شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هذه جارتي التي أشتهيها، يا ترامب!

هذه جارتي التي أشتهيها، يا ترامب!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 15 يناير 201911:19 ص

في كلّ عامٍ ننتقل إلى شقة جديدة، آخذ بنصيحةِ أحد الأصدقاء المهووسين باختيار الشقق والمنازل، بعدمِ الركون لشقّة لأكثر من سنةٍ واحدة، وعدم شرائِها. "الحمّام الحمّام"؛ يكرّر على مسمعي بأنّ الحمام أهمّ تفصيلةٍ تفضح الشقّة أو تحتّم أخذها، ثمّ هناك الجارات. وأكّد: حين تعجبك الشقّة، عليك بأيّ صورة كانت رؤية جاراتكَ. فعن طريقِهنّ ستتّخذ قرارك. لم أعتنِ بالتفصيلة الأخيرة من كلام صديقي؛ وجدتُها بعيدة جدّاً عن واقع تحقِّقها وواقع تأثيرِها. حتى وجدتُ نفسي في مواجهة ما قاله.

ليست هناك إحصائيات دقيقة عن مستوى الشكاوى المقدّمة للمحاكم ومخافر الشرطة في إيران، ضدّ الجيران في الشقق والمجمّعات السكنيّة، ولكن، بصورة عامة تشير الدّراسات إلى أنّ 55 بالمائة من المجتمع الإيراني ليسوا راضين من الحياة في الشقق، بينما 25 منهم معارضين للسكن في الشقق. ويرى محلّلون إيرانيون أعدّوا هذه الإحصائية أنّ المجتمع الإيرانيّ مازال في مرحلة العبور، ولم يصل بعد إلى ثقافة السكن في المجمّعات السكنية والشقق. ومعظم من اتّخذ القرار بالسّكن في الشقق، كان سببه إمّا لأنّها مناسبة اقتصادياً، أو لأنّها أكثر أماناً لعائلتهِ التي تبقى وحيدة طوال ساعات النهار.

وهذه نقطة فنّدتها جارتي جميلة الصوت. بعد سنوات عارضتُ صديقي وقرّرت شراء شقّة أعجبتني. ووقفتُ طويلاً في الحمّام، بينما صاحب البيت كان يشرح كلّ جزءٍ وضعَه بيدِه. كلّ ما أبحث عنه وجدته؛ مدراس قريبة، وسوق قريب، وحديقة مستقبلية جنب العمارة. ها نحن ندخل في العام السابع في عمارة ذات طابقيْن، وأربع شقق. لا أتوقّف عند الأحداث الصغيرة، فعادة ما تكون الأحداث المصاحبة للنّار هي الأكبر. في الساعة الثالثة فجراً انعكس على نافذة شقّتنا المطلّة على الشارع لونٌ برتقاليٌ. فتحتُ النافذةَ لأرى بابَ العمارة يتوهّج. نزلنا وأطفأنا النّار العالقة بالباب الحديديّ الكبير، وقد بات الآن مغطّى بالسخام.

ليست هناك إحصائيات دقيقة عن مستوى الشكاوى المقدّمة للمحاكم ومخافر الشرطة في إيران، ضدّ الجيران في الشقق والمجمّعات السكنيّة، ولكن، بصورة عامة تشير الدّراسات إلى أنّ 55 بالمائة من المجتمع الإيراني ليسوا راضين من الحياة في الشقق، بينما 25 منهم معارضين للسكن في الشقق.
قبل أشهر أحرقتْ ابنتها الكبرى نفسَها، بعد أن علمت بعلاقة زوجها مع فتاةٍ تصغرها. ولأنّها ابنة أمّها ذهبت لصديقةِ زوجها، وبينما كانت الأخيرة تحت رحمة ضربات الزوجة الغاضبة قالت: "أنا مستعدّة أن أغسل كلسوناتك، ولكن لن أترك زوجك". فتوقّفت عن ضربِها، وعادت للبيت وأحرقت نفسَها في الحمّام.
وصل شرطيّ على دراجة نارية بعد ربع ساعة، وسألنا: "من أنتم؟"، فكان عليّ وعلى جيراني أن يعرّفَ كلّ واحد منّا عن نفسه. أنا أوّلهم، وجاري في الطابق العلوي من أصفهان، وجاري في الطابق السفليّ من أكراد "إيلام"، بينما مَن يقابله من الجيران من مدينة "مسجد سليمان". كلّ واحد منّا من مدينةٍ ومن لغة ولهجة. اطمأنّ الشرطيّ أنّ النار أنا السبب فيها. والسبب الوحيد هو أصولي التي انحدر منها ولهجتي. فهمتُ حينها عمقَ فاجعة اللغة التي اختارتْك، وكيف تحيلك بُنيتها إلى متّهم. بعد دقائق تبادلتُ الحديث مع الشرطيّ، فغيّر رأيه كلياً، وأخذني جانباً، وقال: تعرفون كلّكم جيداً المسبّب. وكلّنا كنّا نعرف جيّداً مَن هو المسبّب. العائلة من مسجد سليمان، وكبيرتهم ذات الصوت الجميل. تكرّر حرق الباب فجراً، وعاد الشرطيّ ليذكّرنا بما قاله مضيفاً "قدّموا شكوى ضدّهم، فهم مستأجرون". لا أخفي هنا أنّ كلّ ما كان يحدث أمرٌ ما في العمارة، كانت تتوجّه أصابع اتهام الجيران نحونا، وكان عليّ إبعاد التّهم واحدةً تلو الأخرى. ولكن هذه أفضل فرصة لكي ننتهز فرصة التخلّص من جيران فضوليين، صباحهم شجارات ومساؤهم ضجيج. حرّضتُ الجيران على تقديم شكوى. في المخفر نصحني الضابط ببيع الشقّة والانتقال إلى مكان آخر. بينما جاري الكرديّ قال خائفاً: "دعنا نعطيهم فرصة". في نفس اليوم اتصلتْ زوجةُ جاري الكرديّ، وقالت لزوجتي: "إذا كنتم تريدون تقديم شكوى، فنحن لسنا معكم. لأننا نخاف أن يختطفوا ابني من المدرسة". وبعد أشهر سيحمّلني زوجها عدم استكمال الشكوى والسبب تخاذلي. كلّ المشاكل من ذات الصوت الجميل وبناتها. كانت تعمل حارسة في سجنٍ نسائيّ. شكلها مخيفٌ جدّاً؛ ملامح وجهها غير واضحة، وتنظر لك وكأنّك متّهم. لكنّ صوتها جميل. إنه جميل في مناسبة واحدة فقط: حين تستدين منك، بينما لا تقع من فمِها كلمة "گه" (الخراء) لا نهاراً ولا مساءً. ومازالت قصص النار هي القصص الأكثر حدّة. قبل أشهر أحرقتْ ابنتها الكبرى نفسَها، بعد أن علمت بعلاقة زوجها مع فتاةٍ تصغرها. ولأنّها ابنة أمّها ذهبت لصديقةِ زوجها، وبينما كانت الأخيرة تحت رحمة ضربات الزوجة الغاضبة قالت: "أنا مستعدّة أن أغسل كلسوناتك، ولكن لن أترك زوجك".

فتوقّفت عن ضربِها، وعادت للبيت وأحرقت نفسَها في الحمّام. في الصباح وبينما كنتُ...، سمعتُ طرقات الباب. طرقات عنيفة. من النافذة ذاتها التي رأيتُ من خلالها احتراق الباب، رأيتُ هذه المرة شابّاً يقفز منه. نزلتُ، ووجدتُ الشابَّ معلّقاً بين النزول في داخل الباحة أو الرجوع. لكنّ الطّرقات زادت حدّة. فتحتُ الباب، فإذا بحشدٍ من النّاس تتقدّمهم جارتي التي أشتهيها. ما إن رأتني، حتى قالت: "حيدري، ماتتْ ندى. ماتت ندى". مَن هي ندى، ومَن هؤلاء الناس؟ أخذني رجلٌ ملتحٍ مرتدياً السواد، وقال آمراً: "أخرِج سيّارتك، نريد إقامة مجلس العزاء هنا". أخرجتُ سيّارتي صاغراً ومتفاعلاً مع حزنهم، وموت ابنة جارتي، ندى. ظهراً،

وبينما صوتُ القرآن يُبثّ من سماعاتٍ كبيرة، تعالى صوت أخت ندى وهي ترفس السماعات، وتقول بحالة هستيرية: "لا للقرآن، لا للقرآن". غيّر صديقي المهووس بحمّامات الشقق والجارات رقمَ هاتفه، ولم يعُدْ في متناول اليد، بينما كلّما أظهرت نشرات الأخبار دونالد ترامب، ارتفعت أسعار العقارات عندنا! الله لا يستر عليك يا ترامب؛ رفعتَ أسعار العقارات، وأبقيتَني مع جارتي التي أشتهيها!  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image