شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
دليلكم إلى المواطن المثالي في

دليلكم إلى المواطن المثالي في "جمهورية عبد الفتاح السيسي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 17 نوفمبر 201802:14 م
في حديثه خلال منتدى شباب العالم الذي انعقد في شرم الشيخ منذ فترة، أضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على قائمته للسمات التي يجب أن يتحلى بها المواطن المصري "المثالي" متطلبات جديدة: الوزن، أسلوب الحياة، الأولويات وطريقة التفكير. على مدار خمس سنوات، وضع الرئيس المصري في خطاباته ومداخلاته وحواراته الكثيرة قائمة توجيهات على المواطن أن يلتزم بها، وأشار إلى مجموعة صفات لا بد للمصري أن يكتسبها "في سبيل بناء الدولة". يرى السيسي نفسه منقذاً جاء في لحظة تاريخية لانتشال الدولة المصرية وحمايتها من السقوط والتفكك. لا يفرّق بين الدولة والنظام الحاكم، ويعتبر أن جنوده في هذه المهمة هم المواطنون الذين يجب أن يمتثلوا لتعليماته وأوامره. أول سمة يجب أن يتمتع بها المواطن المنشود في "يوتوبيا الرئيس" هي "الخوف على الدولة". لا مانع هنا من أن يتحوّل الأمر إلى هاجس، بل أكثر: على المواطن أن يُصاب بالفوبيا كما وجهه الرئيس في مؤتمر الشباب بالإسكندرية. "لازم يبقى عندنا فوبيا، فوبيا من إسقاط الدولة"، قال للشباب، مع أن الفوبيا في تعريفها هي مرض نفسي يعاني المصاب به من "الخوف غير المبرر"! و"المواطن المثالي" ليس مسموحاً له بالتدخين كوسيلة سلبية للتنفيس عن مشاكله، فالرئيس لا يحب السجائر. قال ذلك خلال المؤتمر الوطني السادس في يوليو الماضي: "لو بيعاني (المواطن) مثلاً، بيشرب سجاير، ومش عايز، وعايز يبطل. أنا ما بحبش السجاير خالص... خااالص". وانطلاقاً من مهمته في بناء الدولة، يجب على هذا المواطن أن يحسب حساب كل كلمة تخرج منه. فلنفرض أن سلعة قفز سعرها وتضاعف عدة مرات خلال أيام، أو أن أزمة ضربت سلعة أخرى وحدث نقص حاد فيها في الأسواق، أو أن قيمة رواتب ومدخرات المواطنين هبطت بصورة حادة نتيجة السياسات الاقتصادية، هل تُعتبر هذه أسباباً تبرّر للمواطنين إطلاق ألسنتهم على الحكومة وانتقاد السلطة؟ لا، وفق نظرة السيسي الذي قال مرّة: "عايزين تبنوا بلدكو، وتبقو دولة ذات قيمة، ولا هندوّر عالبطاطس؟ ولا حندوّر عالبطاطس يا دكتور محمد؟!". بالطبع قدّم الدكتور محمد الذي لا نعرفه الإجابة النموذجية: "نبنبي بلدنا"، وصفق الحضور، ليضيف الرئيس بحزم أن المهمة تقتضي التحمل والمعاناة والصبر. "البطاطس بـ11 جنيه و12 جنيه و13 جنيه... البلاد ما بتتبنيش كده، البلاد بتتبني بالمعاناة وبالأسية، بالمعاناة وبالأسية". تلك لم تكن المرة الأولى التي يطلب فيها السيسي من المواطنين عدم التعليق على الأحداث، على طريقة الأمر العسكري الذي يوجه لجنود الجيش "امنع الكلام يا عسكري". هذا الطلب قدّمه من قبل، خلال حديثه عن أزمة جزيرتي تيران وصنافير: "أرجو الموضوع ده منتكلمش فيه تاني"، مبرراً طلبه بقوله: "إنتو بتسيئوا لنفسكم". ولكن لا. لا يرضى الرئيس بأن يكون دور المواطن سلبياً على طول الخط. المواطن له دور إيجابي أيضاً. ففي معرض حديثه عن الزيادة السكانية المتسارعة، لم يطلب من المواطن أن يحدد نسله فقط، بل أيضاً أن يحثّ غيره على ذلك. "حد بيعدي على أخوه أو جاره أو حتى الحارس اللي موجود عنده بيقوله إنت عندك كام طفل؟ كفاية كده؟ حد بيعمل كده؟!"، تساءل السيسي مستنكراً.
على مدار خمس سنوات، وضع الرئيس المصري في خطاباته ومداخلاته وحواراته الكثيرة قائمة توجيهات على "المواطن المثالي" أن يلتزم بها، وأشار إلى مجموعة صفات لا بد للمصري أن يكتسبها "في سبيل بناء الدولة"
الهوس في "نظرة الآخر لنا" حاضر دائماً. لا بد ألا يرى الآخر إلا كل ما هو "مرسوم" عن مصر. ليس شرطاً أن يكون ذلك دقيقاً. ولكن هذه هي الصورة التي يريد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصديرها
يقع على عاتق المواطن أيضاً أن يكون واجهة "مشرّفة" لبلاده أمام العالم. يجب عليه أن يحرص على المشاركة في جميع الاستحاقات الانتخابية ليقول للعالم إنه يعيش أزهى عصور الديمقراطية. "انزلوا وقولوا اللي انتوا عايزينه. حق بلدكو عليكو إن انتو تنزلوا... ينزل في الانتخابات حضور كبير، نسبة عالية العالم كله يتكلم عنها"، قال. ولكي تكتمل الصورة المنشودة التي يسعى الرئيس إلى تصديرها عن بلاده و"رعيّته"، وصل في تعليماته إلى شكل المواطن الذي عليه أن يهتم بوزنه ويحافظ على رشاقته. فبعد عرض تقرير مصوّر مع طلاب الجامعات في مؤتمر الشباب في شرم الشيخ كانت أولى ملاحظات الرئيس أن وزن الطلاب زائد، وعلّق: "ده نص الوزن عايز يتشال"، وأضاف: "أنا عايز ولادي يُنظر لها بالبَنان... الناس تطّلع ليهم أكنهم مرسومين". ينصح الرئيس المواطنين في سبيل التخلص من هذا الوزن الزائد بالإكثار من المشي، "الناس تمشي وتمشي، وتركب يعني وسائل المواصلات دي بس في الحاجة اللي فوق الكيلو". الهوس في "نظرة الآخر لنا" حاضر دائماً. لا بد ألا يرى الآخر إلا كل ما هو "مرسوم" عن مصر. ليس شرطاً أن يكون ذلك دقيقاً. سبق للرئيس التشديد على أنه لن يسمح بإنتاج أفلام تتناول المناطق العشوائية المنتشرة في مصر لأنها "تجعل البعض يعايرنا بالفقر، وهذا لن أصمت تجاهه". يقدّم السيسي نفسه كقدوة للمواطنين ليحتذوا به ويسيروا على خطاه. فعل ذلك خلال حديثه في جلسة بعنوان "تمكين المرأة" بقوله: "أنا كنت في أسرتي، عايشين في بيت فيه كل أسرتي، كان كل بنات البيت يقولوا: يا ريت بابانا عمو عبد الفتاح... يا ريت بابانا عمو عبد الفتاح. أنا بكلمكم بجد. وأنا كنت بعمل دا ليس تفضلاً لهم، واسألوا عن دا، احترام كبير جداً للبنت اللي قد كدا، واللي قد كدا، ومعاملة بمنتهى اللطف". واستطرد "الولاد كنت أبقى قاسي جداً معاهم، لكن البنات لأ". أما لماذا تجب القسوة على الأولاد الذكور وما هي أسس هذه النظرية التربوية، فلا أحد يعرف. ولكن على أية حال، يجب على المواطنين أن يقتدوا برئيسهم. لا يثني الرئيس على "وعي" المصريين إلا عندما يتطرق إلى الحديث عن "تحملهم من أجل الحفاظ على الدولة"، ولكن عندما يطالب أحدهم بتأجيل زيادات أسعار المحروقات والكهرباء رفقاً بالمواطن، يقاطعه الرئيس غاضباً ويسأله مستنكراً "أنت مين؟". وعندما يُعرّف المتحدث نفسه بأنه عضو في مجلس النواب، ينطلق السيسي معنفاً إياه: "نواب إيه؟ إنت دارس الموضوع اللي بتتكلم فيه دا؟ إنت دارسه؟ إيه دا؟... تقولي أرجيء أرجيء. أنت عايز دولة تقوم ولا عايزها تفضل ميتة؟!"". حدث ذلك خلال افتتاح السيسي عدداً من المشروعات في دمياط. يرى السيسي نفسه في موقع القائد والمعلم. جاء لينقذ الدولة ويقوّم شعبها الذي انفلت عياره، وثار على النظام الحاكم. هذا الشعب يحتاج إلى التربية من جديد من وجهة نظر الرئيس الذي يستخدم في سبيل ذلك عدة أساليب، تتنوع بين الطلب بخجل وبوجه محمرّ، وبين تقديم نفسه كقدوة، أو توجيه اللوم والسخرية اللاذعة، وصولاً إلى الشدة والحزم والتعنيف مع وجه محتقن وعروق نافرة. تشير الدراسات التربوية إلى أن أسلوب الثواب والعقاب هو أفضل الأساليب للتربية. لكن المواطن المصري في "جمهورية عبد الفتاح السيسي" لا يجد إلا "المعاناة والأسية".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image