شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
من القصيدة البيضاء إلى الزواج الأبيض (الجزء الثاني).. حالتان في إيران

من القصيدة البيضاء إلى الزواج الأبيض (الجزء الثاني).. حالتان في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 4 ديسمبر 201806:31 ص
كانت "هاء" متحمسة للحديث. بدأتْ حديثها كأنّها تريد إقناعي بالزواج الأبيض كما أنها ستُقنعني بأخذ ديوانٍ لأحمد شاملو: "إنّ الزواج الأبيض لن يصل إليه الشخصُ إلا إذا وصل إلى مستوى عقلاني يمكّنه من تجربته، وإلا فإنّه لن يكون زواجًا أبيضَ بل فوضى"؛ وتابعت: "إن الزواج الأبيض أفضلُ بكثيرٍ من الزواج التقليدي، لأنك لن تدخل أروقةَ المحاكم ومتاهاتها. ولكنّ الانفصال صعب مهما كان الزواج. عادة نحن المتّفقين على الزواج الأبيض لا نريد الالتزام بالقوانين المفروضة ولا الشرائع". أما الحالة "ألف"، فتختار كلماتها بعناية، وتلمّع جُمَلَها بالمصطلحات: "الزواج الأبيض يمكن من خلاله لأيّ طرف متى ما شاء أن ينفصل عن الآخر دونَ خوف أو هولٍ ممّا سيأتي بعد الانفصال". تتحاوران "هاء" و"ألف" وكأنّي غير موجود بينهما. الحالة "هاء": من جانب آخر، ولأنّ هذا الزواج لم يُوثّق في أيّ دائرة، فهو صعب؛ صعبٌ حتى على مستوى أخذِ غرفة في فندق. لذلك من يريد الدخول في الزواج الأبيض، عليه منذ البداية إقصاء فكرةِ إنجاب الطفل، لأنّ القوانين في إيران تنظر إلى الطفل على أنه غير شرعي. كما أنّ مجتمعنا يتّجه إلى فكرة عدم إنجاب الأطفال، وعدم قبول مسؤولية الطفل. الحالة "ألف": الأمر صعبٌ جدًّا، لأنّ مجتمعنا لا يتقبّل ما نحن فيه؛ ولأنّ الرجال الداخلين في هذا الزواج هم رجالٌ لا يريدون الزواج كزواج؛ بينما لو أراد الرجل أن يكون لديه طفلٌ، يتجه إلى الزواج التقليدي. لديّ أصدقاء توصّلوا إلى حاجتهم لأطفال، فتزوّجوا زواج المتعة، لأخذ جنسيةٍ للطفل. "هاء": والطفلُ تأخذه الأمّ. هنا الأمّ هي من يتكفّل بالطفل، وليس الأب، بينما في جميع الحالات كانت الأمّ هي الحاضنة للطفل. "ألف": نظرة المجتمع للزواج الأبيض إيجابيةٌ في المدن الكبيرة، ولكن، في المدن الصغيرة مازالت النظرة دونيّة. "هاء": في الزواج الأبيض تحتفظين بحياتك وبشخصيّتك، بينما في الزواج التقليديّ أنتِ ملزَمة بإعداد الوجبات الثلاث والتنظيف، والرجل مُلزَم على إنهاء كلّ واجباته خارج البيت، مع إعطاء كلّ النفقات؛ غير أنّه في الزواج الأبيض، لكلّ واحدٍ منهما عملُه واستقلاليته الاقتصادية، وما إعداد الوجبة إلا لطفًا، وليس واجبًا. حتى الهدية لها معنى مختلف؛ فلا تفقد الهدية معناها الذي نبحث عنه. والانفصال هنا أكثر احترامًا للطرفين.
الأمر صعبٌ جدًّا، لأنّ مجتمعنا لا يتقبّل ما نحن فيه؛ ولأنّ الرجال الداخلين في هذا الزواج هم رجالٌ لا يريدون الزواج كزواج؛ بينما لو أراد الرجل أن يكون لديه طفلٌ، يتجه إلى الزواج التقليدي. لديّ أصدقاء توصّلوا إلى حاجتهم لأطفال، فتزوّجوا زواج المتعة، لأخذ جنسيةٍ للطفل.
الجيل القادم نحو الزواج الأبيض جيلٌ خائف من المستقبل، من مستقبلِه ومن مستقبل بلدِه. والكثير ممّن يدخلون الزواج الأبيض هدفهم الجنس فقط، لأنّ كلّ الطرق مقطوعة أمامهم.
أخطار الأبيض، رؤية أخرى تغيّرت ملامحُ وجهيهما حين وصلنا إلى أخطارِ الزواج الأبيض. "هاء": هناك خطورة تكمن في مثل هذه الزيجات المتكاثرة؛ خطورة في توجيه ضربة لأُسسِ العائلة. ولكنّ المعارضة لهذا الزواج ليست فقط في توجيه مثل هذه الضربة أو مخالفتها للشّرع، بل وجود طبقةٍ ناقدة وناشطة اجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا. غالبية الذين دخلوا الزواج الأبيض هم على مستوى عالٍ من الثقافة، ولديهم علاقات اجتماعية واسعة، ويشكّلون كلمة معارضة. "ألف": الآن يتجه الجميع لهذا الزواج هربًا من القوانين التي لا يمكنهم مواجهتها؛ وهي حركة باتّجاه الحداثة، وهو أمرٌ نحن مجبَرون على خوضِه. أطفالنا يتّجهون نحوه. نعيش جميعًا الوضعَ الاقتصاديّ لمجتمعنا؛ لم يعد بإمكانهم الزواج بالطريقة الإيرانية التقليدية. في الزواج الأبيض، تُزاح الكثير من الحواجز. إنْ زُرتَ منازلَهم لوجدتَ بساطة كبيرة فيها، قد لا يتجاوز أثاث البيت كنبةً وسريرًا. والمرأة لا تتوقع الكثير. "هاء": الزواج التقليدي يرفع مستوى التوقّعات من قبل المرأة. توقعاتُها تزداد يومًا بعد يوم؛ بينما هناك توقّعات بسيطة جدًّا ترافق الزواج الأبيض. لكنّ هناك خوفًا دائمًا يرافق هذا الزواج؛ الخوف من رفضِ المجتمع له. أينما ذهبت تحمل معك خوفًا وقلقًا. في السفر ليس معك وثيقة قانونية، وفي البيت، تخاف من تقارير الجيران. "ألف": بل تزداد التوقعات من قبلِ الطرفين. في المقابل هناك حالات من الزواج الأبيض استمرّ فيها الطرفان لثلاثِ سنوات، ولكن حين وصلا إلى الزواج التقليدي، قالت الفتيات: "لن أقبلَ به زوجًا إلا إذا نفّذ كلّ طلباتي ورغباتي كالسيارة والبيت، وإلخ." هناك رواسب باقية في العقليات عن مواصفات الزواج الناجح. "هاء": توصّلتُ إلى أنّ الزواج الأبيض هو زواجٌ ناجحٌ حين تجاوزتُ الثلاثين، لذلك العمرُ مهمٌّ هنا. "ألف": أفضّل الزواج الأبيض من ناحية الانكسار الذي عشتُه. أريد تجربتَه مرّة أخرى. الزواج هو قاتلٌ للحبّ. الخوف من المحاكم "ألف": عليكِ أن تثبتي هنا، للمحكمة، الأسبابَ التي تدلّ على أنّ هذا الرجل غير مناسب للحياة المشتركة. القوانين كلّها في صالح الرّجل؛ حتى إن كان مدمنًا على المخدّرات، أو فيه عجز جنسيّ، يقول لك القضاة خُذيه وعالِجيه. هناك نقص كبير في قوانين بلادنا. ومن جانب آخر، عليك إقناعُ عقلٍ جامد للقاضيّ، وعليك إقناع عقلِ زوجٍ أكثر جمودًا من القاضي. وهكذا تقضي عمرَك في متابعة طلاق. الحكومة وقوانينها هي التي توجّه الناس نحو الزواج الأبيض. "هاء": المحكمة بجانب الرجل، كانت، ومازالت. الجيل القادم للزواج الأبيض بينما كانتا تتحدّثان وكأني لستُ موجودًا، خطَر ببالي سؤال: ماذا عن الجيل القادم؟ بل ماذا عن أبنائِهما؟ هل الزواج الأبيض خيار توصيانِ به؟ "هاء": أنصح أطفالي دائمًا بالزواج الأبيض. "ألف": أوصيتُ ابنتي بأنها إنْ أرادت الزواجَ، فعليها العيشُ لفترةٍ مع مَن تريد الزواج منه؛ لأنّه ليس من المقرّر أن يبقى الإنسان مع شخص لنهاية الحياة، لأنّ الانسان بالتأكيد له قرارات خاطئة على مدى الحياة. "هاء": ونفس الشيء بالنسبة لي؛ أوصيتُ أبنائي بخوض الزواج الأبيض. هو أفضلُ حلًّ متاح". الجيل القادم نحو الزواج الأبيض جيلٌ خائف من المستقبل، من مستقبلِه ومن مستقبل بلدِه. والكثير ممّن يدخلون الزواج الأبيض هدفهم الجنس فقط، لأنّ كلّ الطرق مقطوعة أمامهم. توقّف الحوارُ، وتوقّفت الأجوبةُ رغمًا عنّا، فالشابّ العشريني الذي كان من المقرّر أن يشاركَنا رأيّه برفقة فتاة عشرينية، جلسا وكأنهما يتلقّيان كيف سيواجهانِ مستقبَلهما. ثمّ سقط الشابُّ فجأة وأخذ يتلوّى. اتّفق الجميع على أخذه للطبيب، فرافقتُ الأربعة للمشفى. ظهر أنّ معدتَه لم تعمل منذ ثلاثة أيام. أعطوه أربع "تحاميل" بيضاء، وعدنا. في العودة ونحن في السيارة، والمطر لم ينقطع بعد، جاء اتصالٌ لـ"ألف"، وكان هاتفها متصلًا بالمذياع، فتلقّت الاتصال. سمعناها كلُّنا. صوت المتّصلة يوشي بقضيّة حسّاسة قادمة. قالت لـ"ألف": "لدينا فتاةٌ في الثانية عشرة، تزوّجت، وتدهورت حالتها بعد ممارسة الجنس. وقد انطوت على نفسها. وأمّها قلِقة عليها. بماذا تنصحيننا؟" ثمّ لم أعد أسمع ما تبادلناه من الحديث. الخبرُ أقوى من الطريق والمطر. بعد أن عدنا، تحدّثت الشابة العشرينية "دال"، عن الزواج الأبيض: "دائمًا ما كان خياري العيشَ مع مَن أحبّه دون زواج، ولم أعرف بأنّ المجتمع يُطلق عليه الزواج الأبيض. إن كان هناك حبٌّ وحياة مشتركة، لا أحبّ أن أوقّع على ورقة. ولكن، ومن خلال تجارب صديقاتي، إن المشكلة التي أراها في الزواج الأبيض هو الاضطراب الذي تقع فيه الفتاة، وهو أكثر بكثيرٍ من الاضطراب الذي يقع فيه الشابّ. الخوف من الطرد، ومن الهجران؛ بينما الورقة التي نوقّع عليها تمنحنا الشعور بالأمان. كانت المرأة ومازالت أكثر تعهّدًا والتزامًا من الرجل." وتحدّث العشريني "عين"، العائد بتحاميلِه، باختصارٍ شديد: "من ناحيتي، أريد علاقةً، ثمّ زواج أبيض، ثمّ زواج دائم. والأمر مرتبط بالأوضاع." رغم مرور عقودٍ على ولادة القصيدة البيضاء في إيران، إلا أنّ هناك مَن لا يعترف بها بعد، ومازالت تشنّ هجمات عليها؛ وكأنّ الشاعر زانٍ والقصيدة زانية. لكنّها أثبتت نفسَها أمام كلّ المواجهات، وواصلت طريقها. فهل سيكون مصيرُ الزواج الأبيض في إيران مثل مصير القصيدة البيضاء؟  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image