بداية العام الجديد لم تكُن سارّة بالنسبة لشفيق(34 سنة). في الساعات الأولى من يناير 2019، انقلبت حياته رأساً على عقب، وذلك بعد اعتقاله من طرف رجال الشرطة بسبب حادثة سير في مدينة مراكش المغربيّة، وهو يرتدي ملابس نسائية ويضع شعراً مستعاراً ومساحيق تجميل. اعتقال شفيق تحوّل إلى "حدث وطني" تناقلتهُ وسائل الإعلام المغربية بشكل كبير، بعدما جرى توثيقه بالصوت والصورة في فيديو تجاوز مليونين ونصف مليون مشاهدة ويظهر فيه شفيق بفُستان أزرق؛ يحيط به رجال الشرطة وجمهور غفير من الأشخاص الذين شرعوا في تصويره وتوجيه العبارات المُسيئة إليه. الجانب الكارثي من الحادثة، والذي "دمّر" حياة شفيق كُلياً كما يقول في حديثه مع رصيف22، حصل حين تمّ تسريب بطاقته التعريفية من داخل مخفر الشرطة، وفيها صورته واسمه الكامل ومكان سكنه؛ لِتنتشِرَ كالنار في الهشيم على موقع "فيسبوك". "لما عُرِفت هويّتي وانتشرت بطاقتي الوطنية، توقفت حياتي"، يقول شفيق منكسراً وهو يروي قصته.
بداية سنة... نهاية حياة
سيبقى مطلع العام الجديد عالقاً في ذهن شفيق إلى الأبد، لأنه شكّل نقطة تحوّل حاسمة في حياته. "لم أعُد أنتظر سوى اليوم الذي أغادر فيه المغرب إلى الأبد، لأن حياتي هنا أصبحت مستحيلة. لقد فقدت طعم الحياة في المغرب، فالكل أصبح يعرفني في الشارع، وحياتي صارت مهدّدة. توقّف كلّ شيء بالنسبة لي"، بهذه العبارات يحكي شفيق عن وضعه الحالي بعد واقعة ليلة رأس السنة. بدأ شفيق الآن في ترتيب طلب اللجوء الإنساني للاستقرار في دولة أجنبية لا تُجرّم المثلية الجنسية، وكشف في حديثه مع الموقع أنه على اتصال بشخصيات حقوقية ستقف إلى جانبه لكي يحصل على اللجوء في أقرب وقت ممكن.مسؤوليّة الشرطة و"المحاسبة المنقوصة"
يؤكّد شفيق في شهادته أن ما تعرّض له سببه بالدرجة الأولى الطريقة التي تعامل بها رجال الشرطة معه لحظة اعتقاله كما يظهر في شريط الفيديو. ويشرح:"عِوض أن يقودوني مباشرة إلى سيارة الشرطة، عمدوا إلى الطواف بي لالتقاط صوري بكاميرات الصحافة وهواتف المارة". النقطة التي أفاضت الكأس، تمثّلت في تسريب وثائقه الشخصية من طرف أحد رجال الشرطة الذي قام بتصويرها بواسطة هاتفه المحمول؛ ما جعل الإدارة العامة للأمن الوطني - برئاسة عبد اللطيف الحموشي - تدخل على الخط وتفتح تحقيقاً للكشف عن ملابسات تسريب بطاقته الوطنية والمهنية. وقد أسفر التحقيق عن معاقبة أربع مسؤولين أمنيين بعقوبات توزّعت بين التوقيف المؤقت عن العمل، التوبيخ والإنذار.انقلبت حياة شفيق في مدينة مراكش رأساً على عقب، بعد اعتقاله بسبب حادثة سير وهو يرتدي ملابس نسائية..."الكارثة" بالنسبة له كانت تسريب بطاقته من داخل مخفر الشرطة وفيها اسمه الكامل ومكان سكنه
تحقيق ومعاقبة أربعة أمنيين في قضية التشهير بشفيق في مراكش... إجراءات بقيت منقوصة بالنسبة لمتابعين للقضيّة، في ظلّ غياب الاعتذار العلني من الضحيّة والتعويض عليه"أعجبني القرار الذي اتخذه الحموشي بعد تسريب المعطيات الخاصة بي، هذه بادرة حسنة، لكن لا يجب أنْ يتم فقط توقيف الشرطي الذي قام بتسريب وثائقي، بل يجب أن تتم محاسبته بشدة"، يقول شفيق تعليقاً على القرار الذي أعلنت عنه إدارة الأمن في بلاغ رسمي؛ فيما يُنتظرُ أنْ يَمثُل اليوم أمام وكيل الملك في مدينة مراكش في إطار شكوى تَقدّم بها ضد المسؤول الأمني الذي قام بتسريب بطاقته الشخصية. وعلى الصعيد السياسي، وجّهت النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي، المُشارك في الحكومة، رحاب حنان، سؤالاً إلى وزير الداخلية لمعرفة "الإجراءات التي تعتزم وزارة الداخلية اتخاذها بخصوص مثل هذه الوقائع، ولمنع تكرارها في المستقبل". بدورها أصدرت جمعية "أقليّات"، المناهضة للتجريم والتمييز ضد الأقليات الجنسية والدينية، بلاغاً دانت فيه بشِدّة تعرّض شفيق للتشهير من خلال الطواف به أمام الملأ من طرف رجال الشرطة، كما تواصلت مع إدارة موقع "فيسبوك" لحجب المنشورات التي نشرتها عدّة صفحات عمدت إلى التشهير بالضحية. هذا ما أكده متحدث باسم "أقليات"، في اتصال مع رصيف22 رفض فيه الإفصاح عن هويته خوفاً على سلامته، معتبراً أنّ القرارات التأديبيّة الصادرة عن إدارة الأمن في حق موظفيها الأربعة خطوة إيجابية، غير أنها تبقى "ناقصة" لأنها لم تُرافَق باعتذار رسمي للضحية، ولم تجبر الضرر الذي لحق به على المستويين المادي والمعنوي.
ماذا بعد؟
بعد مرور أسبوع كامل على الواقعة، تغيّرت حياة شفيق بشكل جذري: "لم أعد أخرج بشكل عادي كما كنت أفعل في السابق، ونفسيتي متدهورة بشكل كبير لدرجة أنني لم أقوَ على مشاهدة شريط الفيديو الذي يوثّق لحظة اعتقالي وتعرّضي للتشهير. لا، لم أقوَ على ذلك". أما على مستوى العائلة، لا يُنكر شفيق أن ما حصل معه شكّل صدمة كبيرة لأسرته. يقول: "كان هناك اتصال بيني وبين أفراد عائلتي، هم كذلك تأثّروا كثيراً بما حصل لي. لقد تسبّب ذلك في حدوث شرخ كبير داخل الأسرة... ما تعرّضت له لم يسبق أن حصل حتى مع المجرمين". ويُواجه مثليو الجنس والعابرون جنسياً صعوبات وتحديّات كثيرة في المغرب، خصوصاً وأن القانون الجنائي في فصله الـ489 يُجرِّم كل"عمل بذيء أو غير طبيعي مع شخص من نفس الجنس..."، ويُعاقب على ذلك بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وفي يونيو 2015، كان قد تعرّض شاب مثلي لاعتداء وحشي في الشارع العام في مدينة فاس، بعدما قامت مجموعة من الناس بإخراجه من سيارة أجرة كان يستقلّها، لينهالوا عليه بالضرب المبرح موثّقين ذلك بالصوت والصورة، الأمر الذي أثار جدلاً حقوقياً غير مسبوق في المملكة حول الأقليّات الجنسية والمخاطر التي تتعرّض لها في المجتمع المغربي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...