نعرف الكثير عن أدباء المقاومة الفلسطينيين، نقرأ لهم، عنهم، نبحر في ما كتبوا أو قالوا، وإن حدث وكانوا من نفس مدينتنا أو قريتنا، فإننا نفخر بهم أكثر.
عكّا مدينتي، هي بلد الأديب الفلسطيني غسّان كنفاني، عاش فيها وزارها في أيام العطل المدرسية، حيث درس في يافا. وفي سن الثانية عشرة عاش النكبة الفلسطينية، البؤس والتشريد واللجوء، فتعلّق بوطنه أكثر، وتجسّد هذا في كتابته عن حقبة هامّة من تاريخ شعبه، عن النضال والكفاح والمقاومة والثورة، كتب عن حياة الفلسطيني اليومية وقضايا ما زالت معاصرة ونعيشها حتى اليوم. عُرّف العالم بقلمه ولسانه عن ماهية وقضية فلسطين، عن المُحتل والذين يعيشون في ظلّ الاحتلال.
كان اسم كنفاني حاضرًا دائمًا في عكّا، موطنه. أُطلق اسمه على منتديات شبابية، صالونات أدبية، وبشكل رسمي على مواقع في البلد. فأصبح عندنا مثلًا دوّار (ميدان) "غسان كنفاني" بدلًا من دوّار "المدفع". إنجازات صغيرة تُثبّت فينا الهوية الوطنية، وتزرعها في كل جيل جديد. وقبل شهرين، أعلنت اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وعائلة الأديب الشهيد عن وضع نصب تذكاري في عكّا وفاءً له وتخليدًا لذكراه وسط احتفال حضره العشرات. مبادرة ثقافية سياسية مهمّة، لا نختلف عليها، ولكن التطبيق أثار جدلًا واسعًا في المجتمع العكّي لسببين، الأوّل عدم الترويج الموسّع عن هذه المبادرة أو وصول الدعوات لأهل البلد، مما أدى الى مشاركتهم بشكل خفيف في مثل هذا الحدث. وثانيًا بسبب الموقع الجغرافي الذي وُضع فيه النصب التذكاري. فكيف تكون مقبرة إسلامية، بمُلكية الوقف الإسلامي، المكان الأنسب، بالنسبة للجنة التي أقرّت الموقع، للنصب التذكاري لغسّان كنفاني؟ بأن يتم حصره في مكان له تبعيّة دينية، ولا يمّر به أهل البلد يوميًا أو الزوّار والسيّاح، إلّا في حالات نادرة.
مرّ شهرين منذ ذلك اليوم، لنصحو على هجمة سياسية إعلامية وضغوط عدّة تقودها وزيرة الثقافة الإسرائيليّة ميري ريجيف، ووزير الداخليّة الإسرائيليّة، آرييه درعي. طالب الوزيران عائلة الشهيد بإزالة هذا النصب كونه يمثّل شخصية "إرهابية"، بإدعائهما، كونه كان منتميًا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة المعرّفة كمُعادية للدولة، دولتهما. إنّ النصب التذكاري، الحجر، أخافهما. نصب غسّان كنفاني يشكّل خطراً على إسرائيل.
خضع الوقف الإسلامي وعائلة الشهيد لمخاوف الوزيرين دون التوجه للمسار القضائي، وقررا نقل النصب من مكان ملكية عامة، وإن كان مقبرة، إلى حديقة ذات ملكية خاصة تعود للعائلة. سرعة الرضوخ للتخويف والتهديد، والتعامل مع كنفاني كملكية خاصة أثارا الاستغراب والجدل مرة أخرى في المجتمع العكّي. بالمقابل، لم نكن كعكيّين لنسكت عما حدث، برغم قلة ما يمكن فعله بمواجهة الوزارة والحكومة. انطلقت حملة هاشتاج #غسان_كنفاني_باقٍ_في_عكا في الفيسبوك، وكانت ضجة إعلامية "قرعت جدران الفيسبوك"، تمت من خلالها مشاركة كتابات غسان عن عكًا، أقوال وشعارات كان قد قالها، كتبه، تسجيلاته، صوره، رأي الأدباء فيه، وآرائنا التي نعبّر فيها عن هويّة عربيّة، وانتماء ووطنيّة مزروعة فينا مع وبدون توجيهات وزارية، وعن فخرنا بالثقافة والأدب الفلسطينيين، وبشكل خاص أدب المقاومة.
في خارج صفحات التواصل الالكترونية، تم الإعلان عن وقفات احتجاجية في نهاية هذا الأسبوع، وعن حلقات نقاش وأمسيات ثقافية "كنفانية"، مثبتين بذلك اننا هنا لا نخاف، مستمرين بنهجنا الثقافي السياسي منذ 70 عامًا. نشاطات تحمل مقولة أن اغتيال غسّان كنفاني، لم يكن ليصم العقول، فحتى بعد مرور 46 عامًا على اغتياله، ما زال تأثير فكره وقلمه حيًا معنا.
كتب غسّان كنفاني عن حياة الفلسطيني اليومية وقضايا ما زالت معاصرة ونعيشها حتى اليوم. عُرّف العالم بقلمه ولسانه عن ماهية وقضية فلسطين، عن المُحتل والذين يعيشون في ظلّ الاحتلال.
فكيف تكون مقبرة إسلامية، بمُلكية الوقف الإسلامي، المكان الأنسب، بالنسبة للجنة التي أقرّت الموقع، للنصب التذكاري لغسّان كنفاني؟ بأن يتم حصره في مكان له تبعيّة دينية، ولا يمّر به أهل البلد يوميًا أو الزوّار والسيّاح، إلّا في حالات نادرة.
مرّ شهرين منذ ذلك اليوم، لنصحو على هجمة سياسية إعلامية وضغوط عدّة تقودها وزيرة الثقافة الإسرائيليّة ميري ريجيف، ووزير الداخليّة الإسرائيليّة، آرييه درعي. طالب الوزيران عائلة الشهيد بإزالة هذا النصب كونه يمثّل شخصية "إرهابية".
الجدير بالذكر أن محاولات الحكومة الإسرائيلية لطمس الهوية والثقافة الفلسطينيتين وسلخنا عنهما هي ليست بمحاولات جديدة. الانتماء، الوطنية، الثقافة، الأدب الفلسطيني، هي حقول مُستهدفة كونها تعزز الهوية العربية الفلسطينية. فملاحقات الأدباء والكتّاب مستمرة منذ تأسيس دولة إسرائيل، منهم؛ سميح القاسم، محمود درويش، فوزي الأسمر، توفيق فياض وغيرهم الذين عانوا من الملاحقات السياسية، ومؤخرًا عانت الشاعرة دارين طاطور من السجن والمحاكم بسبب الشعر الذي تكتبه. كما أن مسرح الميدان في حيفا خاض معركة مع عنف الحكومة، التي جمّدت الدعم المادي بسبب مسرحية "الزمن الموازي" المستوحاة من قصّة الأسير وليد دقة، المسجون بعد إدانته بأنه عضو في خلية فلسطينية اختطفت وقتلت جنديًا إسرائيليًا عام 1984. وكانت آخر محاولات طمس الهوية هو مصادقة لجنة المعارف والثقافة والرياضة التابعة للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على " قانون الولاء في الثقافة"، الذي مرر للبرلمان ليتم إقراره بالقراءتين الثانية والثالثة. مثل هذا القانون سيمنع الميزانيات ودعم المؤسسات التي ترفض الولاء لإسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية، أو تعتبر يوم الاستقلال يوم حزن وحداد، كونه نفسه هو يوم النكبة. هذا ليس أوّل قانون عنصري ولن يكون الأخير في استهدافنا، نحن الفلسطينيون، فهو ينضم لقائمة طويلة من القوانين العنصرية السابقة؛ كقانون القومية وقانون النكبة وقانون المواطنة ولمّ الشمل.
أمّا نحن، فمستمرون في الحفاظ على هويتنا، ومستمرون بالقراءة الكتابة والدفاع عن قضيتنا، والثقافة، والمقاومة أيضًاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.