رفقة 26 شخصاً من ضحايا الاضطهاد الديني في 17 دولة، لجأت الناشطة العراقية-الأيزيدية ناديا مراد التي تعرضت عام 2014 للاغتصاب على يد أفرادٍ من داعش، إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 19 تموز/ يوليو لمساعدة أبناء شعبها على العودة إلى مناطقهم.
وقالت مراد إنه رغم هزيمة داعش، فإن الأيزيديين لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم حتى الآن بسبب نزاع الحكومتين العراقية والكردية من أجل السيطرة على منطقتهم.
وبصوت مرتجف، بينما كانت واقفة على يمين ترامب وهو وراء مكتبه، أضافت أن الأيزيديين لا يزالون يبحثون عن مكان آمن للعيش فيه، مُطالبة إياه بحثّ الحكومتين العراقية والكردستانية على إنهاء الخلاف، فأجابها بلامبالاة: "ولكن داعش لم يعد موجوداً".
وأوضحت مراد أن الأمر لا علاقة له بداعش الآن، بل بالخطر الذي يحدق بنصف مليون أيزيدي قائلةً: "95 ألف أيزيدي هاجروا إلى ألمانيا بعد عام 2014 عبر طريق خطر لا لرغبتنا في أن نكون لاجئين، بل لعدم وجود مكان آمن صالح للعيش".
"أين عائلتك الآن؟"
ولإيضاح الوضع للرئيس الأمريكي الذي بدا أنه يجهل قصة ناديا وقضية معاناة الأيزيديين، قالت له إن داعش "قتل والدتها وإخوتها الستة"، فأجابها: "أين هم الآن؟"، مثيراً عاصفة من الانتقادات بين روّاد التواصل الاجتماعي.
ردّت عليه ناديا: "لقد ماتوا. قُتلوا. وهم مدفونون في مقابر جماعية في جبل سنجار (شمال العراق). وأنا ما زلت أناضل لأعيش في أمان. من فضلك افعل شيئاً. الأمر ليس متعلقاً بعائلة واحدة"، فأجابها ترامب: "أعرف جيداً المنطقة التي تتحدثين عنها، سأتابع الموضوع".
وُصف لقاؤهما هذا بـ"المستفز"، خاصة بعدما أظهر ترامب "حماسته" فقط حينما قرر الاستفسار عن سبب حصولها على جائزة نوبل للسلام في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. فأجابته: "سبب حصولي على الجائزة؟ لعدم استسلامي بعد كل ما تعرضت إليه. نقلت من خلال قصتي كيف اغتصب داعش الآلاف من النساء الأيزيديات. كنت أول من حكت عن هذه التجربة".
أجابها: "فعلاً؟ قد هربت من داعش؟."، فقالت: "نعم هربت، ولكنني لست حرّة بعد. لم أرَ داعشياً في المحاكم. أين هم الآن؟ هل هم في السجون؟ هل قتلوا جميع الأيزيديين؟".
وتابعت: "ما نعرفه أن هناك 3,000 امرأة وطفل أيزيدي مفقودون، منهم ابن أخي وابنته وزوجته التي اتصلت بنا قبل ثلاث سنوات وأخبرتنا أنها في سوريا، ولا نعرف عن الثلاثة شيئاً إلى الآن".
إلى ترامب…
استفزتنا نحن أيضاً أسئلة ترامب، فقررنا الرد عليه.
أين والدة ناديا؟ وإخوتها الستة؟ ولماذا حصلت على جائزة نوبل؟
بدأت سطوة داعش تظهر في عام 2014، حينما استولى على الموصل ومناطق أخرى، وشن حملة "تطهير" للمنطقة من مجتمعاتها "غير السنية"، بحسب الحركة العالمية لحقوق الإنسان، وفي الثالث من آب/ أغسطس 2014، هاجم منطقة سنجار، مهجراً 130 ألفاً من الإيزيديين صوب المناطق الكردية، وقاتلاً ومحتجزاً الآلاف منهم.
ووصفت الحركة هجوم سنجار بـ"البداية لحملة وحشية للقضاء على الهوية الأيزيدية" وقد انطوت على انتهاكات ارتكبت على نطاق واسع، وإرغام على التحوّل إلى الإسلام، وفصل للعائلات واسترقاق للنساء والأطفال الناجين الذين تم اعتبارهم "غنائم حرب".
ووصفت الحركة كيف تاجر داعش بالنساء والأطفال الأيزيديين الذين فُصلوا بـ"شكل ممنهج" عن الرجال، قائلةً إنه من الوسائل المستخدمة للمتاجرة بهما "مجموعة دردشة مخصصة لإعادة البيع عبر الإنترنت"، واسمها "مول الدولة الإسلامية الأكبر" (تضم 754 عضواً).
ومكنت هذه المجموعة مقاتلي داعش إلى جانب بيع الأسلحة والسيارات وشرائها، من شراء النساء والأطفال وبيعهم مع كر العمر ووصف المظهر.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، عُثر على قبر جماعي محاط بالقنابل، يضم 110 جثث من الإيزيديين في سنجار بعد أيام من استعادتها من داعش، وحينذاك كان القبر الجماعي السادس الذي يعثر عليه في بلدة سنجار أو في محيطها.
وقبل ذلك بأسبوعين، عُثر على قبر جماعي يضم أشلاء نحو 80 امرأة أيزيدية. وقال أحد المسؤولين آنذاك إن أعمار النساء المدفونات في هذا القبر تراوح بين 40 و80 عاماً، ولهذا اعتبرن "غير صالحات" للاستعباد أو الاغتصاب.
ورجّحت الحركة العالمية لحقوق الإنسان في تقريرها الذي نشرته في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 أن يكون داعش قد اختطف نحو 6,800 أيزيدي، 4,300 منهم هربوا أو تم شراؤهم مرة أخرى، ولا يزال هناك 2,500 مفقود.
في سياق متصل، تقول المديرية العامة للشؤون الأيزيدية في وزارة أوقاف إقليم كردستان العراق، بحسب آخر إحصاء لها، إن عدد المخطوفين الإيزيديين بلغ 6,417، نجا منهم 3,425، وعاد عدد منهم إلى العراق بعد سقوط داعش، ولا يزال مصير الباقين مجهولاً.
استفزتنا نحن أيضاً أسئلة ترامب، فقررنا الرد عليه. أين والدة ناديا مراد وإخوتها الستة الذين قتلهم داعش؟
لإيضاح الوضع للرئيس الأمريكي الذي بدا أنه يجهل قصة ناديا مراد، قالت له إن داعش "قتل والدتها وإخوتها الستة"، فأجابها: "أين هم الآن؟"، مثيراً عاصفة من الانتقادات…
عمليات إبادة جماعية
أكد محققون للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان في عام 2016 أن ما كان يجري ضد الأقلية الأيزيدية في العراق وسوريا يندرج في إطار "عمليات إبادة جماعية".
وفي تقرير نشرته لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، بعنوان "جاؤوا ليُدَمِروا: جرائم داعش ضد الأيزيديين"، ورد أن ممارسات داعش ضد الأيزيديين تصل لمستوى جرائم الحرب، لاعتبارهم "كفاراً".
وخلص التقرير الذي اعتمد على مقابلات مع الناجين، إلى أن داعش "يسعى إلى محو الأيزيديين عن طريق القتل، واستعبادهم جنسياً، وتعذيبهم، ومعاملتهم معاملة مهينة ولا إنسانية وكذلك عبر الترحيل القسري الذي تسبب بأضرار نفسية وبدنية"، مشيراً إلى أن مسلحي داعش يحتجزون الأيزيديين في ظروف "تفضي في النهاية إلى الموت البطيء".
ولفت إلى أن داعش قتل الأطفال الذين رفضوا اعتناق الإسلام، ودرّب البقية ليكونوا مقاتلين في صفوفهم بترحيلهم بعد سن السابعة إلى معسكراته في سوريا حيث يتلقون تعليماً وتدريباً عسكريين. وأُبلِغ أحد الأطفال، بحسب التقرير، من قبل قائده الداعشي بأنه "لو رأيت والدك وكان لا يزال أيزيدياً فاِقتله".
وتم بيع آلاف النساء والفتيات (بعضهن لم يكن يتجاوز التاسعة من العمر) في أسواق للعبيد، واحتفظ مقاتلو داعش بهن "في ظروف استعباد وعبودية جنسية وجرى بيعهن مراراً أو إهداؤهن أو تبادلهن بين المقاتلين"، بحسب التقرير.
وأعلن داعش أن الديانة الأيزيدية هي سبب الهجوم على الأيزيديين يوم 3 آب/ أغسطس 2014 وما تبعه من انتهاكات، إذ يصفهم بأنهم "أقلية وثنية" ويقول "إن بقاءهم أمر يجب أن يكون موضع تساؤل من قبل المسلمين"، مضيفاً أنه "يمكن استعباد نسائهم واعتبارهن غنائم حرب".
ولهذا نالت جائزة نوبل...
ومن ضحايا داعش، ناديا مراد، التي اختُطفت، واغتصبت، وعُذّبت، وقُتل إخوتها الستة ووالدتها.
تحوّلت ناديا إلى واحدة من ضحايا الاسترقاق الجنسي قبل أن تتمكن من الهروب والبوح بما عاشته دفاعاً عن كرامة ضحايا الإتجار بالبشر، خاصة ما يتعرض له الإيزيديون، معتبرةً إن سرد قصتها "أفضل سلاحٍ ضد الإرهاب".
وروت أول اعتداء شهدته، يوم 20 آب/ أغسطس 2014 قائلةً: "جردني (داعشي) من ملابسي وجرني على الأرض وتعامل معي بشكل رخيص. طلب مني أن أخلع آخر قطعة بقيت على جسدي. أخبرته أنني في مرحلة الدورة الشهرية وبكيت وأنا أترجاه أن لا يؤذيني. ضحك بصوت عالٍ، وقال هذا ما قاله غيرك أيضاً. أنت تكذبين. حتى تأكد بنفسه، ثم رماني بقوة".
وتابعت: "أوّل مرة كنت سعيدة بتلك الدورة، لكن الدورة التي أتتني خوفاً مثلما حصل للكثيرات حولي، لم تنقذني. ففي اليوم التالي تم اغتصابي".
وقالت ناديا إن صورة والدتها كانت "رفيقتها عندما كان يغتصبها الواحد تلو الآخر"، مضيفة: "كنت أخاف أن أفتح عيني وأرى ما يفعلونه بي، كانت أصواتهم أشد تعذيباً". (لقراءة المزيد من التفاصيل: 24 ساعة في قبضة الدولة الإسلامية)
واستطاعت ناديا الهرب من قبضة داعش بمساعدة عائلة موصلية، أوصلتها إلى كردستان العراق، لكن "فرحتها لم تكتمل"، إذ تلقت آنذاك نبأ مقتل والدتها، وبقاء 18 شخصاً من عائلتها تحت سيطرة داعش.
ومُنحت ناديا جائزة نوبل للسلام في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وجائزة سخاروف، التي هي أرقى جائزة أوروبية في مجال حقوق الإنسان في تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
وعينتها الأمم المتحدة، في أيلول/ سبتمبر 2016 سفيرة للنوايا الحسنة، وقالت المنظمة الأممية إن تعيينها هو "الأول من نوعه لواحدة من الناجيات من تلك الفظائع" التي شهدها العراق. وتعيش ناديا حالياً في ألمانيا بعدما تزوجت في آب/ أغسطس 2018 من عابد شمدين وهو ناشط أيزيدي أيضاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين