"لو كنتُ أكثر ضخامة لما كان بإمكاني الذهاب لقضاء حاجتي في دورة المياه على هذه الطائرة!" هكذا تحدثت واحدة من ركاب رحلة توجهت من لوس أنجلس إلى واشنطن الأسبوع الفائت، مستنكرة تعديلات جديدة طرأت على طيارات مدنية تابعة لبعض شركات الطيران الأمريكية.
هذه التعديلات شملت، وفق ما نقله موقع واشنطن بوست، تقليص الحيّز المخصص لدورات المياه، حيث أصبحت مساحة الواحدة منها حوالي 24 بوصة (60 سنتيمتراً)، وهو مكافئ لعرض غسالة صحون متوسطة الحجم، أو حجم خصر عارضة الأزياء والممثلة الأمريكية كيم كارادشيان. يسمح ذلك بوضع ستة مقاعد إضافية على متن الطائرة، ما يعني في نهاية المطاف المزيد من الأرباح.
خطوط النقل التي بدأت بإدخال هذه التعديلات في بعض طائراتها الجديدة منذ بضعة أشهر هي American، Delta، United، وهي ليست التعديلات الأولى من نوعها، فمعظم شركات الطيران باتت تميل لجعل المقاعد والمساحة المخصصة لوضع الأقدام أصغر على أمل كسب زبائن إضافيين في كل رحلة. وتصف واشنطن بوست هذه التعديلات بأنها حوّلت الطيران إلى "لعبة بين الركاب وبين المساحات الآخذة في النقصان".
لكن تلك اللعبة تعني أرباحاً تقدر بما تبلغ قيمته 400 ألف دولار أمريكي سنوياً لكل مقعد إضافي في الطائرة. وبما أن عدد الرحلات اليومية لكل شركة محدود ولا يمكن زيادته بسبب جداول ومواعيد الطيران العالمية، إذاً، لنعمل على زيادة عدد المقاعد.
ونتيجة ذلك، يتهم نائب رئيس رابطة المستهلكين في الولايات المتحدة شركات الطيران بأنها تتعامل مع زبائنها كمصدر للربح لا كأشخاص من لحم ودم، ويتحدى في تصريحه لواشنطن بوست المدير التنفيذي في أي من تلك الشركات بأن يكون قادراً على تغيير حفاض طفل غارق في البكاء، في ذلك الحمام الضيق الذي بالكاد يتسع لشخص متوسط الحجم.
فالأشخاص الممتلئون أو طوال القامة سيضطرون للانحناء والتلوّي كي يتمكنوا من دخول دورات المياه بالأحجام الجديدة. لا تجهيزات كافية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على متن كل الطائرات، فهم على الأغلب سيحظون بكرسي يساعدهم على الوصول لباب دورة المياه فقط، دون أن يتمكنوا بالضرورة من إدخاله لداخل تلك الغرفة المتناهية في الصغر. والأشخاص الذين يستخدمون العصا المساعدة للسير سيضطرون لتركها خارجاً، فلا مكان لها معهم.
وخارج دورات المياه، يشعر كثيرون بالضيق أو الانزعاج في الأماكن المخصصة لهم. مقاعد ضيقة على الأغلب ولا تناسب أحجام ومقاسات الجميع.
يتحدث ركاب بشكل دوري ويشتكون من توتر وضيق وصل حد الإصابة بمشاكل في الدورة الدموية والضغط نتيجة الاضطرار للبقاء جالسين دون أدنى حراك لساعات طويلة، فبالنسبة لمن يجلسون في الوسط أو جانب النافذة، يصبح النهوض من المقعد بشكل متكرر مغامرة تحتاج وقتاً وتتسبب بالإحراج مع الركاب المجاورين، فيفضّلون المكوث في مكانهم حتى نهاية الرحلة.
في تدوينة على موقع يتيح الفرصة للمسافرين بطرح تساؤلاتهم ومخاوفهم، يتحدث أحد الأشخاص عن نوبات هلع تصيبه نتيجة خوفه من ألا يتسع في مقعد طائرة سيكون على متنها قريباً، ويصل خوفه حد تخيل طرده من الطائرة إن لم يتمكن من الجلوس في تلك المساحة الصغيرة المخصصة له.
إزعاج آخر يتمثل في أحزمة الأمان التي قد لا تناسب مقاسات جميع الركاب وتتسبب بالضغط على بطونهم. يحاول البعض الالتفاف حول هذه المشكلة بحمل حزام آخر على مقاسهم في حقيبة الظهر، لكن المفتشين على بوابة الطائرة يمنعون إدخال هذه الأحزمة لأسباب أمنية ويرمون بها بعيداً قبل صعود حاملها إلى الطائرة.
المساحة الشخصية في الطائرات آخذة في الانكماش بشكل تدريجي، فقد تناقصت المسافة بين صفوف المقاعد خلال عشر سنوات تقريباً من 35 إلى 31 ثم 28 بوصة
طائرة أكبر لكن، مساحة أقل
التعديلات على العديد من جوانب تصميم الطائرات المدنية يلاحظها الركاب وهي تزداد عاماً تلو الآخر، والهدف واحد: تحقيق الأرباح والمزيد من الأرباح على حساب راحة المسافرين والمساحة الشخصية المتاحة لهم على متن الطائرة. وهنا يمكننا الحديث عن عرض المقعد، والمسافة بين صفوف المقاعد، والأمكنة المخصصة لوضع الحقائب. أجزاء من تلك المساحة الشخصية آخذة في الانكماش بشكل تدريجي قد لا تسهل ملاحظته بين عام وآخر، لكن، وعلى سبيل المثال، تناقصت المسافة بين صفوف المقاعد خلال عشر سنوات تقريباً من 35 إلى 31 ثم 28 بوصة. يغدو السير في ممرات الطائرة أصعب، ويتحسّر بعض الركاب على أوقات كان الطيران فيها يعني تجربة ممتعة بحق، حيث كان الرجال يتمكنون من حلاقة ذقنهم، والنساء من وضع مساحيق التجميل، داخل دورات مياه واسعة كفاية لممارسة أي نشاط طبيعي. المشكلة في كل ما سبق هي التمييز الذي وقع وسيقع ضحيته العديد من الأشخاص الذين لن تلائمهم تلك التعديلات وستكون بمثابة تعدٍ على خصوصياتهم وعلى حقوقهم كأفراد.كان الطيران معجزة الإنسان! والآن أصبح مثالاً على تقلص الحريات والمساحات الشخصية لصالح الربح
فالأشخاص الممتلئون أو طوال القامة سيضطرون للانحناء والتلوّي كي يتمكنوا من دخول دورات المياه بالأحجام الجديدة. لا تجهيزات كافية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على متن كل الطائرات، فهم على الأغلب سيحظون بكرسي يساعدهم على الوصول لباب دورة المياه فقط، دون أن يتمكنوا بالضرورة من إدخاله لداخل تلك الغرفة المتناهية في الصغر. والأشخاص الذين يستخدمون العصا المساعدة للسير سيضطرون لتركها خارجاً، فلا مكان لها معهم.
وخارج دورات المياه، يشعر كثيرون بالضيق أو الانزعاج في الأماكن المخصصة لهم. مقاعد ضيقة على الأغلب ولا تناسب أحجام ومقاسات الجميع.
يتحدث ركاب بشكل دوري ويشتكون من توتر وضيق وصل حد الإصابة بمشاكل في الدورة الدموية والضغط نتيجة الاضطرار للبقاء جالسين دون أدنى حراك لساعات طويلة، فبالنسبة لمن يجلسون في الوسط أو جانب النافذة، يصبح النهوض من المقعد بشكل متكرر مغامرة تحتاج وقتاً وتتسبب بالإحراج مع الركاب المجاورين، فيفضّلون المكوث في مكانهم حتى نهاية الرحلة.
في تدوينة على موقع يتيح الفرصة للمسافرين بطرح تساؤلاتهم ومخاوفهم، يتحدث أحد الأشخاص عن نوبات هلع تصيبه نتيجة خوفه من ألا يتسع في مقعد طائرة سيكون على متنها قريباً، ويصل خوفه حد تخيل طرده من الطائرة إن لم يتمكن من الجلوس في تلك المساحة الصغيرة المخصصة له.
إزعاج آخر يتمثل في أحزمة الأمان التي قد لا تناسب مقاسات جميع الركاب وتتسبب بالضغط على بطونهم. يحاول البعض الالتفاف حول هذه المشكلة بحمل حزام آخر على مقاسهم في حقيبة الظهر، لكن المفتشين على بوابة الطائرة يمنعون إدخال هذه الأحزمة لأسباب أمنية ويرمون بها بعيداً قبل صعود حاملها إلى الطائرة.
ماذا عن معايير السلامة؟
بعيداً عن التمييز الذي قد تشعر به بعض فئات الركاب، يشعر مختصون في مجال سلامة رحلات الطيران وحقوق المستهلكين ببعض التخوّفات بشأن معايير السلامة التي تتعرض للخطر مع تلك التغييرات التي تدخلها الشركات على المساحات والأبعاد داخل الطائرات. ففي العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو المدونات الشخصية، يتحدث ركاب عن حوادث ارتطام أو اصطدام تعرضوا لها أثناء الدخول أو الخروج من دورات المياه، أو المرور بين المقاعد، أو حتى محاولة الوقوف أو الجلوس في المساحة الصغيرة المخصصة لكل منهم. حوادث قد تبدو بسيطة لكنها دون شك قد تؤثر على راحة وسلامة الركاب. أمر آخر يهتم به المختصون بالأمان والسلامة وهو مدى تعقيد أي عملية إخلاء اضطرارية قد يضطر لها الركاب في حال تعرّض طائرتهم لحادثة ما. كم من السهل عليهم الخروج من الطائرة بالزمن المطلوب قبل أن تصبح حياتهم في خطر، وهم محصورون في تلك المقاعد والممرات الضيقة؟ مخاوف ومشاكل لم تلقَ أي صدى لدى إدارة الطيران الفيدرالية في الولايات المتحدة، التي أعلنت في شهر تموز/يوليو الفائت بأن المساحات التي تخصصها شركات الطيران لكل راكب، ليست من اختصاصها، ولم تصدر حتى الآن أي قوانين بشأن الحجم الأدنى المسموح به لكل مقعد.نقدم لكم الخدمات الأفضل
لا تعليقات رسمية بعد من شركات الطيران المذكورة حتى بعد ورود عشرات الشكاوى إليها حول تقلّص المساحة الشخصية للركاب. متحدثون رسميون باسم تلك الشركات وغيرها يؤكدون في أكثر من مناسبة حرص الشركات على تقديم أفضل الخدمات لزبائنها. تتضمن تلك الخدمات اتصالاً سريعاً بالانترنت، وقائمة أفضل من الأفلام والألعاب، بما يساعد على مرور الوقت بشكل أسرع، إضافة لتصاميم وألوان مبتكرة يفترض أن تساهم بلفت نظر الركاب إليها وصرف اهتمامهم عن أمور أخرى. لكن ما نفع كل ذلك إن كان بعض الركاب عاجزين عن قضاء حاجتهم؟ كما تعوّل الشركات على أن معظم المسافرين هم على الأغلب ممن يركبون الطائرات بشكل غير منتظم على الإطلاق وبالتالي لن تسترعي انتباههم تلك الأحجام والأبعاد المتقلّصة. كما أن توجه الزبائن للبحث عن الرحلة الأقل تكلفة وليس الأكثر راحة هو التوجه العام اليوم في معظم أنحاء العالم. إذاً هي معادلة متكافئة، فإن قَبل المسافر التخلي عن بعض الرفاهية مقابل بعض النقود، لم لا تلجأ الشركات بدورها للتلاعب بتلك الرفاهية أملاً في المزيد من الأرباح؟ ولننس كل ما يتعلق بالراحة، والسلامة أيضاً.جولة في طائرات بعض الخطوط الجوية
في معظم الطائرات المدنية يمكن للمسافرين اختيار تذكرة الدرجة الأولى أو الاقتصادية. الأولى تعني مقصورة مهيئة لراحة الركاب وتحتوي عادة على عدد محدود من المقاعد أو ربما الأجنحة، وتتراوح المسافة بينها من 150 إلى 240 سنتيمتراً في الرحلات الدولية و85 و170 سنتيمتراً في الرحلات المحلية، كما يتراوح عرض المقعد بين 50 و90 سنتيمتراً، ويخصص مرحاض أو أكثر لخدمة مسافري الدرجة الأولى. أما الدرجة الاقتصادية فتختلف المسافة بين مقاعدها أيضاً حسب وجهة الرحلة وكذلك حسب شركة الطيران ونوع الطائرة المستخدمة، لكنها بكل تأكيد أقل بكثير من الدرجة الأولى. إليكم مقارنة سريعة بين هذه المسافات في بعض أكثر الخطوط الجوية شهرة:- طيران الإمارات من 81 حتى 86 سنتيمتراً وذلك حسب نوع الطائرة (إيرباص، بوينغ)
- الخطوط الجوية الفرنسية 85 سنتيمتراً.
- الخطوط الجوية العمانية 86 سنتيمتراً، وقد حاز الناقل الوطني لهذه الخطوط على عدة تقديرات ضمن تصنيفات دولية من حيث جودة الخدمات التي يقدمها وتجارب المسافرين على متنه.
- مصر للطيران وطيران الخليج 84 سنتيمتراً.
- معظم خطوط الطيران الأمريكية المحلية بين 71 و78 سنتيمتراً.
- شركة إيزي جيت 72 سنتيمتراً على الأقل.
- شركة لوفتهانزا الألمانية 79 سنتيمتراً للرحلات الطويلة و76-81 سنتيمتراً للرحلات المتوسطة والقصيرة وذلك حسب نوع الطائرة.
- شركة الطيران الإيرلندية 79 سنتيمتراً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...