هذه القرية ممنوعة على الرجال... كل الرجال، لا من باب كرههم وإنما لحماية من تبقى من النساء الخارجات من أتون الحرب وجحيم الفقدان. في هذه القرية الكردية في سوريا اختارت النساء غلق الأبواب جميعها بوجه "الغريب".
"هذا ليس فصلاً بين الرجل والمرأة، بل مكان آمن لحماية النساء ممن فقدن معيلهن في الحرب، أو الأرامل والأمهات الوحيدات اللاتي يقع على كاهلهن تربية الأطفال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة". هكذا تعرف رومت هفال قريتها وسكانها وتقول إنها " أول تجربة من نوعها في سوريا والشرق الأوسط، ولن تكون حكراً على الكرديات فقط، بل نرحب بكل راغبة في العيش فيها بغض النظر عن قوميتها ودينها وطائفتها".
البلدة المخصصة للنساء، في محافظة الحكسة بسوريا، تسمى "جينوار"، ويعني الاسم بالعربية "موطن المرأة الكردية” وتم افتتاحها رسمياً في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
بتلك الطريقة "الخاصة جداً"، احتفت النساء الأمازونيات (الكرديات)، في "روجآفا" شمال شرقي سوريا، باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، من خلال إنشاء بلدة للنساء فقط، تصبح وطناً لهن.
وعن أسباب إنشاء جينوار، تقول هفال "نمر اليوم بمرحلة صعبة، تضطرنا لتنظيم صفوف النساء وتوعيتهن وتدريبهن على الحماية الذاتية". وتتابع "لا بد أيضاً من بناء مأوى للمرأة كي تحمي ذاتها وأطفالها، وهذا يتطلب منا العمل على جميع المستويات من أجل تطوير المؤسسات التي تعني بشؤون المرأة".
وتضيف "نسعى إلى إزالة الفروق المبنية على أساس الجنس من ناحية وبين النساء أنفسهن من ناحية أخرى، كما نسعى إلى إثبات قدرات النساء في إدارة أمورهن الحياتية والتعاون فيما بينهن من أجل تطوير مجتمعهن وتجربة قريتهن”. وتضيف: "يسمح للرجال بزيارة أقاربهم من دون السماح لهم بالإقامة".
قصة مبهرة خلف إنشائها
الفكرة التي طرأت لمجموعة من النساء ينتمين لمنظمات نسوية مختلفة بالمناطق التي تقع تحت السيطرة الكردية في محافظة الحسكة منذ 2015، لاقت ترحيباً لدى الهيئات المعنية بالمرأة في روجافا، فوضع حجر الأساس لها في مارس/آذار 2017.
وفي الموعد المقرر، تم افتتاح جينوار في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني".
وبحسب فراشين زردشت، العضو في لجنة بناء جينوار، فقد " تم التخطيط لها لينتهي بناؤها في الوقت المحدد، وها هي المرأة تثبت أنها قادرة على التخطيط والتنفيذ دون تأجيل الأعمال الموكلة إليها".
كما تلفت زردشت إلى أن "15 مؤسسة ومنظمة نسائية أسهمت في بناء القرية، من أبرزها اتحاد ستار وتنظيم المرأة في البلديات ومؤسسة العلاقات الدبلوماسية للمرأة".
وبدأت النساء من تل تمر والدرباسية وكوباني بإعمار القرية بصناعة اللبنات أو القرميد الطيني، مستفيدات من توفر هذه المواد في المنطقة، كما غرست مجموعات أخرى الأشجار كبديل عن بناء الجدران، وسياج حول القرية لتكون صديقة للبيئة. كذلك زودتهن بلدية الدرباسية، التابعة لها القرية، بالآليات اللازمة مثل الجرافات وآليات نقل مواد البناء.
هذه القرية ممنوعة على الرجال... كل الرجال، لا من باب كرههم وإنما لحماية من تبقى من النساء الخارجات من أتون الحرب وجحيم الفقدان. في هذه القرية الكردية في سوريا اختارت النساء غلق الأبواب جميعها بوجه "الغريب".
ممَّ تتكون بلدة النساء؟
القرية التي تتكون من 30 منزلاً، أنشئ فيها مستوصف صحي يحوي أنواعاً مختلفة من الأعشاب وعلاجات الأمراض الخفيفة، ومدرسة ابتدائية ومتحفاً صغيراً ومسرحاً ومخبزاً ومزرعة لزراعة الخضر، مزودة بـ 200 رأس من الأغنام، مع مقهى ومطعم للضيوف ومجلس للمرأة ومشغل للخياطة.
لم يفت النساء التفكير في الجانب الأمني، فنجد وحدات حماية القرية مكونة من الشرطيات الشابات "أسايش المرأة"، ومهمتهن حماية القرية من أي خطر محتمل.
وتعيدنا قصة جينوار إلى قرية السماحة في مصر، حيث تعيش 300 سيدة من الأرامل والمطلقات، لكن الحكومة المصرية خصصتها لهن، في أقصى صعيد مصر، ووفرت لهن الأثاث والمفروشات والأدوات الزراعية ومنحتهن قروضاً لإعالة أسرهن مع فترات مناسبة للسداد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...