في تقرير بعنوان "ماذا كان يدور في ذهن نصر الله عندما سخنت جبهة إسرائيل مع حزب الله؟"، نقل محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس الإسرائيلية تسفي بارئيل، تصريحات لـ"صحافي لبناني" راسله عبر الإيميل وقال إنه "لا يمكن كشف اسمه لكي لا يُتّهم بجريمة ‘تطبيع’".
يبني بارئيل تقريره على فكرة أنه "بينما كانت إسرائيل مقتنعة بأن (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله ذُهل بسبب كشف أنفاق حزب الله، كان عملياً مشغولاً بمشكلة محلية أخرى ذات أهمية أكبر بالنسبة إليه"، ويعرض مشكلة المياه وفوضى حفر الآبار الارتوازية وأزمة الكهرباء وتعقيدات تشكيل الحكومة ويتوسّع في عرض أزمة وئام وهاب.
في هذا السياق، أتى تصريح "الصحافي اللبناني" بأن "قضيتين تهماننا الآن، الكهرباء وكلفة المعيشة"، وقوله لمراسله الإسرائيلي: "أنفاق حزب الله هي مشكلتكم، لا مشكلتنا، ما يحدث في الجنوب لا يهم أحداً، إلا إذا اندلعت حرب".
"دولة جنوب لبنان"
بمعزل عن مسألة "التطبيع" التي يثيرها حديث صحافي لبناني مع وسيلة إعلامية إسرائيلية، وهي مسألة تقفز إلى الواجهة بين حين وآخر من خلال رواية من هنا أو فيلم من هناك، لعلّ الأهم في تصريح "الصحافي اللبناني" المقتضب هو رأيه في ما خص قضايا جنوب لبنان. لا يأتي رأي "الصحافي" من فراغ أبداً، بل هو تعبير عن قناعة شرائح غير قليلة من اللبنانيين بأن شؤون جنوب لبنان هي شؤون غير لبنانية، وكأن هذه المنطقة الجغرافية تنتمي إلى دولة أخرى غير لبنان. هي أزمة هوية. يخجل كثيرون من التعبير عن قناعاتهم علناً، لضرورات "وطنية"، ولكنها تطل برأسها من مواقفهم تجاه قضايا كثيرة. وهي ليست جديدة بل عمرها من عمر تأسيس لبنان وامتعاض البعض من توسيع حدود جبل لبنان إلى "لبنان الكبير". وهي أزمة يتوارثها البعض حتى الآن وتتخذ في الوقت الحالي شكل "الندم" على فعلة قديمة لبضعة مؤسسين، مسيحيين بشكل أساسي، كان الخوف من مجاعة 1915 عالقاً في أذهانهم عندما دفعوا نحو توسيع حدود جبل لبنان ليضم مناطق سمّاها بعضهم "أهراءات". ويأتي شعور "الندم" المذكور، والذي يأكل بعض هؤلاء اللبنانيين، بسبب تغيّر موازين القوة في "لبنان الكبير" وانتقال السطوة من موارنة جبل لبنان إلى شيعة الأطراف والسنّة الذين يعتمدون في قوتهم على سنّة الأطراف أيضاً. فلاحو "الأهراءات" صاروا هم القوة الأساسية وصاروا يشكلون نحو 65% من اللبنانيين. في الواقع، تاريخ تأسيس لبنان الكبير أعقد بكثير من ذلك ودور "المؤسسين" اللبنانيين في رسم حدوده غير واضح تماماً. ولكن هذه هي المروية الشائعة: كان هناك جبل لبنان أو "لبنان الصغير" ودفع البعض باتجاه توسيعه، فكان ذلك."دولة حزب الله"
في الحقيقة، ليست شؤون جنوب لبنان فقط ما لا يهمّ بعض اللبنانيين، من أمثال هذا "الصحافي اللبناني"، بل شؤون كل المناطق التي ينتشر فيها الشيعة، أكان في جنوب لبنان أو بقاعه أو ضواحي عاصمته. تحضر "عقيدة" قلّة الاهتمام بشؤون "مناطق الشيعة" في محطات مفصلية كثيرة، بعضها قديم تشكّلت حوله حقبة أساسية من تاريخ لبنان المعاصر، هي حقبة العمل الفلسطيني المسلّح الذي ينطلق من جنوب لبنان، وعدم إرسال قوة من الجيش اللبناني لتنتشر فيه، حتى صار منطقة "سائبة" يعاني أبناؤها من اعتداءات إسرائيل من جهة ومن تجاوزات النشاط الفلسطيني غير المنضبط من جهة أخرى، وصولاً إلى مرحلة تعاون بعض الجنوبيين مع إسرائيل نفسها طلباً للاستقرار الأمني وللخدمات، وكلاهما لم تؤمنهما "الدولة"."صحافي لبناني" لهآرتس: "أنفاق حزب الله هي مشكلتكم، لا مشكلتنا، ما يحدث في الجنوب لا يهم أحداً، إلا إذا اندلعت حرب"وتحضر هذه "العقيدة" في محطات مفصلية أقرب إلى يومنا زمنياً، عبر خطاب كافة الأحزاب اللبنانية غير الشيعية التي لا تعرف كيف تتوجّه إلى شيعة لبنان من خارج معبر حزب الله، وهو ما ساهم في إرساء هذا الحزب نفوذاً ضخماً على أبناء هذه الطائفة وفي مناطق انتشارهم الجغرافي. ليست مبالغة القول إن معظم مشاكل لبنان الحالية تتناسل من هذه "العقيدة". لا زلنا حتى اليوم نعيش آثار تخلي "الدولة" عن مسؤولياتها في جنوب لبنان. قديماً، ألقت "الدولة" على الشيعة مسؤولية الدفاع عن أنفسهم، ولاحقاً حمّلتهم مسؤولية استعادة أرضهم المحتلة، والآن لا يزال كثيرون يعتبرون أن لا علاقة لهم بما يجري في مناطقهم. لا يغيّر في حقيقة الأمر أن يصير اسمهم "حزب الله". حتى من قبل، كان للتنصل من المسؤولية أسماء تعددت باختلاف المراحل. والغريب أن هذا "الصحافي اللبناني" وأمثاله يتفاجأون من تحلّق معظم الشيعة حول حزب الله. هؤلاء يسلّمون بأن أمن مناطق الشيعة حكر على حزب الله والمسؤول عن الخدمات فيها هو حزب الله وما يحدث في مناطقهم "لا يهمّ أحداً"، ولكنهم يتعجبون من تنامي قوة حزب الله. إلا الحماقة أعيت مَن يداويها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين