شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ماذا يعني أن تكون طبيعيًّا؟

ماذا يعني أن تكون طبيعيًّا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 8 ديسمبر 201805:03 م
انطلقنا أخيرًا باتّجاه الاستديو. خرجنا من مبنى، ودخلنا مبنى أكبر. نزلنا درجاتٍ أدّت بنا إلى ممرّ ضيّق. تقدّمنا ممرًّا بعد ممرّ. كانت أمّي إلى جانبي. قد ألبستْني ثيابًا جديدة. لم أكن أذهب إلى المدرسة بعد. قبل سبعة أو ثمانية وثلاثين عامًا؛ أظنّ أنني كنت في الخامسة من عمري. مررنا من بابيْن كبيريْن، ووصلنا إلى فضاء شاسع كانوا قد وضعوا الديكور فيه؛ ديكور ملوّن ومبهج. عشرة أو اثنا عشر ممثّلًا من الذين كان من المقرّر أن يؤدّي كلّ واحد منهم دورَ حيوان ما، كانوا يدورون في وسط الفضاء، ويتحدّثون مع بعضهم بعضًا. وثمة آخرون كانوا يتدرّبون. بوساطة أمّي كانوا قد منحوني أنا المسكين الدورَ الرئيسي، والذي كان الإنسان الوحيد بين المجموعة. كان مسرحَ عرائس لصالح برنامجٍ للأطفال. وكان من المقرّر أن يُبثّ في أيام العيد. عندما وصلنا، كان الدّيك يدخل لتوّه في جلدِه. إحداهنّ كانت تخيط ذنبَ الذئب الذي كان قد انقطع. كنتُ قد رأيت المخرجة من قبل، والتي كانت امرأة جميلة. وهي تُلبسني قميصًا أزرق، أكّدت لي مرة أخرى. الشيء الوحيد الذي كانت تريده منّي هو أن أكون طبيعيًّا. قالت لي ألف مرة: كنْ طبيعيًّا، وحسب. كانت أّمّي واقفة بعيدًا عنّا بعض الشيء، وتنظر. عند ذلك، وتحديدًا في تلك اللحظة الحساسة حيث كنتُ أهمّ بمناداتها، إدارتْ وجهها، وابتعدتْ. أمسكتْ بيدِي شجرةُ تفّاح، وسحبتْني إليها. خطونا بعض الخطوات معًا. لم تكن تُطلق يدي. تفّاحها كان يرتعش باستمرارٍ، دون أن يقع.
أين، ولماذا علينا أن نكون طبيعيّين؟ ولماذا هو أمر حسَنٌ أن نكون طبيعيّين؟ خصوصًا بالنسبة لنا، نحن الذين نتقمّص باستمرارٍ دورًا بعد دور.
كلّما فكّرت لم أستطع أن أخلص إلى تعريف كامل، أو ناقص، عن الطبيعيّ. أفهم غير الطبيعيّ، وأستوعبه، لكنني لا أستطيع التكيّف مع الطبيعيّ، أو ربّما بالعكس، أتكيّف معه أكثر ممّا يجب. يصبح معناه حينًا أقربَ إلى كلمة "العاديّ"، وحينًا آخر إلى "الواقعيّ"، أو "البديهيّ"، وتارة يعني "النفسَ" ذاتها؛ وتارة أخرى يجمع بين كلّ هذه الكلمات الأربع.
كانت أمّي قد ذهبت. نقلوا الكاميرات. اقتربت الدجاجةُ منّي، ماسكة رأسَها بيدِها، وقرصتْ وجنتي. وضعتْ رأسها على مكانه، أبدت حركاتٍ، ثمّ ابتعدت. تضاءل الضوء. وذهب كلٌّ إلى مكانه المفترض. رَمَوني في الوسط، وبدأت الحكاية بموسيقى مرِحة جدًّا. لوّحتْ لي أمّي من خلف الزجاج. وفي هذه الجهة، في الاستديو، كانت إحداهنّ تبدي حركة لم أفهم قصدها منها. منذ البداية وحين قالت "طبيعيًّا"، كان لابدّ أن أسألها، لكنني نظرتُ إليها فقط. كانت تتحدّث بشكلٍ مُريحٍ إلى درجة خجلتُ أن أسألها. في كلّ الأحوال، كان ينبغي أن أكون طبيعيًّا. طبيعيّ، طبيعيّ. ماذا يعني الطبيعيّ؟ لم أعرف معنى كَونِ المرءِ طبيعيًّا. كان يبدأ دوري تحديدًا عندما تنقطع الموسيقى. فجأة ساد الصمت في الاستديو. والكلّ نظر إليّ. لم أتمكّن من إصدار أيّ صوتٍ. أصبحتُ أخرسَ. لمدّة الأسبوع كلّه كنتُ أخرس. تمامًا عكسَ ما كان يجب أن يحدث؛ الأمر غير الطبيعيّ الوحيد الذي كان من الممكن أن يحدث!   اليوم عمري اثنان وأربعون عامًا، ودون أن أخجل أتساءل ما معنى أن تكون طبيعيًّا؟ متى نكون طبيعيّين؟ وأين، ولماذا علينا أن نكون طبيعيّين؟ ولماذا هو أمر حسَنٌ أن نكون طبيعيّين؟ خصوصًا بالنسبة لنا، نحن الذين نتقمّص الأدوارَ باستمرارٍ، دورًا بعد دور. أليس صحيحًا أن الفنّ أساسه الأحداثُ غير الطبيعيّة؟ أليست السينما غير طبيعيّة؟ أليس المسرح، والرسم، والنحتُ، وحتى الرقص غيرَ طبيعيّ؟ إذًا لماذا نهتمّ إلى هذه الدرجة بأن نكون طبيعيّين؟    كلّما فكّرت لم أستطع أن أخلص إلى تعريف كامل، أو ناقص، عن الطبيعيّ. أفهم غير الطبيعيّ، وأستوعبه، لكنني لا أستطيع التكيّف مع الطبيعيّ، أو ربّما الأمر عكس ذلك، وأنا أتكيّف معه أكثر ممّا يجب. يصبح معناه حينًا أقربَ إلى كلمة "العاديّ"، وحينًا آخر إلى "الواقعيّ"، أو "البديهيّ"، وتارة يعني "النفسَ" ذاتها؛ وتارة أخرى يجمع بين كلّ هذه الكلمات الأربع. حين قال المصوّر الإيراني "بَهمَن جلالي" بأن المصوّر ينبغي ألّا يكون في الصورة، كان قصده هذا: كَون الصورة طبيعيّة. لا أعرف كيف ينظر الآخرون إلى الصورة، لكنني لم أرَ صورة إلّا وفكّرت بالمصوّر الذي وقف أمام المشهد. لنفترضْ أن كلّ صورة مثل هرَمٍ، تكون الصورةُ قاعدتَه، والمصوّر واقف على رأس الهرم. لذلك لا يمكنني أن أنسى أنّ ثمة مصوّر قد التقط تلك الصورة. يتبع.   كُتب لصالح موقع رصيف٢٢، وترجمتْه عن الفارسية "مريم حيدري".  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image