شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ذاكرة الجدّات...أقدم مدوّنة مستمرّة: عراقية تدوّن يومياتها منذ عام 1950

ذاكرة الجدّات...أقدم مدوّنة مستمرّة: عراقية تدوّن يومياتها منذ عام 1950

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 30 ديسمبر 201805:20 م

"وجدنا كنزاً في بيت جدّتنا" هكذا وصف الشاب العراقي أحمد الراوي لرصيف22 ما اكتشفته شقيقته قبل أيام قليلة حين كانت في زيارة لمنزل جدّتهما سعاد في العاصمة العراقية بغداد، متحدثاً لموقعنا عن رهبة اللحظة التي عثروا فيها على عشرات الدفاتر الملونة التي خطّت فيها جدتهما يومياتها بشكل منتظم منذ عام 1950، واحتفظت بها في مكان خاصّ ببيتها. 68 عاماً بلا انقطاع والجدة تدوّن ما تعيشه وما يحدث في بلادها، من الملكية إلى إعلان الجمهورية، من سقوط بغداد وما تلاه، ما يجعل اكتشاف تلك الورقات الصفراء مثابة التأريخ الاستثنائي والثمين لسبعة عقود من عمر أُسرة عراقية على مر الأجيال وعمر بلادها.

يحكي الراوي: "وجدنا عشرات المفكّرات التي كتبت فيها جدّتنا مذكراتها عن أحداث عديدة في العراق منذ الخمسينيات وحتى اليوم، بخطها الجميل المنمّق، عرضت في مذكّراتها التفاصيل بأسلوبٍ أدبي بسيط وشيّق في الوقت نفسه".

يوم 29 ديسمبر الجاري أعلن الراوي عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أن شقيقته حين ذهبت إلى منزل الجدّة في بغداد وجدت كنزاً يتمثل في توثيق أكثر من 60 عاماً في يوميّاتها التي دأبت على كتابتها منذ العام 1950 وحتى اليوم، واصفاً ما وجدته شقيقته بأنه "الذهبُ بعينه".

ونشر الراوي مع التغريدة صوراً لبعض المفكّرات ظهرت مرتبة حسب الأعوام، وعلى غلاف كل مفكّرة العام الذي تعبّر عنه بدقّةٍ شديدةٍ، ما جعل الكثير من المستخدمين على الإنترنت يتفاعلون مع منشوره، ويعتبرون ما وجدته شقية أحمد في منزل الجدة سعاد كفيلاً بأن يجعلها تدخل موسوعة غينيس، باعتبارها أكثر إنسان داوم على كتابة يومياته بشكل يومي منتظم طيلة سبعة عقود.

يقول الراوي رغم زيارتهم منزل جدتهم طيلة سنوات لم يعلموا أن لديها هذا الكمّ من المفكّرات التي توثّق كلّ فترات العراق بطريقةٍ دقيقةٍ ومنظّمةٍ، معتبراً أن جدته قامت بدورٍ غير مباشر في أن تكون ذاكرةً حيّةً للعراق من خلال كتابة يومياتها التي نقلت عبر الزمن طبيعة الحياة في العراق.

عثر الأحفاد على 62 مفكّرة، عدد صفحات كل واحدة منها بعدد أيام السنة، كاشفاً أن أوّل مذكّرة منها كانت الجدة حينها في مرحلة الطفولة تقريباً، وبدأت توثّق الأحداث التي تمرّ بها هي وعائلتها، وتكتب أيضاً عن العراق كبلدٍ يعيش تغييرات عميقة هي الشاهدة التي نقلت بالتفصيل ما كان يحدث يوماً بيوم.

موقع منزل الجدّة في قلب بغداد كان مصادفة جيّدة من وجهة نظر الراوي، جعلها تعيش في قلب العاصمة وتشهد بنفسها كلَّ التفاصيل المهمّة التي مرّ بها العراق، لتوثّق مختلف الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة من وجهة نظرها.

وغرّد الراوي بصورةٍ لمفكّرات جدّته مع جملة "هذا هو موقع تويتر القرن العشرين".

كما نشرَ مقطعَ فيديو قصير يُظهر المكان الذي وُجدت فيه المفكّرات في منزل جدّته.

مصير المذكرات…كتاب؟ أم فيلم؟

حتى الآن لم تقرّر أسرة أحمد ما ستفعله بالمفكرات التي دونت فيها الجدّة يومياتها، لكنه يقول إنه يخطّط لقراءة كل المفكّرات بتركيزٍ شديدٍ، وربما في وقت لاحق يقوم بتلخيص كلّ الأحداث التي جاءت فيها، بهدف وضعها في كتابٍ يقوم بكتابته عن جدّته.

يضيف الراوي أن "المذكّرات فيها أحداث حياة جدّتي وعائلتها، كلّ صفحة من المذكّرات تعبّر عن يومٍ من أيام العراق، وأبرز ما حدث فيه من أحداث في مختلف المجالات".

"وجدنا كنزاً في بيت جدّتنا" هكذا وصف الشاب العراقي أحمد الراوي لرصيف22 ما اكتشفته شقيقته قبل أيام قليلة حين وقعت على دفاتر جدتهما التي دونت فيها منذ عام 1950 يومياتها.

يحكي الراوي أن عائلة الجدّة مرّت بأوقاتٍ مثيرةٍ للاهتمام، مثل ازدهار اقتصاد العراق في الستينيات والسبعينيات، ثمّ الحروب التي خاضها العراق ومنها حرب إيران وحرب الكويت، إضافةً إلى الحظر الاقتصادي وغيرها من التفاصيل التي عبّرت عنها الجدة سعاد بأسلوبها الذي تطور على مدار الزمن. على صفحة من دفتر وردي الغلاف كتبت سعاد بقلم رصاص “ صباحا الساعة الخامسة إلا ربعاً ولدت منال ابنتي الثالثة وكانت معي زكية…”.

إعلان أحمد، لم يمر مرور الكرام، بل أحدث ضجة جميلة في تويتر وتفاعلاً من المغردين العرب والأجانب، الذين يحركهم الفضول (مثلنا) لنقرأ تفاصيل حياة السيدة سعاد، العابرة للزمن والمكان. بعض المستخدمين عبروا عن سعادتهم بمفكّرات الجدّة، وكتب مغرد أنه يتمنّى أن يقوم شخص ما بمجهودٍ في تحويل المفكّرات إلى دراسة، لأنها أقرب لسجلٍّ يوثّق لعصورٍ من تاريخ العراق المعاصر، بداية من العصر الملكي ثم الإطاحة بالحكم الملكي وقيام الجمهورية عام 1958 وحكم الربيعي وعارف والبزاز وعارف وبكر فوصول صدام حسين إلى الحكم ثم سقوط بغداد حتى الوقت الحاضر.

لم يكن في عهد الجدّة مواقع تدوين ألكترونية مثل بلوغ سبوت أو وورد بريس، ولا حتى موقع تويتر، لكنها قرّرت أن تتعامل مع المفكّرات باعتبارها مدوَّنتها الخاصّة لم تفوّت حدثاً في حياتها دون أن توثقه في صفحاتها، وكأنها تعلم أن مفكّراتها ستصبح يوماً ما الإرث الحقيقي الذي تتركه لأحفادها ليتحدثوا به للعالم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image