شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
صلاح ودبّور: حدود

صلاح ودبّور: حدود "خصوصيّة" الفلسطيني حامل جواز السفر الإسرائيلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 30 ديسمبر 201804:01 م
بغض النظر إن كان تهديد اللاعب المصريّ محمد صلاح، بترك فريقه بحال ضم مؤنس دبّور، اللاعب الفلسطيني في المُنتخب الإسرائيلي لكرة القدم، حقيقة أم إشاعة، فإنه فتح الباب لنقاش فلسطيني جذري، يتعدّى كرة القدم والملاعب ودبّور وصلاح. ونقل النقاش، من نقاش داخل حدود ملعب كرة القدم، إلى نقاش حول حدود "خصوصيّة" الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، ومواقفه من هذه الخصوصيّة وإلى أي حد تتسّع دائرة الخصوصيّة. ومن هذا المنطق، سأناقش في هذا المقال "خصوصيّة" الفلسطيني الذي يحمل جواز السفر الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة، وليس الخبر أو الإشاعة ومدى دقّتها، ولا شخوص دبّور أو صلاح. فالقضيّة باتت أبعد من دبّور وصلاح، وهي بالأساس قضيّة ما يمثّله كُل منهما في السياق السياسي - الاجتماعي الأوسع من كونه لاعب كرة قدم. وفي الحقيقة، فإنّه لو بدّلنا جميع الشخصيّات بأخرى، كاستبدال دبّور بسائق سيّارات سريعة، أو لاعب شطرنج، مُقابل الآخر في العالم العربيّ، لما تغيّرت القضيّة الجوهريّة والأساسيّة: سيبقى النقاش قائمًا على أساس الحدّ الذي يستطيع العربي أو الفلسطيني فيه، التعامل مع الفلسطيني حامل جواز السفر الإسرائيلي، دون أن يدفع ثمن سياسي أكبر من الشخص والموهبة. وبكلمات أخرى: متى يغدو المليون ونصف فلسطيني داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ضررًا بالقضيّة العامّة؟ التي تخص أكثر من 350 مليون عربي؟

الفلسطيني في الداخل: بين القانوني والقومي

تنبع "خصوصيّة" الفلسطيني في الأراضي المُحتلة عام 1948 من حقيقة التصنيف القانوني الذي منحته إيّاه الدولة اليهوديّة بعد تأسيسها قانونيًا، في العام 1948. هنا تحديدًا، بدأت قصّة "الخصوصيّة". وهنا تحديدًا وُلد الفلسطيني داخل أراضيّ 48 كما وُلد اللاجئ الفلسطينيّ في العالم العربي، والضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. كُل منهم، بخصوصيّته التي رُسمت وتأسّست في ذات اللحظة. ومن هذا المنطق، فإن إنكار الفلسطيني في الداخل بسبب جواز سفره، أو "مواطنته" المنقوصة، يندرج تحت بند العمى السياسي، أو فقدان الإدراك السياسي والتاريخي للحالة الفلسطينيّة الناتجة عن النكبة، ككُل، وليس فقط عدم إدراك تاريخ الفلسطيني في الداخل، بل عدم إدراك لجميع إفرازات النكبة الفلسطينيّة. ومن هذا المنطق، فإن الخصوصيّة النابعة من حقيقة وجود جواز السفر الإسرائيلي، شرعيّة وطبيعيّة كقيمة قانونيّة. أمّا كُل ما هو خارج هذه القيمة، من اندفاع ومشاركة في الفلك الإسرائيلي الثقافي أو الرياضي أو حتّى البحثي الأكاديمي والفنّي، فإنّ قابليّته للنقاش والنقد على طريق تحديد هذه الخصوصيّة وتشخيص مكامن الضعف والقوّة فيها مطلوبة وضروريّة. وعلى الرغم من أن هذا النقاش، حول "خصوصيّة" الداخل لا يزال بعيد كُل البعد عن مستويات اتخاذ القرار الفلسطيني، إلّا أن هذا النقاش مهم كجزء من النقاش الفلسطيني العام، حول إعادة بناء الحالة السياسيّة الفلسطينيّة بعد ما انهارت وتفتّت على صخور "أوسلو". ومن هذا الباب، وجب الخوض في الموضوع، وليس في الدفاع عن الذات وتبرير كُل شيء، كُل شيء، على أنّه ناتج "الجواز" الإسرائيليّ، كما فعل المحامي جواد بولس مثلًا في رسالة وجهها إلى محمد صلاح، يحاول فيها بجهد كبير، تناول خصوصيّة الداخل على أنّها "جواز سفر" و"مواطنة منقوصة". دون أن يتطرّق بولس نهائيًا، إلى حقيقة أن جواز السفر، لا يفرض عليك المُشاركة الفعليّة لا في منتخب كرة قدم، ولا بإشعال شعلة استقلال دولة إسرائيل، ولا المشاركة في فيلم أو جائزة إسرائيليّة ثقافيّة تعزّز من رواية التعدّدية الثقافيّة في "دولة اليهود".
ما دخل جواز السفر، باللعب للمنتخب الإسرائيلي والسعي لفوزه؟
يعيش الفلسطيني في الداخل ثنائيّة صعبة لا يُحسد عليها: قوميًا هو عروبي فلسطيني ومن هناك يستمد اللغة والثقافة والتاريخ؛ أمّا قانونيًا فإنه يعيش ويتحرّك في فلك القانون الإسرائيلي بكُل ما يحويه من حقوق وواجبات كالضريبة والمُحافظة على القانون. كلا الطرفين، الذين يشكّلان الظرف الموضوعي والذاتي للفلسطيني في الداخل يتصارعان في صراع وجودي صفري: أي انتصار صهيوني في أي مجال كان، يُقابله خسارة فلسطينيّة في موقع ما، حتّى لو كان ذلك بطريقة غير مُباشرة. فعلى سبيل المثال، يشكّل انتشار الرياضة الإسرائيليّة في العالم، أداة لتطبيع إسرائيل كدولة طبيعيّة فيها رياضة وحياة طبيعيّة ومواهب تفوق موهبتها العسكريّة كأداة ومنظومة قمع للفلسطيني، وبالتالي تطبيعها من خلال الرياضة كما حصل أخيرًا في الإمارات مثلًا. وفي مثل هذه الحالات تحديدًا، حيث يصطدم حرفيًا البعدان المشكّلان لحالة الفلسطيني في الأراضي المُحتلة عام 1948، بعده القومي العروبي الفلسطيني والآخر القانوني الإسرائيلي، يتوجّب عليه أخذ موقف من كلا الطرفين والاصطفاف في أحد الأقطاب مع تقليل الآخر إلى حد الضروري الذي يكاد ينعدم: إعادة البعد الإسرائيلي القانوني إلى مربّعه الأوّل كقيمة قانونيّة يُمارسها خلال السفر أو الخدمات المدنيّة فقط؛ أو تقليل البعد القومي إلى أدنى المستويات حيث يغدو مجرّد ممارسة لغة عربيّة دون أي بعد سياسي. وهذا ما حصل حرفيًا في قضيّة دبّور- صلاح: على دبّور أن يحلّ أزمته الداخليّة ويختار بين شقّين يشكّلان وجوده كمجتمع وليس كشخص. أمّا صلاح، فإنه يخوض صراعه مع إسرائيل، بغض النظر عن تعقيدات دبّور الداخليّة التي يتوجّب على صلاح فهمها، إن كانت فقط جوازًا إسرائيليًا دون أي مشاركة أخرى في الفلك العام للنظام الاستعماري الصهيوني. وليس فراغًا، أن أي فلسطيني من الداخل، سيواجه ذات الأزمة مع وصوله إلى العالميّة حيث يلتقيّ طرفا الصراع العربي الصهيوني في معارك أقل مباشرة وأقل عسكريّة، وهي أكثر تطبيعيّة ثقافيّة عامّة لا صلة لها بالصراع العسكري، بل هي قضايا صراع أكثر عمقًا، وأقل ظاهرًا.
بغض النظر إن كان تهديد اللاعب المصري محمد صلاح، بترك فريقه بحال ضم مؤنس دبّور، اللاعب الفلسطيني في المُنتخب الإسرائيلي لكرة القدم، حقيقة أم إشاعة، فإنه فتح الباب لنقاش فلسطيني جذري، يتعدّى كرة القدم والملاعب ودبّور وصلاح.
سيبقى النقاش قائمًا على أساس الحدّ الذي يستطيع العربي أو الفلسطيني فيه، التعامل مع الفلسطيني حامل جواز السفر الإسرائيلي، دون أن يدفع ثمن سياسي أكبر من الشخص والموهبة.
إنكار الفلسطيني في الداخل بسبب جواز سفره، أو "مواطنته" المنقوصة، يندرج تحت بند العمى السياسي، أو فقدان الإدراك السياسي والتاريخي للحالة الفلسطينيّة الناتجة عن النكبة، ككُل.
على دبّور أن يحلّ أزمته الداخليّة ويختار بين شقّين يشكّلان وجوده كمجتمع وليس كشخص. أمّا صلاح، فإنه يخوض صراعه مع إسرائيل، بغض النظر عن تعقيدات دبّور الداخليّة التي يتوجّب على صلاح فهمها.

انفجار آخر: الموقف والصمت

كما ذكرت سابقًا، السبب هو موقع دبّور الإشكّالي. أمّا موقف محمد صلاح من دبّور فإنّه مشرّف: أرفض اللعب مع لاعب المنتخب الإسرائيلي. هذا موقف بسيط، واضح، خالي من التعقيدات ومُباشر. الكرة الآن حرفيًا في ملعب مؤنس دبّور، وهذا عادل جدًا. فالأزمة هي أزمة دبّور ولا يتوجّب على محمد صلاح حلّها بتنازله عن مبدأ يمثّل ما يُعادل 300 مليون عربيّ، ونطمح لتعميمه دوليًا أيضًا، بل على دبّور حلها بحل تناقضه المركزي. أمّا كُل ما يُكتب ويتم تداوله من رسائل وشتائم لصلاح من قبل الـ1.5 مليون فلسطيني في الداخل، فإنها لا تساوي في الحقيقة إلّا مبرّرات للاستمرار هذا التناقض والاستفادة من كلا الحالتين اللتين تشكّلان التناقض، وتفهّمه، دون تقديم أي تنازلات بذريعة "الجواز" و"الخصوصيّة". فما دخل جواز السفر، باللعب للمنتخب الإسرائيلي والسعي لفوزه؟ هذا لا علاقة له كليًا بالخصوصيّة. هذا إن أردنا تسميّته الحقيقيّة فإنه مجرّد تطوّع لإثبات الانتماء إلى دولة إسرائيل العنصريّة الاستعماريّة التي لا تزال حتّى يومنا هذا، تخوض حربًا مع الوجود الفلسطيني، إن كان داخل الأراضيّ المحتلة عام 1948 حيث الاستهداف الرمزيّ للهوية والوجود والتعبير والمُمارسة، وإن كان في العالم العربيّ عمومًا وفلسطين خصوصًا. فإسرائيل، مشروع غير منهي، مشروع لا يزال للمرّة الألف قيد الإنشاء ويحتاج إلى التطبيع كحاجته إلى سلب الأرض. وهنا لا بد من القول، أن رفض محمد صلاح للعب برفقة لاعب المنتخب الإسرائيلي هو موقف مهم لتعزيز حركة مقاطعة إسرائيل في العالم- أي أنه موقف مساند للقضيّة الفلسطينيّة العامّة الساعية إلى تجريم التطبيع مع إسرائيل، أخلاقيًا وسياسيًا وقانونيًا. صمت مؤنس دبّور في هذه الحالة لا يزال هو المسيطر، والأصوات التي تطالب محمد صلاح بالتراجع لا تزال هي الأصوات المسيطرة التي تُطالب حرفيًا، بتفهّم وجود مؤنس داخل المنتخب الإسرائيلي بذريعة الولادة الفلسطينيّة- العربيّة. وهذا لا يزال غير كافٍ، فولادة دبّور الفلسطينيّة لا تعوّض أبدًا عدم ممارسته لحقيقة كونه فلسطينيًا. فجوهر القوميّة الفلسطينيّة هو رفض استعمار فلسطين، ومُقاومته من قبل كُل فلسطيني في موقعه ومكانه وساحته وموهبته؛ إن كانت الرسم أو الغناء أو الرياضة وحتّى الكتابة، وعلى دبّور هذه المرّة، بما أنّه بات في مركز الملعب وباتت العيون تتجه إليه، أن يحسم موقفه: إمّا أن يستمر في المنتخب الإسرائيلي، ويُعامل كإسرائيلي كليًا ثقافيًا وقانونيًا ورياضيًا، وإمّا يحمل ذاته إلى مستوى قوميته، ويعتزل اللعب التطوّعي مع منتخب إسرائيل بكُل ما يحويه من رموز العنصريّة: العلم، النشيد الوطنيّ، واللعب بهدف الفوز القوميّ. هنا، على دبّور أن يختار التوقّف عن كونه مُشاهد للصراع الصهيوني العربي، وأن يتحوّل إلى لاعب، فهذا ثمن الوصول إلى العالميّة والخُروج إلى العالم غير المطلوب منه تفهّم أي شيء، إضافي، عن حقيقة كونه يحمل الجواز الإسرائيلي ويسافر من خلاله. وهذا ما قام به العديد من أصحاب المواهب حملة الجواز الإسرائيلي: قاطعوا الفلك الإسرائيلي، وخرجوا إلى العالم كفلسطينيين يحملون جواز سفر إسرائيليّ، وفقط.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard