اليوم 18 كانون الأوّل/ ديسمبر هو يوم للاحتفاء باللغة العربية، بناءً على شو أقرّت الجمعية العامّة للأمم المتحدة سنة 1973 بأنه يكون هاد التاريخ هو اليوم العالمي للغة العربية. المهمّ، بهاي المناسبة، قررت أنه أدعو كتّاب وكاتبات، يكتبوا ويكتبن مقالات رأي بمواضيع متعلقة باللغة والتواصل وما إلى ذلك، بس بلهجاتهن المحكية.
وعم بختار تسمية اللهجات بالمحكيّة، لأنه برأيي هي الأقرب لتعريف اللهجات، هاي اللي منحكي ومنعبّر ومنحلم فيها، كل يوم، ونوع من إعادة الاعتبار لإلها، خاصّة على مستوى الكتابة، لأنه المحكيّات حاضرة بالسينما والتلفزيون والأغاني والقصائد، بس هي مغيّبة نوعًا ما من فعل الكتابة، خاصّة الصحافيّة، مع حضورها الخفيف بالرواية من خلال الحوارات، ومؤخرًا في حضور أكبر إلها في الرواية/ السرد، بالأساس الرواية المصريّة الحديثة.
في عصر الإنترنت، والمدونات الإلكترونيّة والفيسبوك وما إلى ذلك، صار في مساحة أوسع للهجات المحكيّة العربيّة، وخاصّة بعد العام 2011، والانتفاح أكثر على واقع المنطقة العربية من خلال الأفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منها إنه نصير أقرب للهجات بعض كمان. مع أغنية طلعت من تونس بالدراجة التونسية وعم تنسمع في بار بمدينة حيفا، وبتلاقي حدا مارق وبغنّي مع الأغنية وبعرف معنى الكلمات، هاي حالة بالضرورة خلقها التواصل الشبابي بالمنطقة والحاجة الذاتية كمان لمعرفة لهجات بعيدة جغرافيًا عن مكاننا.
رافق هاد الإشي كمان السفر إلى تونس أو أي بلد آخر واختبار الحياة مع الناس هناك، حتّى لوّ بشكل مؤقت. بتختلف معرفتنا وتجاربنا مع اللهجات المحكيّة، أنا كفلسطينية مواليد مدينة عكّا، كنت أحكي تقريبًا لهجتين من وأنا وصغيرة، لهجة أبوي وبلدي وأهلها. وبالمناسبة، من الجدير بالذكر إنّه عكّا هي المدينة الفلسطينيّة الوحيدة اللي بتلفظ "الجيم" في كلمة "عجل"، مثل الجيم المصرية.
وهاد يعود لعلاقة عكّا بمصر تاريخيًا، وحركة التنقل التجارية اللي كانت بين المكانين، كمان وجود عائلات مصرية في عكا، اللي سببها حملة إبراهيم باشا على الشام الكبرى سنة 1831، وكان سبب هاي الحملة هو وجود حوالي 6000 مصري في فلسطين هربوا من التجنيد الإجباري في مصر وقت حكم محمد علي باشا. المهمّ، منرجع للهجتي. والنص الثاني من لهجتي متأثر بالضرورة من إمّي. وإمي مواليد قرية الرامّة في الجليل الأعلى، وبالعموم، معظم قرى الجليل بتحكي لهجة شمال فلسطين، يعني قريبة من جنوب لبنان، يعني لهجتي أقرب للهجة صيدا منها للهجة أهل رام الله.
وأكيد إنّه سايكس وبيكو لما رسموا خطوط بالمنطقة وقسموها، معرفوش إنه اللهجات، مثل الأكل والروايح تبعتها، صعب تتفرق. إسّا (وإسّا تعني الآن)، بعيد عن الرومانسية، كونه كان جزء من حكيي غريب شوي عن لهجة أهل بلدي والأولاد والبنات بالمدرسة، إنّه أحكي: "كُلن ومعُن"، بضمّ الحرف اللي قبل الأخير، بالمقابل العكاوية بحكوا: "كلِن ومعِن"، أو كلهِن ومعهِن"، بكسر الحرف اللي ما قبل الأخير، كانت مرات هاي التفاصيل "مصيبة" بحياة طفلة شاطرة بالمدرسة وعايشة بعزلة ما، وعمّ بتحاول تعمل صحاب "كول"! خاصّة إنه هاي اللهجة تُهمة عند العكاوية، ومنسوبة للقرية، وعنصرية أهل المدينة على القرية، يعني مش كلهن، كلنا منعرفها منيح.
بدي أرجع لنقطة معرفة لهجات بعض. هاي مرة حبيت شاب تونسي، المهمّ، حاولنا نطبّق شو حاكولنا على إنه معرفتنا للفصحى بالضرورة رح تخلينا نتواصل مع الأشقاء والشقيقات بالمنطقة العربية بشكل أسهل (مع إنّه محكيناش عن التواصل بالفصحى بمسائل الحبّ والغرام).
بالأوّل، كيّفنا. صرنا نعمل محادثات سكايب ونحكي بالفصحى، نكتب بالفصحى، كان الإشي ع الآخر رومانسي وغريب! بس بعدين، لما كنا نتعب، نقلب على الإنجليزي (عشان أنا بعرفش فرنساوي). وكل الوقت كان صعب نتواصل بلهجاتنا، لأنه بالقوة كنا نفهم على بعض أصلًا، كيف لو بدي أحكي بالفلسطيني وهو بالتونسي؟
ومع إنه قصّة الحبّ كانت قصيرة، بس المهمّ عرفت كم كلمة مناح بالدراجة التونسية، وقررت إنه كل ما ألتقي بصديق أو صديقة جايين من تونس، نحاول نحكي مع بعض بلهجاتنا. هيك منصير نعرفها. اللهجة المصرية حاضرة بحياتنا كلنا، من الأفلام والأغاني. كلنا منعرفها ومنحب نحكيها لأنه منحس حالنا عايشات بمشهد فيلم لرشدي أباظة (كلنا منفتّز عليه - ومنفتّز جاي من فنتازيا).
وهاي المعرفة - أي معرفة اللهجة المصريّة - مش محصورة على بلاد الشام، كمان بالمغرب معروفة إلهن اللهجة المصرية القاهرية (لهجة أهل القاهرة) على وجه الخصوص. وهاي المعلومة مش اكتشاف. وممكن تلاقي كثير ناس بمصر بعرفوا اللهجات الشاميّة، مع إنهن بفكرونا كلنا منحكي لهجة وحدة، بس أكثر إشي بعرفوه هي اللهجة اللبنانية، كمان يمكن من الأغاني.
اللهجات المغربية والجزائرية أصعب إشي لإلنا، بس من حوارات وزيارات للمغرب، بلّشت الدراجة المغربية تصير قريبة. ومؤخرًا، اكتشفت إنه لهجتنا صارت قريبة عليهن، ليش؟ من ورا المسلسلات التركية اللي مدبلجة للهجة السورية. بمعنى، فكرة إنه مستحيل نفهم لهجات بعض، هاي فكرة قديمة وملهاش طعمة، لا، بنفع نفهم لهجات بعض، شوي شوي لما منخلق مساحات نحكي فيها ونفسّر شو عم نحكي، إذا لزم الأمر، ونحفظ أغاني.. الأغاني وسيط رائع للقرب من اللهجة، وساعتها للقرب من المكان وناسه. وبهاي المناسبة، شكرًا كبيرة لفرقة "ناس الغيوان".
بالوقت اللي فيه عم منعيش زمن بخلينا أحيانًا مضطرين نبعد عن أمكنتها، عن بلادنا، سواء بشكل قسري أو اختياري، بتبقى الحاجة للحفاظ على تواصل مع المكان من خلال كثير تفاصيل. اللغة جزء منها بطبيعة الحال. اللغة الفصحى، وبالأساس اللهجات المحكيّة. بوقت اللي كل إشي مرات بشتغل عشان يبعّد الناس عن بعض، بشتّى الوسائل، يمكن لازم نضلنا نبتكر طرق كيف نقرّب من بعض. وهاي مسؤولية. ومن هاي الطرق، إنّه نسمع ونفهم بعض، ونسمع بعض بكيف بتحكي قلوبنا، نفهم كلمات بلهجات متنوعة، نضحك مرات على اختلاف معاني بين كلمة باللهجة التونسية وكلمة باللهجة العراقية، ومرات نعرف ليش هاي الكلمة بهاي الأغنية البحرينية، هي كلمة حزينة. وإنه دايمًا نحاول نلاقي مساحات نكتب فيها بلهجاتنا المحكيّة، من غير قمع. مع الحبّ الكامل والعظيم للفصحى. بس اللغة واللهجات بتوسع لكل إشي.
في عصر الإنترنت، والمدونات الإلكترونيّة والفيسبوك وما إلى ذلك، صار في مساحة أوسع للهجات المحكيّة العربيّة، وخاصّة بعد العام 2011، والانتفاح أكثر على واقع المنطقة العربية من خلال الأفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منها إنه نصير أقرب للهجات بعض كمان.
مرة حبيت شاب تونسي، المهمّ، حاولنا نطبّق شو حاكولنا على إنه معرفتنا للفصحى بالضرورة رح تخلينا نتواصل مع الأشقاء والشقيقات بالمنطقة العربية بشكل أسهل. بالأوّل، كيّفنا. صرنا نعمل محادثات سكايب ونحكي بالفصحى!مع الوقت، السّفر والاحتكاك بأصدقاء وصديقات من بلاد عربيّة متنوعة، وبلهجات تفاصيلها بتفرّح القلب. بطل عندي لهجة واحدة. عكّا موجودة بشوية كلمات "يا خيّا!"، والجليل كمان. بس في كثير كلمات ضميتها على قلبي، منها اللي جاي من الإسكندرية وبغداد وحلب والقامشلي، وغيرها.. فجأة بتحسي حالك مثل اللي قاعد بلملم كنوز من شوية عتمة. وبصير يلعب بالألوان. إنّه معقول جملة: "ردّ بالك ع روحك"، بالدارجة التونسية، واللي بتعني "دير بالك ع حالك"، قديش حنونة؟ كل عام ولغتنا ولهجاتنا العربية بألف خير ووساع. والأهمّ، بلا علاقات قوى، اللهجات العاميّة لا تقل أهميّة عن الفصحى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...