شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هيفاء وهبي ليست من كوكب آخر ولتتوقف معاملتها بذكوريّة!

هيفاء وهبي ليست من كوكب آخر ولتتوقف معاملتها بذكوريّة!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 23 يناير 201912:24 م

حلّت النجمة هيفاء وهبي ضيفة على برنامج هشام حدّاد "لهون وبس" يوم الجمعة، الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير 2019 في حلقة تغيّر فيها اسم البرنامج إلى "لهيفا وبس" وتم تصويّر الحلقة في استديو أكبر وبتغيّرات في شكل البرنامج وفقراته.

تعامل هشام مع ضيفته بسذاجة تقليدية اتبعها أغلب مقدمي البرامج في حواراتهم مع هيفاء، سذاجة ملّها الجمهور وكأن هيفاء طفلة صغيرة أو نجمة حديثة العهد. هيفاء اليوم في مراحل سطوع مجدها وتألقها، فهي مغنية من الصف الأوّل وممثلة جديّة في عملها بشهادة كبار النقاد وأرقام المتابعين وحتى "رايتنغ" الحلقة.

قدّم الإعلامي هشام حدّاد نفسه على أنه الرجل المهووس بهيفاء "ككل الرجال" المغايرين كما يفترض، وكأن هيفاء واحة وحيدة في صحراء قاحلة جافة وصولاً لدرجة "تسخيفه" لزوجته وأصحابه مقابل معرفته بهيفاء وحواره معها. ويتابع هشام بطلاق عباراته وأفكاره الذكوريّة طوال الحلقة التي لم تخل من التزييف والصبيانية بالتعامل مع هيفاء وكأنها من كوكب آخر أو في أولى مقابلاتها التلفزيونية.

في سياق الحلقة، وفي أول فقرة سكيتشات ارتجالية بطلاها هشام وهيفاء، تعمّد هشام في سكيتش الأول تقمّص لهجة أبناء منطقة معينة في لبنان لابتداع النكتة ليمتد الأمر إلى سخريته من عمّال ديليفري الأراكيل (الشيشة)، المهنة النشطة التي استحدثتها الحاجة، وينتقل بعدها مباشرة لفكرة استهواء النساء لرجال الطريق أو الباد بوي "الوزّي" كما أسماهم ومن ثم إلى اعتراضه على السجادة الرياضية بحجة لونها الزهري وأنها "نسوانية" لا تليق به في السكيتش الثاني، ولم ينتهِ الأمر هنا، بل تطوّر ليبني هشام نكاته على حساب النساء بافتراضه أن النساء لا يرين إشارة المرور الحمراء وبذلك لا يتوقفن عندها ما أثار اعتراض هيفاء. هذا الاستخفاف بهيفاء والنساء لم يتوقف هنا، بل تعاظم إلى اعتبار هيفاء (المرأة) كجائزة سيقطفها هشام في ظلّ صراع بطليْن سوري ولبناني عليها في عمل درامي مشترك.

هذا المنطق الذكوري الأبوي التقاطعي الذي يلاحق هيفاء بسبب عملها وشهرتها وجمالها استغله هشام حدّاد ليتعامل مع هيفاء معاملة أقل ما يقال فيها إنها دونية تشهيرية. فاعتبار هيفاء كائناً غريباً يتعجب هشام من تصرفاته العادية التي تشبه البشر في الصباح أو في جلساتها مع الأصحاب ويومياتها العادية يعود إلى العزلة التي توضع فيها النساء نتيجة تميزهن في عملهن أو تحقيقهن شهرة مستحقة بعد تعب سنوات، فيفرض عليهن النظام البطريركي عقوبة العزلة والابتعاد عن العامة وكأنهن وباء يخاف أسياد السلطة المجتمعية من انتشاره بين الأخريات، وهذا ما يفسّر الكم الهائل من الإشاعات والأكاذيب التي لاحقت هيفاء منذ انطلاق مسيرتها الفنية إلى اليوم، فالثقافة الأبوية تعتبر أن المرأة لا يمكن أن تكون ناجحة دون أن "تستخدم" جسدها وكأن الجنسانية تصبح تهمة بدلًا من أن تكون حقاً وشأناً خاصاً لا علاقة لنا به، بالإضافة لنظرة الإثارة عند معظم مقدمي البرامج إن لم نقل جميعهم، تلك النظرة الجنسية التي تصل الى حد التحرّش أحياناً، من حيث النظرات ومحاولة اللمس والكلام الإيحائي غير المرغوب فيه، التي لا يخجلون من إظهارها على الشاشة بحجة جمال هيفاء الذي لا يقاوم.

تدفع النساء في مجتمعاتنا ضرائب مضاعفة، فقط لكونهن نساء وقبل أي تحقيق وإثبات للذات في أي من مجالات الحياة والعمل، فكيف لو كان هذا المجال هو الفن والشهرة والأضواء! قبل فترة، ظهرت الممثلة المصرية رانيا يوسف على سجادة مهرجان القاهرة السينمائي بفستان كشف عن أكثر مما يسمح به هذا النظام، فنصبت الخيم وأقيمت المجالس وتأهبت المحاكم لمقاضاتها ومعاقبتها ومن ثم إذلالها على الهواء مباشرةً قبل أن تراجع سمير المحامي عن الدعوى ضدها. هذا الأسلوب المذلّ الذي اتبعه مقدم البرنامج عمرو أديب بالتحديد هو أسلوب ممنهج ضد النساء في مجتمعاتنا بحيث لا يسمح لهن أن يتخطين "المعقول" من حرية الجسد والتعامل معه على أساس أنه جزء خاص من كيان المرأة التي لا تتمتع بكامل الحرية في التعبير عنه بالطريقة التي تناسبها ليأتي بعد ذلك مشهد السماح والعفو عن هذه الزلة لأن "العفو عند المقدرة قوة".

تعامل هشام مع ضيفته بسذاجة تقليدية اتبّعها أغلب مقدمي البرامج في حواراتهم مع هيفاء، سذاجة ملّها الجمهور وكأن هيفاء طفلة صغيرة أو نجمة حديثة العهد. هيفاء اليوم في مراحل سطوع مجدها وتألقها، فهي مغنية من الصف الأوّل وممثلة جديّة.
فاعتبار هيفاء كائناً غريباً يتعجب هشام من تصرفاتها العادية التي تشبه البشر في الصباح أو في جلساتها مع الأصحاب ويومياتها العادية يعود إلى العزلة التي توضع فيها النساء نتيجة تميزهن في عملهن أو تحقيقهن شهرة مستحقة بعد تعب سنوات.
فالثقافة الأبوية تعتبر أن المرأة لا يمكن أن تكون ناجحة دون أن "تستخدم" جسدها وكأن الجنسانية تصبح تهمة بدلًا من أن تكون حقاً وشأناً خاصاً لا علاقة لنا به.
لم تسلم الفنانات من التنمرّ والهجوم الشرس نتيجة أعمالهن وظهورهن في فيديو كليبات راقصة أو رومنسية أو حتى درامية وكأنهم أرادوا منهن الوقوف بصمت وسط العديد من الرجال الذين يتصارعون على أجسادهن المغطاة بطبقات من الأقمشة.

هذا الاستهداف الممنهج للنساء والفنانات بشكل واضح أكثر نظراً لوجودهن تحت الأضواء هو وسيلة من وسائل الدولة في ممارسة رقابتها على أجساد النساء لضمان وجود وصيانة حواجز خلقتها هذه المؤسسة يحرّكها منتظم سياسي يضم جميع جوانب الحياة المجتمعية وقد وضع جسد المرأة ضمن قائمة المحرمات والعيب وربطه بالشرف داعماً أسلوبه بحجج دينية وأخلاقيات وتقاليد ابتدعها بالأساس وسيطر بها على المجتمع ليعيد المجتمع بعد ذلك إنتاج ذات الخطاب السلطوي المهيمن على أجساد النساء.

لم تسلم الفنانات في منطقتنا من التشهير الذي  كانت تمارسه أداة السلطة الأولى، أي المؤسسات الإعلامية والإعلانية التي نشطت مع أواخر القرن الماضي، وخصوصاً ما عُرف بالصحافة الصفراء، والتي كانت تختص بنشر "فضائح" الفنانات والفنانين بالإضافة إلى شنّ هجوم شرس عليهن. فمع بداية ظهور الشحرورة صباح على المسرح بفساتينها البرّاقة بألوان فاقعة وغنجها غير المعتاد على المسرح أكثر من أي فنانة أخرى من قبل، قوبلت الشحرورة بالكثير من الانتقادات والتعليقات الساخرة والشائنة والتي لم تتوقف حتّى بعد مرضها واعتكافها عن الظهور إلى حين وفاتها. لقد ساهمت الصبوحة في خلق روح جديدة في عالم الفن والغناء، فقد فتحت مساراً جديداً للفنانات استطاعت من خلاله التعبير عن نفسها ورغباتها وأحاسيسها بمقدار أكبر من الحرية كما كان سائداً. ومنذ منتصف التسعينيات وبعد النهضة في عالم الغناء من حيث الكلمات والألحان والتوزيع الموسيقي وظهور الفيديو كليب الذي أصبح مادة بصرية مهمة جداً لأي فنان يحاول الوصول الوصول إلى مرتبة مميزة وجماهيرية كبيرة، لم تسلم الفنانات من التنمّر والهجوم الشرس نتيجة أعمالهن وظهورهن في فيديو كليبات راقصة أو رومنسية أو حتى درامية وكأنهم أرادوا منهن الوقوف بصمت وسط العديد من الرجال الذين يتصارعون على أجسادهن المغطاة بطبقات من الأقمشة. فقد صارعت هيفاء منتقدي جمالها وجرأتها بالمزيد من الإطلالات المميزة والجسد الممشوق، واستمرت بمجابهة إشاعاتهم المغرضة والمسيئة بحقها بالمزيد من الإنتاج الفني المتميز والدلع والأنوثة لتصبح اليوم من أجمل نساء العالم وأكثر الفنانات نجاحاً. وفي نفس السياق واجهت ميريام فارس موجة من السخرية والانتقادات بسبب رقصها الذي اشتهرت به في فيديو كليباتها ومن ثم على المسرح وخصوصاً مع  إنتاجها للأغاني الخليجية الإيقاعية. وغيرهن الكثيرات من الفنانات اللواتي حوربن بحجة الشرف وخدش الحياء العام ومنهن روبي التي استطاعت أن تهز عرش حيائهم بكليباتها الراقصة وجسدها المنحوت بمعالم فرعونية.

مقابل كل هذا العنف والتشهير والحملات الشرسة خصوصاً مع وسائل التواصل الاجتماعي اليوم من انستغرام وتويتر وفيسبوك، استطاع هذا خلق جيوش إلكترونية، وإن كانت من حسابات وهمية، مهمتها التعرض للفنانات وشنّ هجوم ممنهج منظم ضدهن رداً على تصريح أو رقصة أو فيديو كلب أو صبغة شعر جديدة! ولكن رغم هذا كله فالصبوحة أوصتنا بالدبكة والزغاريد في جنازتها ورانيا يوسف عادت لتظهر في فستان أصفر بفتحة على الظهر والجانبين في حفل توزيع جوائز "الدير جيست" وميريام فارس في تطوّر واحتراف أكثر لرقصات متعددة من أماكن وحضارات مختلفة وروبي تحضّر اليوم لأعمال غنائية جديدة. أما هيفاء فإنها في تصاعد مبهر بكامل أنوثتها تغيظهم بذكائها وكبريائها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image