شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"لا تبحثي عني، إنْ كنت تحبينني حقاً": هنّ من يتحدى الصمت عن مصير المختفين قسراً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 17 نوفمبر 201807:47 ص
باستضافة وإشراف معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت، أصدرت مؤسسة دولتي، ومؤسسة النساء الآن، تقريراً بعنوان: "خيالات المختفين: شهادات لقريبات المعتقلين السوريين المنسيات في بحر الفقد واللايقين"، الذي أراده صانعوه أن يركز على عائلات المختفين والمعتقلين وأقربائهم خصوصاً من النساء.

الاختفاء القسري

الاختفاء القسري هو "الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو التكتم على مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون"، هكذا ورد التعريف في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، 2006. وفي تقريرها "بين السجن والقبر: حالات الاختفاء القسري في سورية" (2015)، صرحت منظمة العفو الدولية، أن الآلاف يختفون دون أثر، وأنّ: "ممارسات الإخفاء القسري في سورية التي ارتكبتها الحكومة السورية منذ العام 2011 على نطاق واسع تأتي كجزء من هجوم منظم على السكان المدنيين علاوة على كونها عمليات منهجية بما يجعلها ترقى بالتالي إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية". تصرح منظمات حقوقية محلية ودولية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش بأن آلاف السوريين اختفوا دون أن يكون لهم أي أثر.

النساء هنّ أول من يتحدى الصمت المرعي حكومياً عن مصير المختفين قسراً والمفقودين، وهنّ من يتحمل الحقائق الكارثية لهذه الظاهرة المرعبة.

تشير التقديرات إلى اعتقال واختفاء أكثر من 117 ألف شخص في سورية بين عامي 2011 - 2016. يعتقد أن معظم ممارسات الاختفاء القسري تجري على يد النظام الحاكم، إلا أن جماعات مسلحة أخرى مارستها ضد نشطاء حقوقيين ومدنيين، وتشكل النساء بوجه عام أقلية بين المختفين قسراً، إلا أنهن أكثرية بين أفراد الأسر والأقرباء الأشد معاناة من الغبن؛ الاجتماعي والاقتصادي، والقانوني، والنفسي، طويل الأمد. إذاً، يعتبر الاختفاء القسري أحد انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة التي تجري في النزاع المسلح، غير أنه انتهاك لا ينتهي بتوقف النزاع، بل يستمر تأثيره طويل الأجل على المعنيين وأقاربهم والمجتمع المحيط ككل. هذا النوع من الخسارة الغامضة الغامضة يعتبر مشكلة للعلاقات المجتمعية المتبادلة وله آثار متجاوزة للأجيال.

التركيز على النساء من عائلات المختفين والمفقودين

تبين مديرة المناصرة والتواصل في منظمة النساء الآن، آنا فلايشر، سبب تركيز التقرير على النساء من أقرباء المختفين والمعتقلين الذين يشكل غالبيتهم من العنصر الذكوري، قائلة: "عند التركيز على عائلات المختفين قسراً، يعني التركيز على النساء، لأن لحالات الاختفاء والاعتقال أثر اجتماعي، اقتصادي، ونفسي. فالعائلات تشل بالكامل، وتفقد النساء القدرة على الزواج أو حتى التنقثل. فالذكر له دور اقتصادي، ولا تملك النساء القدرة على تحصيل المال أو العمل لتعويض غياب الذكر. لهذا اعتقدنا بأهمية العمل مع النساء، وخصوصاً حين اكتشفنا أنهن لا يملكن المعلومات الكافية كي يتصرّفوا بمفردهن. بينما يوضح التقرير في هذه النقطة: "تم إطلاق مشروع أرشيف التاريخ الشفهي السوري في آب 2016 لمواجهة روايات الاختفاء القسري، التي تركز فقط على المفقودين أو المعتقلين أو المختفين قسرياً. يركز مشروع الأرشيف على قصص قريبات الأشخاص المعتقلين والمختفين والمفقودين في سوريا، بهدف إعطاء المؤرخين والباحثين وناشطي المناصرة فهماً أكبر لحجم قضية الاعتقال والاختفاء القسري. مع مشروع الأرشيف وهذا التقرير، نعتزم التأثير على صنع التاريخ من القاعدة إلى القمة،، عبر تحدي النظم الاجتماعية والاقتصاديّة والسياسية المعيارية والتي تحجب أولويات النساء".
مع أن الرجال هم الأكثر تعرضاً للاختفاء القسري، تبقى النساء الفئة الاجتماعية الأكثر تضرراً من حالات الاختفاء القسري
"في زلمة اعتقلوه أول ما راح يسأل عن ابن عمه. ما حدا بيعرف وين هو. لهيك لما لقيت ما حدا متشجع يروح معي رحت لحالي ع رفوعة المخابرات.. كلن": كثرة الحوادث التي اختفى فيها أقرباء أثناء بحثهم أو دفعهم فدية لذويهم المختفين
قصص علائلات المفقودين والمختفين قسراً، وتجربة البحث ومواجهة اللايقين

منهجية التقرير

من أجل هذا التقرير أجريت مقابلات مع 50 امرأة سورية، تقمن داخل سورية أو في لبنان، لكل واحدة منهن قريب أو أكثر معتقل. يشير التقرير إلى أن النساء المشاركات في المقابلة اختبرن حدثاً مأساوياً واحداً أو أكثر، كالتهجير أوالتعرّض للعنف والحصار إلى جانب الاختفاء القسري لأحد أقاربهن، واعتقال أكثر من قريب واحد، وفقدان أحد أفراد الأسرة بما في ذلك أطفال صغار، وإلى جانب الأشكال السابقة للظلم الاجتماعي بين الجنسين، وأبوية المنظومة القانونية، وتضاعف الأعباء المالية عليهن، أصبح للتجربة تأثير كبير على سبل عيشهن، وصحتهن الجسدية والعقلية. شملت الدراسة 50 مقابلة مع نساء من مجموعات وشرائح ديموغرافية متنوعة وعابرة للخطوط السياسية والعسكرية في سورية، حيث شملت إدلب وحلب والسويداء ودرعا على مستوى المجتمعات المحلية والنازحين الداخليين. كذلك أجريت مقابلات مع لاجئين سوريين في لبنان، في شتورا ومجدل عنجر وفي الأردن في إربد وعمان والرمثا. إلا أن نطاق التقرير كان محدوداً في بعض المناطق، لا سيما في المجتمعات التي تقطن مناطق تسيطر عليها الحكومة والسلطات الكردية. وذلك نتيجة الرقابة المشددة والهواجس الأمنية. حاول صناع التقرير الدخول في شراكات مع منظمات المجتمع المدني العاملة في دمشق ومدن أخرى خاضعة لسيطرة النظام، إلا أنها أبدت تردداً في الانضمام إلى المشروع خوفاً من تعرضها للملاحقة. كما أن العاملين على التقرير اضطروا لإنهاء عملهم في محافظة الحسكة بسبب القيود التي فرضها حزب الإتحاد الديمقراطي، حيث اشترط الأخير على الباحثين خرق مدونة السلوم الخاصة بالمقابلات الميدانية، عبر تقديم تقارير مفصلة حول ما يقوم به فريق العمل على التقرير ومع من يلتقون، مما يشكل انتهاكاً لسرية البحث ، ويهدد سلامة المشاركين فيه وسلامة أقربائهم، نظراً لكثرة حالات الاعتقال والاختفاء التي يمارسها حزب الإتحاد الديمقراطي. تنتمي المشاركات إلى خلفيات عمرية وتعليمية واجتماعية وجغرافية وطبقية متنوعة . قدم التقرير أشكال غرافيكية توضع عمر المشاركات في التقرير، عدد الأولاد وحجم المداخيل المالية، الحالة العائلية، والمستوى التعليمي والثقافي. 54% من المشاركات في التقرير زوجات لمختفين قسراً، 21% منهن أمهات، و15% أخوات لمختفين قسراً، و10% بنات لمختفين قسراً من الحالات التي يتضمنها التقرير. "عايشين وجع وإحباط ومرض، وما بيقدموا شي دعم لعائلات المعتقلين، بيقولوا إنو بس بيقدموا مساعدات ودعم لعائلات الشهداء. طيب نحن نفس الوضع، بدون ازواج، وأنا عندي 8 أولاد" (ميساء محمد، 32 سنة، حلب) جرى التحقق من المعلومات التي تم الحصول عليها حول الاختفاء القسري والمعتقلين من مصادر مختلفة وعدة منظمات حقوقية، ومن بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومركز توثيق الانتهاكات في سورية وغيرها. وقد تم جمع البيانات على مدار أربعة عشر شهراً (آب 2016 - كانون الأول 2017) باستعمال اللغة العربية بشكل أساسي.

الجهات المسؤولة عن حالات الاختفاء القسري

يقدم التقرير معلومات غرافيكية عن توزع الأشخاص المختفين قسرياً بحسب الجهة المسؤولة، وذلك بحسب مصادر الشبكة السورية لحقوق الإنسان في العام 2018 التي توضح: %91 من حالات الاختفاء القسري لأشخاص تمت على أيدي القوات الحكومية. 7% منها تمت على أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة، بينما ما يقارب 2% تعتبر المعارضة المسلحة هي المسؤولة عنها، بينها 1.5% يعتبر حزب الإتحاد الديمقراطي الكردستاني مسؤولاً عنها. صعوبات البحث عن أثر : طيب شو صار؟

الضغوط الاجتماعية والخوف من التعرض للاختفاء

ذكرت بعض النساء أنهن تعرضن لضغوط اجتماعية من قبل أفراد أسرهن حالت دون قيامهن بدور نشط ومباشر في البحث عن أقربائهن المختفين. ومع ذلك، فإن أغلبية النساء شرعن، رغم تقلب ظروف النزاع، في البحث عن أقربائهن بمفردهن ما أن عرفن باختفائهم. ورغم حصولهن على المساعدة أحياناً من قبل أقربائهن أو أسلافهن الذكور، إلا أن هذه المساعدة كانت محدودة وقاصرة نتيجة خطر الاختفاء الذي يواجه الرجال الباحثين عن معلومات. وقد تأسس هذا الخوف وتنامى نتيجة كثرة الحوادث التي اختفى فيها أقرباء ذكور أثناء بحثهم أو دفعهم فدية لذويهم المختفين. "في زلمة اعتقلوه أول ما راح يسأل عن ابن عمه. ما حدا بيعرف وين هو. لهيك لما لقيت ما حدا متشجع يروح معي رحت لحالي ع رفوعة المخابرات.. كلن" (ميساء محمد، 32 سنة، حلب) 

التنقل بحثاً من مكان إلى آخر

وفي بحثهن عن أقربائهن في المستشفيات والمرافق الإدارية المحلية وأفرع المخابرات والسجون، كانت النساء يقطعن المسافات بين المدن، ويتعرضن لسوء المعاملة على الحواجز، ويقضين ساعات طويلة في الانتظار في مكاتب الإستعلامات المزدجمة لتلك المرافق. بعد مجيئها من حلب إلى دمشق، بحثاً عن معلومات عن زوجها، وصفت ميساء الفترة التي قضتها عند معارفها في حي السيدة زينب بالمأساوية. فبالإضافة إلى التحقيق والإذلال المستمرين، استبقى حاجز تلك المنطقة هويتها، ولم يرجعها لها حتى خروجها. كما اضطرت لقضاء يوم كامل في انتظار دورها في مركز استعلامات المخابرات العسكرية في دمشق، رغم وصولها في السادسة صباحاً إلا أنها وجدت حوالي 88 شخصاً واقفين في طابور، لدى كل منهم قصة مفجعة حول شخص مفقود أو أكثر. كانت تلك الكيانات الرسمية تكتفي في كثير من الأحيان بإنكار حصولها على أية معلومات. وحتى، حين تقدم النساء معلومات كافية لتحديد هوية الجاني، كان الجواب يقتصر على الإنكار والمماطلة ريثما يحال الشخص المعني إلى التحقيق، وهو ما لايبدو أنه يحدث فعلاً. معظم الإتصالات تتم بشكل شفهي دون وثائق صالحة ورسمية للطلبات أو للردود.

منع الزيارات وإيصال المساعدات

في حالات قليلة جداً، كانت تتوافر بعض المعلومات عن مصير الشخص المختفي، الذي غالباً ما يكون محتجزاً لدى النظام، إلا أن الزيارات قلما تكون متاحة. وفي حال سمح بزريارة قصيرة، كانت النساء يخضعن لتحقيق شرس وتعنيف لفظي وإذلال على الحواجز بغرض الترهيب، وفي النهاية لقطع الزيارة. علاوة على ذلك، لم يكن يسمح بإدخال الدواء والاحتياجات الأساسية إلى السجن. "لا تبحثي عني مجدداً، إن كنت تحبينني حقاً" بعد مجيئها من حلب إلى دمشق، بحثاً عن معلومات عن زوجها، وصفت ميساء الفترة التي قضتها عند معارفها في حي السيدة زينب بالمأساوية. فبالإضافة إلى التحقيق والإذلال المستمرين، استبقى حاجز تلك المنطقة هويتها، ولم يعد لها حتى خروجها. كما اضطرت لقضاء يوم كامل في انتظار دورها في مركز استعلامات المخابرات العسكرية في دمشق، رغم وصولها في السادسة صباحاً إلا أنها وجدت حوالي 88 شخصاً واقفين في طابور، لدى كل منهم قصة مفجعة حول شخص مفقود أو أكثر. كانت تلك الكيانات الرسمية تكتفي في كثير من الأحيان بإنكار حصولها على أية معلومات. وحتى، حين تقدم النساء معلومات كافية لتحديد هوية الجاني، كان الجواب يقتصر على الإنكار والمماطلة ريثما يحال الشخص المعني إلى التحقيق، وهو ما لايبدو أنه يحدث فعلاً. معظم الإتصالات تتم بشكل شفهي دون وثائق صالحة ورسمية للطلبات أو للردود. في حالات قليلة جداً، كانت تتوافر بعض المعلومات عن مصير الشخص المختفي، الذي غالباً ما يكون محتجزاً لدى النظام، إلا أن الزيارات قلما تكون متاحة. وفي حال سمح بزريارة قصيرة، كانت النساء يخضعن لتحقيق شرس وتعنيف لفظي وإذلال على الحواجز بغرض الترهيب، وفي النهاية لقطع الزيارة. علاوة على ذلك، لم يكن يسمح بإدخال الدواء والاحتياجات الأساسية إلى السجن.

الاستغلال والاحتيال المالي

التجربة التي تشترك فيها جميع النساء في بحثهن عن المختفين قسراً، هي التعرض للابتزاز والحاجة إلى واسطة لتحصيل معلومات.

ليس الوقت والجهود المكثفة ولا حتى العنف المباشر أو الموارب والإذلال والتعنيف اللفظي الثمن الوحيد الذي تدفعه النساء. فقد أضاف الاختفاء القسري عبئاً مالياً إضافياً على النساء، يشمل التكاليف المخصصة لجهودهن البحثية (نفقات السفر، الفديات والرشاوى، والإعداد للزيارة في بعض الحالات). التجربة التي تشترك فيها جميع النساء هي التعرض للابتزاز والحاجة إلى واسطة لتحصيل معلومات. "أنا حملت حالي ورحت ع دمشق، وقعدت بفندق وصرت اسأل عنه. قالولي رح نجمعك فيه بس لازم تدفعي، قال لازم تدفعي نص مليون. قبلت. كنت بدي شوفو، أو يخلوني شوف صورتو وهو بالسجن أو يسمعوني صوتو. ضليت بالفندق أكتر من 10 أيام، كانت الدنيا صيام ورمضان. ما كان عندي لا مطبخ ولا شي. اضطريت اشتري آكل وإدفع هون وهون. وآخر شي طلع كل شي كذب" (سمية حج علي، 57 سنة، إدلب). قالت (نجاح، 22 سنة)، أنه بعد الاعتقال التعسفي الجماعي لجميع الرجال، بما فيهم زوجها، في أحد أحياء مدينة درعا، جاء رجل يطرق على الأبواب ويطالب بالمال مقابل عودة أقربائهم. هي ظنت أنه يعمل مع الجهة التي قامت بالاعتقال، لكن رغبة الأهالي في رؤية أحبائهم مرة أخرى دفعتهم إلى الدفع فـ"الغريق بيتعلق بقشة ".

الحرمان المالي والاقتصادي

فقدان قريب نتيجة الاختفاء القسري لا يؤدي بالضرورة إلى انعدام الأمن الاقتصادي، لكن يبدو أن هذا ما يحدث في مجتمع أبوي مثل سورية للرجال فيه مساهمات اقتصادية حاسمة، ويمثلون فيه المعيل الرئيسي لأسرهم في معظم الحالات. يقترن هذا الترتيب بالمظالم المحددة جندرياً "انقطاع الفتيات عن الدراسة، الزواج المبكر، والمعايير الجنسانية للأعمال التي تعتبر مناسبة للمرأة، والرفض التقليدي لمشاركة النساء في المجالات العامة والاقتصادية".

الاختفاء القسري والتعليم: تأثير جيلي

الكثير من النساء اللواتي تمت مقابلتهن لم يكملن تعليمهن بسبب المعايير الاجتماعية التي تفضل تعليم الصبيان على البنات، وتختزل النساء في أدوارهن كربات منازل وأمهات، أولاً، وثانياً، بسبب الفقر الذي يستدعي الحاجة لبدء العمل في وقت مبكر، وكذلك الزواج والإنجاب المبكر والحاجة للاعتناء بالأطفال. "أنا حبلت. البنات العاديات غير المتزوجات اللي عم يدرسوا ما كانوا أهاليهن يسمحولهن بالذهاب إلى المدرسة بالأحدث أي خلال النزاع، فشو بتتوقعي إذا بنت متزوجة وحامل كمان؟" (س.ع. ، 24 سنة)

مضاعفات قانونية نتيجة تشريعات متحيزة جنسانياً

مسائل الملكية والتعقيدات المتعلقة بها في غياب الزوج قضية حرجة لابد من النظر فيها. فالملكية تعود في الغالب إلى الرجال ضمن الأسرة، وذلك بسبب قوانين الدولة والممارسات الدينية الإسلامية. وحتى في الحالات القليلة التي يتاح للنساء فيها الحصول على دعم قانوني وتحمل تكلفته، تبقى المطالبة بالحق في الممتلكات ضعيفة السند نتيجة غياب الأزواج. ذكرت العديد من النساء أنهن خاطرن بإمكانية فقدان ممتلكاتهن لصالح أحد أفراد أسرة الزوج أو حتى لصالح النظام. الآباء هم أولياء أمور الأطفال وفقاً لقانون الأحوال الشخصية السوري. ونظراً لعدم امتلاكهن الصلاحية القانونية لحضانة أبنائهن، تحتاج النساء لأذن شركائهن الذكور للسفر مع أطفالهن أو القيام بعمل إداري يخصهم. تشرح (صفاء، 35 سنة)، أنها حصلت على توكيل موقع من زوجها قبل اختفائه، ولولاه لما تمكنت من مغادرة البلاد مع أطفالها الثلاثة (2 - 8 سنوات).

التأثير الإجتماعي والنفسي

الكثير من النساء واجهن عوائق نفسية خلال المقابلات أثناء روايتهن قصة اختفاء قريبهن، أو رحلة النزوح، أو ظروفهن المعيشية الحالية. وقد أبلغت النساء عن معاناتهن من أعراض جسدية ونفسية مزمنة بعد اختفاء ذويهن. "اسود العالم بوجهي. ما عاد قدرت حس بحالي، يعني صرت حس كاني بحلم، ما قدرت صدق أنو هالشي صار. صرت اقعد واستناه. حتى الأيام، صرت أحسبهن واحد واحد. اليوم مثلاً رقمه 322، ومن فترة كانوا 250، ولساتني عم عد كل يوم بيومه" (ريم حسين، 24 سنة). " رحت عند دكتور عصبية، سألني إذا كنت عم عاني من مشاكل النوم. قلتلو إني كنت نام كتير، أحياناً يومين أو تلاتة، وما حب يفيقني حدا. قال عندي أعراض هروبية. قلتلو شو يعني؟ قال يعني هروب من الواقع" (دلالال خوري، 27 سنة). "لهلأ كلما إتذكره بحس أنو هلأ أخذوه قدام عيوني: الوجع هو هو. بالعكس عم يزيد كلما عم يكبروا الأولاد" (ميساء محمد، 32 سنة). كذلك تتحمل النساء عبء إخطار أطفالهن بحقيقة اختفاء والدهم. الكثير من النساء أعربن عن خوفهن على الصحة العقلية والنفسية لأطفالهن. " إذا بتشوفي ولادي بتفكرهن مهابيل" (ميساء محمد، 32 سنة).

الاغتراب والاندماج الاجتماعي

سواء بسبب الوصمة الاجتماعية ( الخوف من الإرتباط بعائلات المختفين )، أو زيادة المسؤوليات، أو نتيجة الإكتئاب، أو بسبب النزوح، تبقى النساء محرومات من دوائر دعم اجتماعي خاصة بهن. وقد أثر ذلك على شعورهن حيال المجتمع والطريقة التي ينظرن بها إلى أنفسهن، ثقتهن بأنفسهن ونظرتهن إلى ذواتهن. الإدعاء بوفاة المختفي أملاً بالحصول على المساعدات: بإستثناء بعض قسائم الطعام والمساعدات الطبية والدعم النفسي والاجتماعي المتاح لبعض النساء، ومعظمهن في الدول المجاورة، حيث تتوفر للمنظمات المحلية والدولية مساحة أكبر للعمل، تشعر النساء عموماً انهن منسيات، وأن أرامل الشهداء مفضلات عليهن حين يتعلق الأمر بالمساعدة والدعم. مما حدا مثلاً ب ( أ.إ، 39 سنة)، أن تتظاهر بأن زوجها ميت على أمل أن تتلقى المعونة والدعم. قالت: "طلعتلو شهادة وفاة وكنت متأملة ولادي السبعة يصير عندن رعاية أيتام. ما في دعم منيح لأهالي المعتقلين، لهيك قلتلهن إنو ميت. بنتي يا دوب بتحكي معي هلأ. زعلانة ومحبطة لأني هيك عملت كرمال كم مية ليرة. حاولت وضحلها إني تعبت من غلا المعيشة ومن الديون، والمصاري رح يساعدوا إخواتها. صارت تقلي حاجة تبرري وما بيحقلك تعملي هيك. لما شوفها هيك بختنق وبندم "

توصيات بحسب الموضوع

1. البحث عن أثر

على الهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني دعم حقوق السوريات الساعيات لمعرفة مصير ذويهن المختفين والمعتقلين، وعليها ترديد مطالبهن في محادثات السلام والمفاوضات، وبرامج التنمية الخاصة بالإنتقال العادل والديمقراطي في سورية، كما عليها أن تفتح مجالاً للمساحات الآمنة، يتيح للنساء التواصل ودعم بعضهن البعض، وتنظيم أنفسهن في نهاية المطاف للوصول إلى هذه المساحات بأنفسهن. فلابد أن يتمكن أهالي المعتقلين والمختفين من الوصول إلى ذويهم والتأكد من حصولهم على "حق المعرفة"، ولابد أن يكونوا قادرين على البحث عنهم وتحديد أماكنهم في عملية تحميهم من المضايقات / أو التعنيفات الضمنية أو الصريحة.

2. دعم النساء

تأخذ قريبات المختفين والمعتقلين مسؤوليات وأدوار جديدة في أسرهن، أولاً كمعيلات، والأهم من ذلك كصانعات قرار. رأت قريبات المعتقلين في الفرص التعليمية عنصراً حاسماً يساعد على اجتياز عناء مسؤولياتهن، والتخفيف من الأعباء التي يتحملنها.

3. الوصول إلى آليات العدالة

يشمل ذلك عمليات العدالة التي تتخلل مختلف الاحتياجات اليومية للنساء، من حضانة أطفالهن، وحقوق وملكية العقارات، والمشورات والتمثيل القانوني. ولا ينبغي النظر إلى العدالة على أنها مسار ضيق لإستدامة السلام، بل هي عملية انتقال وشفاء مستمرة قد تؤدي إلى السلام وإنهاء النزاع وأيضاً الحفاظ على السلام بعد مرحلة الإنتقال في سورية.

4. التعامل مع التأثير النفسي والاجتماعي على النساء

على منظمات المجتمع المدني تشجيع برامج المعونة لعائلات المختفين والمعتقلين. كما يعتبر الوصول إلى الدعم النفسي الاجتماعي خطوة هامة بالنسبة للكثير من قريبات المعتقلين للتعامل مع تجاربهن الراضة والتغلب عليها والتأقلم مع مضاعفاتها بشكل أفضل. كما قد تسمح المعونة والدعم المالي للنساء بالتعامل بشكل أفضل مع متطلبات أسرهن وأهليهن. ولا ينبغي أن تكون هذه المعونة لمن فقط تحقق من وفاة معيلهن، بل عليها أن تشمل أيضاً اللواتي مازلن يبحثن عن المعيل المفقود.

5. الذاكرة والحشد المجتمعي

لقد أثبت أن الإهتمام بالذاكرة والحشد المجتمعي لدعم قريبات المختفين والمعتقلين عمليات ذات قيمة للنساء وعائلات المعتقلين.

6. السلام والأمن

تكشف القصص التي جرى استعراضها وتحليلها في هذا التقرير مستويات مختلفة من تأثير النزاع على قريبات المعتقلين والمختفين. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من القصص مخفية وغير معروفة في مناطق لم تكن في متناول القائمين على المشروع نتيجة القيود الأمنية. على أي شكل من أشكال السلام القادم أن يقوم على وعد إسماع أصوات جميع السوريين، وتغليبها على التوازن العسكري الذي سيعمق المظالم التي تشعر بها النساء.

7. دور الفن

وعن دور الفن في هذه القضايا تبين (وداد حلواني ) رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان: (في تجربتنا التي دامت طويلاً كان للفن دور قوي. جزء كبير من أنشطتنا استخدمنا فيها الفن للتعريف بقضيتنا. الصوت والصورة، الوثائقيات، والأغاني مع الفيديو كليب الموضح لصعوبة حالة الفقدان والغموض)، وتروي الحلواني عن مشروع فني قامت به عائلات المفقودين بعنوان (مشروع كرسي المفقود) وهو عبارة عن معرض فني تشارك فيه كل عائلة مفقود برسم على كرسي المفقود رسومات تعبر عنه. تقول الحلواني: (كان الأهالي يرسمون، وكان هذا مساعداً لهم للغاية للتعبير عن انفسهم وللتواصل فيما بينهم ومع الإعلام والرأي العام الاجتماعي) يضم التقرير أيضاً توصيات بحسب الجهات الفاعلة . يمكن الحصول على التقرير والاطلاع عليه باللغة العربية واللغة الإنكليزية على الرابط. من الأمهات اللواتي تجمعن أمام العديد من مؤسسات الدولة في بوينس آيريس - الأرجنتين عام 1997، ليكن أول الباحثات عن مصير أقربائهن المفقودين، إلى أولئك اللواتي مازلن حتى الآن يبحثن عن أقربائهن في بيروت بعد 28 سنة من نهاية الحرب الأهلية في لبنان، كانت النساء أول من يتحدى الصمت المرعي حكومياً عن مصير المختفين قسراً والمفقودين. لقد عانت النساء في سوريا من محن كبيرة أثناء بحثهن عن ازواجهن وأبنائهن وبناتهن وأقربائهن الذين مازالوا معتقلين تعسفياً أو مختفين قسرياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image