يضع الزمن أصابعه بقسوة على أرواحنا، تتغير مفاهيمنا عن الحياة والناس، نرتدي أثوابًا متعددة من طفولة متمردة لمراهقة مكبوتة أو طائشة، لنضج قد يصل أوّلًا. إنها آلة الزمن وعقارب الوقت، تتحرك للأمام دائمًا، نشعر جميعًا بما فعله الزمن بنا، البعض يشعر أنه ضحية زمن خطف كثيرًا من أحلامنا وهو يسير بنا، جعلنا أشخاصًا لا نعرفهم، حوّلنا من أطفال إلى شياطين لبعض الوقت، معه أحيانًا شعرنا بالهزيمة، أحيانًا أخرى شعرنا أننا نسير فى طريق إجباري كما يملي علينا المجتمع؛ دراسة/ عمل/ زواج/ إنجاب.. إنها دورة حياة كما كل الكائنات، في المدارس علمونا دورة حياة الدودة، لكن لم يعلمونا كيف نحتمل الحياة ونسير معها كبشر؟ كيف نتقبل اختلاف طبيعة حياتنا وتطورها؟ كيف نتعامل مع اختلاف أدوارنا الحياتية من أطفال مدللين إلى أمهات وآباء يتجرعون يوميًا كأس المسؤولية المرّ؟
أشعر أني أمرّ حاليًا بقسوة ما يُسمى "أزمة منتصف العمر"، وأشعر بروح خانقة تسيطر على أنفاسي… أكتفي بنظرة ضجرة للحياة والوقت، أسأل نفسي كيف تحوّلت من طفلة فى حضن أمي إلى أمّ مسؤولة عن طفل وزوج؟ أشعر بقسوة هذا الدور الذى يؤديه يوميًا ملايين الناس. نعم، أنا لا أضيف كثيرًا للحياة فى مجملها، لكنني غير راضية عن دور الأمّ وتعقد مسؤوليات هذا الدور، أصبحت أستيقظ كثيرًا في الليالي لإعطاء الدواء لصغيري، أو لوضع الطعام في الثلاجة، لإغلاق الأنوار التي تملأ الشقة، لإغلاق جهاز التلفزيون في الصالة. أستيقظ صباحًا مع مهام أخرى، مع دورة الطعام اليومية فى الصباح أشعر أنني رفيقة المطبخ، أنفاس البوتاجاز والطعام لا تشعرني بالحياة، أشعر بثقل الوقت الذى يتبعه فوضى غير خلاقة لأطباق وأواني الطبخ.
أطرح يوميًا عليهم السؤال الذي تركه لنا الرئيس معمر القذافي: من أنتم؟ أتذكر، وأنا أتجه صباحًا إلى تحضير مشروب الصباح، صوت الفنان عادل إمام في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة: "دا أنا غلبان ". أصرخ في داخلي، ولا أحد يسمعني. يرغب ابني في الذهاب إلى الحضانة. ينتظر زوجي الجالس أمام التلفزيون الإفطار على السفرة. أنا أشعر أني أعمل بالسخرة! كل يوم أسأل نفسي لماذا تعيش النساء حياة غير عادلة ؟ لماذا ما زالنا نعيش في منظومة "أبي يعمل، أمّي تكنس وتطبخ"؟
أزمة منتصف العمر؟
قرأت عن أزمتي الحالية تعريفًا يقول: "الجَميعُ سَيمُرُّ بمراحِلِ العُمريّةِ بأكمَلِها إلى سِنِّ قد لا يتجاوز ال 90 سَنَة كَحد أقصى، فَهذِهِ المَراحِل سِواء كانَ عِندَ الرّجال أو النّساء تتَغَيّر فِيها الهِرمُوناتِ البَشَريّة والأجسامِ والأفكَار وطَريقَةِ العَيش، وَهُناكَ مَرحلَة تُعرف بأزمَةِ مُنتَصَف العُمر وَهُوَ سِنُّ الأربعين وَيَحْدُث تَغَيّر كامِل بالشّخصِيّة، وَهذا العمر هُوَ الأخطَر نَتِيجَة الانِتَقال مِن مَرحَلَة شَبابِيّة إلى مَرحَلَةِ الثّباتِ والنّضُوجِ الفِكرِي، والبعضُ على الأغلَبِ قَد يَصِلُ إلى أزمةِ مُنتصفِ العُمر وَقَد أنجَزَ أشياءٌ مُهِمّة فِي حَياتهِ كالزّواجِ والإنجابِ وَجَمعِ المَال والعَمَلِ أو تَحقِيقِ الغايات، وَعِندَ الوُصولِ إلى أزمَةِ مُنتَصَف العُمُر تَتَغَيّر هَذِهِ الأهدافُ الّتي كانَت فِي السّابِق كَتَحقِيقِ غَاياتٍ أفضَل وأسمَى مِن قَبل مِثلَ تَعليمِ الأبناء وتأسيس مُستَقبَل لَهُم فَهذِهِ المَرحَلَةِ تتغَيّرُ فِيها أهدَافُكَ الشّخصِيّة إلى أهدافٍ أخرَى تَسعَى خَلفَها.
أشعر دائما بتفاهة ما يكتب لتوصيف أزماتنا، أنا لم أصل للأربعين، وما زلت في الثانية والثلاثين من عمري. أزمتي مع الزمن، فى إنكار الدور الذى أصبحت فيه، فى الشكل الذى يضعنا فيه المجتمع... يجب أن نضحك فى الصورة حتى لو كنا غير سعداء، هذا أمر ضد الإنسانية، بعيدًا عن مشاغل الحياة اليومية وارتفاع الأسعار اليومية الذي يأكل حياة الملايين فى مصر، هناك كائن يعاني نفسيًا، أنت لا تشعر به، حالة المعاناة النفسية ليست رفاهية ولا تغير هرموني، أصبحنا نلقي عليه كافة مشاكلنا، قد تكون أزماتنا الحالية أن لا أحد أصبح يسمعنا.. صرنا كبار! هذا غير حقيقي، البعض منا ما زال يحمل قلب طفل ويحتاج للرعاية والإهتمام. أنا عن نفسي، أصرخ مع تحوّل أمي للشيخوخة، ظلت طوال عمري تلعب معي كل الأدوار الأب والأم والصديقة، صعب أن أرى القائد والزمن يهزمه ليصل للصف الأخير.
أشعر بقسوة هذا الدور الذى يؤديه يوميًا ملايين الناس. نعم، أنا لا أضيف كثيرًا للحياة فى مجملها، لكنني غير راضية عن دور الأمّ وتعقد مسؤوليات هذا الدور.
يرغب ابني في الذهاب إلى الحضانة. ينتظر زوجي الجالس أمام التلفزيون الإفطار على السفرة. أنا أشعر أني أعمل بالسخرة!
الكوافير هي المساحة الوحيدة للترفيه فى حياتي. هناك أشعر بحميمية خاصة، أشعر بين الصبايا والنساء وقصصهن بأن هناك فضاء خاصًّا من الصدق ومشاركة التجارب
الهروب إلى الكوافير
الكوافير هي المساحة الوحيدة للترفيه فى حياتي. هناك أشعر بحميمية خاصة، أشعر بين الصبايا والنساء وقصصهن بأن هناك فضاء خاصًّا من الصدق ومشاركة التجارب. إلّا أنه مؤخرًا، صارت تتردد إلى الكوافير صبايا فى عمر ما قبل العشرين؛ أيّ عمر الحب. النظر للجسد ومحاولة تجميله واستعراضه من أجل الحصول على عريس فى شوارع مصر. أحيانًا يسبق دوري إحداهن فترغب فى الانصراف قبلي، فأوافق لتقول لي بعدها: "شكرًا يا طنط!". هي لا تعلم بعد مرارة أن أسمع تلك الكلمة، أشعر أنني بالأمس فقط كان يقول لي أحد: "اتفضلي الباقي يا آنسة ". من الجاني؟ هل تغيّر شكلي لهذه الدرجة؟ هل تسربت التجاعيد إلى وجهي أم زحف الزمن بثقله على روحي أم أنا من أنكر عمري واستسلم للمعايير المجتمعية للعمر؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.