شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مقتل يارا أيوب، وصمة عار في مجتمعنا الفلسطيني

مقتل يارا أيوب، وصمة عار في مجتمعنا الفلسطيني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 6 ديسمبر 201810:19 ص

يارا أيوب ابنة الستة عشر ربيعاً، قُتلت ورميت جثتها في حاويه قمامة أمام فرن للخبز، في قرية الجش، التي تقع في شمال فلسطين.

مرّ أسبوع على مقتل يارا، أسبوع أعلنت فيه يداي تمردهما على وعصيان أوامري، ولم أعد أستطيع ترجمة غضبي وسخطي إلى كلمات. مر أسبوع دار فيه سؤال واحد في رأسي ورؤوس كل الفلسطينييّن الذين يعيشون تحت وطأة العنف والقتل المتكرر في الداخل الفلسطيني: من قتل يارا أيوب؟

ماتت يارا، وانضمت إلى قائمة طويلة من النساء الفلسطينيات اللواتي قُتلن في السنوات الأخيرة. يشكّل فلسطينيو الداخل 20% من مجمل عدد سكان البلاد في إسرائيل، بينما نسبة النساء العربيات اللواتي قتلن في السنوات الأخيرة هو ما يقارب 40% من مجمل النساء المقتولات، بما معناه أن نسبة النساء العربيات اللواتي يقتلن في الداخل الفلسطيني يعادل ضعفَيْ نسبة الفلسطينيين من السكان.

إن هذه المعطيات ليست بغريبة على الفلسطينيّين الذين يعيشون في الداخل الفلسطيني، إذ من المعروف أن الشرطة والمنظومة الإسرائيلية معنية بانتشار العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني، أولًا لحث الفلسطينيين على الهجرة وترك البلاد طواعية، وثانيًا لإضعافهم وتهميشهم، والحدّ من عدد المثقفين والمتعلمين، وانتشار الفقر والجهل والتخلف كوسيلة للإيقاع بهم وإبقائهم متقوقعين في مشاكلهم الداخلية.

المثير للاهتمام أيضاً أنه حوالي نصف النساء اللواتي قُتلن كن قد قدمن شكوى لدى الشرطة الإسرائيلية ضد المعتدين، ولكن الشرطة لم تهتم بالتعامل مع هذه الشكاوى، وأغلبها أغلقت لأسباب عدّة. هذا عدا أن هناك إهمالاً تامّاً في إيجاد المجرم وتقديمه للعدالة فيما يتعلق بقتل النساء الفلسطينيات – فبينما قُدّمت لوائح اتهام في 85% من حالات قتل النساء اليهوديات بين السنوات 2016-2017 وتم القبض على المجرم، فقط في 50% من حالات قتل نساء العربيات تم تقديم لائحة اتهام ضد المجرمين ومحاكمتهم – بما معناه أنه في نصف حالات قتل النساء العربيات يغلق الملف ضد مجهول ويبقى القاتل حراً طليقاً، والنتيجة الحتمية لهذا التعامل العنصري والمستهتر بحياة النساء العربيات هو تزايد الظاهرة بشكل غير معهود.

ولكن الحقيقة هي أن تقاعس الشرطة ليس هو الوحيد الذي حمل سكيناً وطعن طفولة يارا البريئة، نحن أيضاً كمجتمع عربي فلسطيني ساهمنا في قتلها، نحن أيضا متهمون.

أنا أتهم كل أمرأة ورجل ولدت لهما ابنة فحزنت لأنهما لم يرزقا بـ"صبي" ولي العهد، أتهم كل امرأة ورجل ساهما في الحديث عن جارتهما "المطلقة" واتهماها بأبشع التهم فقط لكونها منفصلة بغض النظر ما هو سبب الانفصال وإن كان بإراداتها أم لا، أنا اتهم كل من انتقد لباس امرأة أو شكلها أو طريقة مشيها في الشارع لأنها لا تلائم معاييره "الأخلاقية"، أنا أتهم كل من ردد مقولة "هم البنات للممات" وألقى بها في حضن أول عريس طرق بابه، وأتهم كلّ أمّ وأبّ يعرفان أن ابنهما متحرش ومغتصب ومع هذا يستميتون في الدفاع عنه وتبرئته حتى لا يسجن، وكل من رأى ابنه دائماً "صيّادًا" وكل امرأة "فريسة"، وأن وظيفته في الحياة هي مطاردة الفريسة حتى تقع في شباكه. كما أتهم القيادات العربية في الداخل الفلسطيني على إهمالها لموضوع حقوق المرأة بشكل عام وقتل النساء بشكل خاص وعدم اعتبار ذلك من الأولويات، فما دامت حقوق المرأة لا تأخذ الحيز المطلوب في سلم أولويات القيادة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، سيبقى موضوع قتل النساء وصمة عار على جبيننا كمجتمع فلسطيني.

ليس فقط أن موضوع حقوق المرأة لا يشغل بال الكثير من القيادة في الداخل الفلسطيني، انما الأسوأ إنه سبق وشارك بعض (وأشدد على بعض) من السياسيين الفلسطينيين في "مساعي صلح" بين أهل قتيلة وعائلة القاتل لأجل تبييض "سمعة عائلته" التي يشغل بعض أفرادها مناصب قيادية، هذا طبعاً عدا أنه هناك بعض السياسيين هم بأنفسهم متورطون بقضايا عنف ضد النساء (زوجاتهم وغيرهن من النساء)، وقضايا تحرشات جنسية، واعتداءات جنسية كلامية وجسدية، وتهجم على ناشطات سياسيات، ومحاولات تهميش ومهاجمة للنسويات، وغيرها من أشكال العنف ضد المرأة.

وهنا يُسأل السؤال: إذ كان البعض من قيادتنا هو ذكوري متسلط ومعنف (وأشدد على كلمة البعض حتى لا نقع في فخ التعميم) فما هو توقعنا من الشعب الذي من المفروض أن تقوده هكذا قيادة؟ وبعدها يُسأل السؤال الثاني: كيف نستطيع كشعب فلسطيني يعيش في داخل الأراضي المحتلة أن نطالب بالمساواة وبعدم التمييز إذا كنا نحن بذاتنا نمارس العنصرية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد عندما نفرق بين الرجل والمرأة؟

كيف يستطيع رجل عربي فلسطيني أيًا كان، أن يجلس على المنصة ويتحدث عن حق الفلسطينيين في المساواة، بينما هو بذاته يُحرم ابنته من الميراث، يمنعها من حقها بالعيش بحرية وحقها بالتعليم؟ وفخور بابنه المتعدد العلاقات العاطفية لأنه "زلمة"، ويحق له إقامة علاقات عاطفية وجنسية بحرية، بينما ابنته تُحبس في منزلها بداية من العاشرة مساءً (في أفضل الحالات)، وتلوّح لها السكين في الأفق لمجرد أن فكرت في ممارسة الجنس مع الشخص الذي تحبّه؟
لا نستطيع المطالبة بحقنا في المساواة طالما نحن ننتهك حقوق نسائنا، لا نستطيع أن نطالب بحقنا في الحرية طالما نقمع نساءنا، فالحرية والمساواة ومحاربة الاحتلال هي مضامين يجب أن نتبناها نحن كفلسطينيين داخليًا لإصلاح مجتمعنا، وثم عندما نتحول إلى مجتمع صحي وصحيح سيصبح لدينا القوة الكافية لمواجهة الخارج، كمجتمع فلسطيني تتحد فيه المرأة مع الرجل للسعي وراء الحرية... فقط عندما نصبح مجتمعًا سويًا ويحترم المرأة نستطيع أن نتقدم نحو تحرير أنفسنا من الظلم والاضطهاد والاحتلال، وطالما نحن مشغولون بأعضاء نسائنا التناسلية لن يكون عندنا متسع من الوقت لمحاربة الاحتلال ولا لنيل حقوقنا كأقلية وطنية.
إن النظرة الدونية للمرأة أساسها هو عقلية سلطوية تعتبر أن الرجل بمجرد كونه يملك عضوًا ذكريًا يجعله أفضل من أي أمرأة، لا يهم ما هو تعليمه أو مستوى ثقافته أو كم هو مفيد لمجتمعه. لكونه ذكرًا يعطيه المجتمع أفضلية على أي امرأة ويعترف بسيطرته عليها، ويعطيه الشرعية في تأديبها وحتى قتلها إن "انحرفت عن طريق الصواب". أما هو فلا أحد يحاسبه إن "انحرف"، لأن ليس بين رجليه غشاء رقيق ممكن أن يتمزق لأتفه الأسباب. فالمجتمع لا يهتم برسم طريق الصواب للرجال، وحدها المرأة من اللحظة التي تولد بها إلى اللحظة التي تموت بها, يرسم لها المجتمع طريقًا واضح المعالم، في كل مخرج له علقت لافتة كتب عليها: "ممنوع الاقتراب خطر الخروج عن الصواب"، وينتهي هذا الطريق بقبر معتم بارد تدفع به المرأة ثمن كونها خلقت أنثى لا أكثر.
نسبة النساء العربيات اللواتي قتلن في السنوات الأخيرة هو ما يقارب 40% من مجمل النساء المقتولات، بما معناه أن نسبة النساء العربيات اللواتي يقتلن في الداخل الفلسطيني يعادل ضعفَيْ نسبة الفلسطينيين من السكان.
من المعروف أن المنظومة الإسرائيلية معنية بانتشار العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني، لحث الفلسطينيين على الهجرة وترك البلاد طواعية، لإضعافهم وتهميشهم، ولانتشار الفقر والجهل والتخلف كوسيلة للإيقاع بهم وإبقائهم متقوقعين في مشاكلهم الداخلية.
ولكن الحقيقة هي أن تقاعس الشرطة ليس هو الوحيد الذي حمل سكيناً وطعن طفولة يارا البريئة، نحن أيضاً كمجتمع عربي فلسطيني ساهمنا في قتلها، نحن أيضا متهمون.
كيف نستطيع كشعب فلسطيني يعيش في داخل الأراضي المحتلة أن نطالب بالمساواة وبعدم التمييز إذا كنا نحن بذاتنا نمارس العنصرية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد عندما نفرق بين الرجل والمرأة؟

بالعودة إلى قضية مقتل يارا أيوب، ومقتل عدد كبير من النساء الفلسطينيات في الداخل على مرّ السنوات الأخيرة، تجدر الإشارة إلى أن تقاعس الشرطة الإسرائيلية تجاه قضايا العنف ضد النساء وفي المجتمع، لا جدال عليه ويلعب دورًا أساسيًا في وجود هذه الظاهرة وتفاقمها، ولكن يجب أن لا ننسى أن المسؤولية المجتمعية في دحر هذه الظاهرة تقع علينا جميعًا، وإن لم تتغير نظرتنا الدنيوية للمرأة واستخفافنا بحياة نسائنا، فستواصل مئات النساء دفع ثمن تقاعس المنظومة الإسرائيلية وثمن ذكوريتنا. علينا كمجتمع أن ننهض بأنفسنا ونغير من مفاهيمنا المجتمعية التي تستبيح دم النساء وتتفهم سيطرة الذكور، إن ربينا أولادنا على أن المرأة والرجل متساويان وأنه لا يحق لأحد أن يحاسب الآخر، فلن نحتاج أصلًا حماية الشرطة لأننا بهذا سنكون اقتلعنا الظاهرة من جذورها.

من قتل يارا أيوب؟ نحن الذين قتلنا يارا أيوب، فلنجعلها جريمتنا الأخيرة لأن لا أحد فينا يعلم من ستكون الضحية القادمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image