كشفت إسرائيل أنها تستعد لمطالبة سبع دول عربية وإيران بتعويضات مادية قدرها 250 مليار دولار عن الممتلكات والأصول التي تركها اليهود الذين "أجبروا على الفرار" من تلك الدول، بعد إعلان تأسيس الدولة العبرية عام 1948.
وجاء الحديث عن هذه العويضات على لسان وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية غيلا غمليئيل في الخامس من يناير الحالي، إذ قالت: "حان الوقت لتصحيح الظلم التاريخي الذي تعرّض له اليهود في سبع دول عربية وإيران، واستعادة مئات الآلاف من أصول اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم".
ونقل تقرير نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل" عن قناة "حداشوت" أنه يتم الآن وضع اللمسات الأخيرة على طلبات التعويض وسيتم تقديم ملف إلى تونس للحصول على تعويض بقيمة 35 مليار دولار عن الأصول اليهودية المفقودة فيها، كما ستُطالَب ليبيا بدفع تعويض قدره 15 مليار دولار.
وكشف التقرير أن إسرائيل ستطالب أيضاً بـ200 مليار دولار من المغرب والعراق وسوريا ومصر وإيران واليمن.
وخلال الأشهر الـ18 الماضية، عملت إسرائيل سراً مع شركة محاسبة دولية لتقدير قيمة الممتلكات والأصول التي "أجبر اليهود" على تركها في الدول العربية وإيران.
الطرح ليس جديداً
شغلت مسألة ممتلكات اليهود في الدول العربية أذهان الإسرائيليين منذ وقت طويل. ويلاحظ أستاذ التاريخ الحديث عصام الدسوقي تصاعد المطالبات بالحصول على تعويضات عن ممتلاكات اليهود عند الحديث عن أية عملية سلام مع الدول العربية، وذلك منذ عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات. وبدأت سلسلة مطالبات باستعادة أملاك اليهود المصريين أثناء مباحثات القاهرة وتل أبيب السابقة لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. وعلى مدار السنوات الماضية، أسس إسرائيليون منظمات لمطالبة الدول العربية بتعويضات عن ممتلاكات اليهود العرب المهجّرين. ومن أشهرها جمعية النبي دانيال التي تأسست في فرنسا عام 2003، وتحمل اسم أشهر معابد اليهود في الإسكندرية. وأشهر منظمة ذات صلة بهذا الأمر هي "العدالة لليهود من الدول العربية (JJAC)" التي تعمل كمظلة دولية لمنظمات أخرى، وتنشط على الساحة الدولية وخصوصاً في الولايات المتحدة للحصول على تعويضات لليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل وتركوا خلفهم العديد من الممتلكات. تقدّر هذه المنظمة أن حوالي 856 ألف يهودي هاجروا من إيران وتسع دول عربية، هي الدول السالف ذكرها، إضافة إلى الجزائر ولبنان. وتوجّه نحو 800 ألف منهم إلى إسرائيل بينما توجه الباقون إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا ودول أخرى. وتدعو المنظمة المذكورة اليهود المهجّرين وأبناءهم إلى تقديم وثائق حول أملاكهم إلى وزارة المتقاعدين الإسرائيلية. وعام 2012، أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية حملة دعائية بعنوان "أنا لاجئ" للمطالبة بصرف تعويضات لليهود ذوي الأصول العربية الذين هاجروا من بلادهم. وعام 2013، طلبت وزارة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية من المعنيين ملء استمارات للمطالبة بإعادة الممتلكات المتروكة في الدول العربية. وعام 2014، أقرّ الكنيست قانوناً يجعل يوم 30 نوفمبر من كل عام ذكرى لخروج اليهود وترحيلهم من الأراضي العربية والإيرانية. وبهذا التاريخ، يُنظّم احتفال سنوي وفعاليات تهدف إلى طرح قضية هؤلاء اللاجئين وممتلكاتهم في المحافل الدولية. وفي 30 نوفمبر 2014، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب بهذه المناسبة: "الدول العربية أجبرت اليهود على مغادرة منازلهم وترك أملاكهم… لقد عملنا، وسوف نستمر في العمل، كي لا يتم نسيانهم ونسيان حقوقهم". أما الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، فقد تطرّق في كلمته إلى "ضمان التعويضات المالية"، وتحدث في خطابه عن تحسين تمثيل اليهود الشرقيين في المجتمع الإسرائيلي، وسماع صوتهم "في الإعلام، والفنون، ومؤسسات الدولة الرسمية، وعلى الساحة الدولية أيضاً". يُذكر أن كندا اعترفت رسمياً في مارس 2014 بوضع "لاجئ" للمهاجرين اليهود الذين فروا أو طُردوا من الدول العربية بعد تأسيس إسرائيل.هل ترتبط التعويضات بصفقة القرن؟
يقول موقع "تايمز أوف إسرائيل" في تقريره إن المساعي الحالية للانتهاء من حصر تعويضات اليهود تأتي بالتزامن مع اعتزام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عرض خطة السلام التي طال انتظارها لحل القضية الفلسطينية. ويضيف: "هناك قانون في إسرائيل صدر عام 2010 ينص على أن أي اتفاق سلام يجب أن ينص على تعويض اليهود عن الأصول التي أجبروا على تركها في الدول العربية وإيران". ويتابع: "طلبت السلطة الفلسطينية أكثر من 100 مليار دولار كتعويض من إسرائيل عن الأصول التي أجبر مواطنوها على تركها في وقت إقامة الدولة اليهودية، وقدمت رام الله وثائق لهذا الغرض إلى الولايات المتحدة قبل عقد من الزمان". ويذكر التقرير أنه "لطالما طالب الفلسطينيون بـ’حق العودة’ إلى أراضي إسرائيل اليوم لعشرات آلاف اللاجئين الأصليين وملايين من أبنائهم. وهذا سيؤدي إلى زوال إسرائيل كدولة يهودية وتعارضه جميع الحكومات الإسرائيلية. وتدعي إسرائيل أن اللاجئين الفلسطينيين سوف يصبحون مواطنين في دولة فلسطينية ضمن اتفاق سلام دائم، تماماً كما أصبح اللاجئون اليهود من الدول العربية مواطنين في دولة إسرائيل". ويقول نائب مدير لجنة العلاقات العامة في مجلس الإعلام بحركة فتح، الباحث الفلسطيني ماهر صافي، لرصيف22 أن الطرح الإسرائيلي في الوقت الحالي يأتي ضمن أوراق الضغط على العرب للقبول بكل ما سيأتي في صفقة القرن.أهداف إسرائيل من طلب التعويضات
يرى الخبير السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن العديد من الأهداف تقف خلف طرح حكومة نتنياهو واليمين الإسرائيلي لهذه القضية في الوقت الحالي. وأضاف مطاوع لرصيف22 أن إسرائيل تعتبر أن علاقتها مع الدول العربية دخلت مرحلة جديدة تتمثل بقبولها وبقبول حقوق اليهود في المنطقة. وتابع: "بالتالي، فإن تطبيع العلاقات سيقتضي الاعتراف بأنه تم تهجير اليهود العرب والاستيلاء على ممتلاكاتهم ويتوجب الحصول على التعويضات".إسرائيل تعدّ ملفات للمطالبة بتعويضات عن أملاك اليهود المهجّرين من دول عربية وإيران... وتطالب تونس بـ35 مليار دولار وليبيا بـ15 ملياراً كما تطالب المغرب والعراق وسوريا ومصر وإيران واليمن بـ200 مليار
إسرائيل تطالب سبع دول عربية وإيران بدفع 250 مليار دولار تعويضاً عن أملاك يهودها المهجّرين... فهل الهدف مقايضة الدول العربية على توطين الفلسطينيين فيها وإنهاء حق العودة؟ووفقاً لمطاوع، فإن المطالبات الإسرائيلية تأتي بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية وهي مرحلة تُطرح فيها العديد من الوعود والخطط الحزبية لجذب الناخبين. واعتبر مطاوع أنه سيتم استخدام هذه الورقة للضغط على الدول التي ترفض التطبيع عبر مطالبتها بدفع تعويضات من خلال مؤسسات دولية، وما يحدث الآن هو مرحلة التحضير لهذه الخطوة.
هل تخطط إسرائيل لإلغاء حق العودة؟
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، اقترح الإسرائيليون خطة لمبادلة اليهود العرب بفلسطينيين، وتم طرح هذا المخطط على العراق لكن بغداد وباقي الدول العربية رفضت الفكرة. يقول الكاتب الإسرائيلي جوناثان توبين في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية حول المطالبة بتعويض اليهود المهجّرين عن ممتلاكتهم إن على السلطة الفلسطينية أن تقبل بتلقي الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تعويضات، كي تقوّي موقفها التفاوضي المهتز أمام العالم. وطالب السلطة بالقبول بهذ الطرح بدلاً من الاستمرار في تجاهل المطالب اليهودية والحديث على أنها خدعة من قبل حكومة نتنياهو لجعل العالم يفكر أقل في اللاجئين الفلسطينيين. ولكن الكاتب يقرّ بأن الدول الثماني التي حددتها إسرائيل وطالبتها بما يصل إلى ربع تريليون دولار ليست لديها نية لدفع "سنت واحد". وختتم الكاتب مقاله بقوله إن قبول الفلسطينيين بتعويض اليهود سيسهل على الدول الأوروبية الضغط على إسرائيل من أجل تحسين الأوضاع في غزة. ويستبعد مطاوع أن تقبل الدول العربية بتنازل إسرائيل عن تعويض اليهود مقابل توطين الفلسطينيين فيها وإنهاء حق العودة.التعويضات في القانون الدولي
تزعم وسائل إعلام مصرية أن يهوداً رفعوا 3500 قضية لاستعادة أملاكهم في مصر لكنهم لم يحققوا أية نتيجة حتى الآن. ويوضح أستاذ القانون الدولي الدكتور أيمن سلامة لرصيف22 أن مطالبة تل أبيب بتعويضات لليهود العرب معقدة للغاية وتتطلب إجراءات قد تستغرق سنوات. ويلفت إلى أنه "قانونياً، نحتاج إلى معرفة هل تم تهجير هؤلاء اليهود قسراً وجبرياً أم ذهبوا طواعية وبإرادتهم؟ وهنا نحتاج إلى بحث خاص بكل دولة على حدة خصوصاً في مصر حيث طلب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من اليهود مغادرة البلاد". ويضيف: "نحتاج أيضاً إلى معرفة مَن صادر ممتلكاتهم الخاصة؟ هل الحكومة صادرتها أم هم تركوها ولمَن تركوها؟ وهل استولى عليها أفراد؟ وهل باعوها لهم؟". ويختم بأن الفصل القانوني في هذه القضية يحتاج إلى ذهاب إسرائيل والدول العربية ليطلبوا معاً من لجنة تحكيم دولية الفصل القضائي فيها، وهو ما يُعرف بالتحكيم الدولي. وبرأيه، "هذا صعب حدوثه، لذا هي قضية سياسية أكثر منها قانونية". لم تطالب إسرائيل رسمياً، وفقا لـ"تايمز أوف اسرائيل"، أبداً بتعويض اليهود الذين أجبروا على الخروج من الأراضي العربية وإيران، كما أن هؤلاء اليهود لم يسعوا للحصول على وضع لاجئ رسمي من المجتمع الدولي في ذلك الوقت، إذ كانت إسرائيل تسعى إلى اجتذاب يهود العالم وإظهار شرعيتها كدولة ذات سيادة، قادرة على رعاية شعبها. ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت دافيد بن غوريون، يريد أن يعود اليهود إلى "وطنهم التاريخي" كلاجئين، وفقاً لمائير كحلون، رئيس المنظمة المركزية لليهود الوافدين من الدول العربية وإيران.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...