهم فوق النقد وفوق الشبهات. من هنا جاءت عبارة "لحم العلماء مسموم"، ما يعني أن مَن ينتقدمهم أو لا يصدقهم يمكن أن يدفع ثمن ذلك، ويحدث له أمر سيئ. كثيرون أيضاً يؤمنون بأن الشيخ الرضى من الصالحين، وهو منزّه عن أن يقوم بتصرّف غير صحيح، فهل استغل الرجل ذلك؟ "نعم لقد فعل والدين استُغلّ في هذه القضية بشكل واضح"، يقول الصحافي الربيع ولد ادومو لرصيف22. ورغم أنه لا يعرف كيف سيسدد الشيخ دينه إلا أن الشاب محمد لكهيل مقتنع تماماً بأنه سيسددها، ويقول لرصيف22: "اقترحوا علي قطعة أرض بدل المال، لكنّي لم أقبل ذلك، وأنا واثق في كلامهم، هم لا يكذبون لكنهم ما يزالون عاجزين عن تسديد الديون".

قضية الشيخ في مرمى الحكومة

في يونيو 2018، قامت النائبة في البرلمان المعلمومة منت بلال بمساءلة وزير الاقتصاد المختار ولد أجاي عن سبب تجاهل الدولة ظاهرة ديون الشيخ الرضى، وعن مدى استفادة الدولة من هذه المعاملات. اعتبر الوزير في ردّه أن هذه المعاملات تحدث بين راشدين دون ضغط أو تخويف أو تهديد، ويمكن للجميع أن يتقدموا بشكاوى ضد الشيخ إلى العدالة. بالنسبة إلى الصحافي الربيع ولد ادومو، فإن خيار مقاضاة الشيخ الرضى من قبل الدائنين أمر مستبعد. "لا يمكن لأحد أن يتقدم بشكوى ضد الشيخ الرضى، لأنه يمتلك علاقات واسعة مع شيوخ القبائل ونحن مجتمع قبلي يقبل بقرار القبيلة في النهاية، وإضافة إلى ذلك الرجل لديه منزلة الشيخ الصالح وهذه منزلة مقدسة في المجتمع الموريتاني"، يقول ولد ادوم لرصيف22.

لا يتحدثون دون أمر منه

حاولنا أثناء إعداد هذا التقرير الوصول إلى أحد المقربين من الشيخ، لأخذ رأيهم حول توبة الشيخ وكيف سيسدد الديون ومتى سيقوم بذلك، لكن أحداً منهم لم يقبل الحديث معنا. يقولون إنهم يجب أن يأخذوا الموافقة منه شخصياً لكي يتحدثون. لكن حتى اللحظة، يبدو واضحاً أن الشيخ الذي وقع في ديون تصل إلى ملايين الدولارات عاجز عن البدء في تسديد الديون أو إعطاء تاريخ محدد لا يخلف فيه للقيام بذلك. وتبقى عائلات كثيرة تعاني الأمرين، بعضها تغيّرت حياة أبنائها رأساً على عقب، بعدما عقدوا الآمال على جنيهم أموالاً تأخرت وإلى زمن غير معلوم. وتعليقاً على هذا الوضع، يقول ودادي: "أقول للضحايا بأن الشيخ الرضى لا يستطيع أن يسدد لكم ديونكم، وسيظل يعطيكم الكثير من المواعيد".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image