شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
احتجاجاً على الصورة المألوفة لـ

احتجاجاً على الصورة المألوفة لـ"الإله" في المخيلة الإيمانية التقليدية: رجل أبيض عجوز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 29 ديسمبر 201807:52 م
"بدأ النقد النسوي للدين باحتجاج ضد هذه الصورة المألوفة عن الله كرجل أبيض عجوز في المخيلة الإيمانية التقليدية. هذا الإله معروف من خلال صورة الراعي والملك والأب". هذا ما تقوله المؤرخة النسوية اللاهوتية، كارول بي كريست في كتابها "هي القادرة على التغيير: إعادة تخيل الألوهية في العالم She who Changes: Re-Imagining the Divine in the World". هل ما قالته كريست ينطبق على الثقافة الإسلامية؟ وهل يتماشى هذا مع كونه إلها خالقاً لكل الكائنات والمخلوقات؟ هل هذه المخيلة عن الله لها علاقة بثقافة بشرية هيمنت عليها نظم باتريكاركية تاريخياً؟ هل الحديث الأنسب يتناول التراث الإنساني المليء بالخيال بصيغة ذكورية؟ "ليس كمثله شيء" بنص الآية القرآنية، أي أنه لا يخضع للمفهوم الجندري "الذكر والأنثى"، ولكن بعض النصوص التراثية، إضافة إلى التفسيرات التي لم تخلوا من خيال ذكوري، قد تجعلنا نفهم الأمر على غير المقصود منه، فكيف حدث ذلك؟ بداية لا بدّ من الإشارة إلى مصادر الداسات الإسلامية، التي تبحث في وجود الله وذاته وصفاته، التي جاءت إما من القرآن وتفاسيره، أو من السنة، وهي الأحاديث المنسوبة للنبي محمد، ثم تفسيرات الصحابة والتابعين للقرآن والأحاديث، وأفعال الصحابة التي أقرها النبي والتي نقلتها كتب التاريخ، أو اجتهادات العلماء التي أثرت في مخيلة الكثير من المسلمين. لندرك كيف حدث سوء الفهم، ونعرف أي هذه المصادر تسببت في سوء الفهم.

خَلَق آدم على هيئته.. لماذا يعامل الله بصيغة "المذكر" في المخيلة الإسلامية؟

ماذا عن القرآن؟

أعد الباحث بجامعة أديامان التركية مصطفى إفيق "MUSTAFA ÇEVİK"، بحثاً بعنوان " الله والنوع في الإسلام - God and Gender in Islam"، واتجه خلاله إلى أن القرآن لم يصور الله كذكر، وأن المسألة مجرد سوء فهم وتفسير للآيات؛ لأن الله في القرآن يشير إلى نفسه دائما بضمير المُذكّر "هو". ولكن هل يكفي الاحتجاج بذلك، فقط لأن القرآن يذكر الله بضمير "المذكر"؟  يتسائل إفيق ثم يجيب: من المعروف بوضوح أنّ اللغة العربية، خاصة حين نتحدث بها عن المفرد، لا بدّ من استخدام أحد الضمائر. وهناك أشياء تُؤنّث وهي ليست بأنثى، وهناك أشياء تُذَكّر رغم أنها ليست بذكر؛ فالتذكير والتأنيث يرتبطان إمّا بالإنسان أو الحيوان أو النبات، أما الشمس فليست بذكر ولا بأنثى ولكنها تُعامل كأنثى، والقمر ليس بذكر ولا بأنثى ولكنه يعامل كذكر، وغيرها من أشياء تؤنث أو تذكر على سبيل المجاز.
يمكن القول بشكل لا لبس فيه: إن اختيار الله للضمير المذكر للحديث به عن نفسه في السياق الإسلامي، هو أمر لا يحتوي على أي رسالة فلسفية أو عقائدية عميقة، ولكنها مسألة نحوية بحتة
يمكننا أن نرى بوضوح أن صفات الله المعبرة عن الحب والمغفرة والرحمة والنعم والجمال والأنس والعاطفة، تنتمي إلى صفات المرأة في المخيلة الإنسانية، ويتم التعامل معها على نطاق أوسع من صفات الله الأخرى، بل هي محببة إلى المؤمنين به أكثر من غيرها
وبالتالي فإن حديث الله عن نفسه بضمير المذكر هو مجازي، إضافة إلى أن الله لو استعاض عن الضمير المذكر بضمير المؤنث "هي"، كان سيثير نفس التساؤلات بالنسبة للذكور، وكنا سنفحص القضية من الاتجاه الآخر. ويمكن القول بشكل لا لبس فيه: إن اختيار الله للضمير المذكر للحديث به عن نفسه، هو أمر لا يحتوي على أي رسالة فلسفية أو عقائدية عميقة، ولكنها مسألة نحوية بحتة، يقول مصطفى إفيق.

سرديات كتب التراث

على عكس القرآن نجد السرديات التقليدية تعزز من تلك النظرة الذكورية، "خاصة مع التفسيرات السلفية لتلك النصوص، حيث نلحظ أكثر من حديث على درجة كبيرة من الصحة (من وجهة نظر علماء الحديث)، أقرت بأن الله خلق آدم (أبو البشر) على هيئته. فروى البخاري ومسلم عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبِيّ أنه قال: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ..." وروى مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي قال: "إذا قاتل أحدُكم أخاه فليَجتنب الوجه فَإِنَّ اللَّه خلق آدم علَى صُورته". وروى ابن أبي عاصم في السنة عن عبدالله ابن عمر ابن الخطاب أن النبي قال: "لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خُلِقَ على صورة الرحمنِ". وفي كتابه "نقض أساس التقديس"، يرى المُنَظّر السلفي الشهير ابن تيمية، أن الثابت في القرون الثلاثة الأولى للإسلام، أن الضمير في كلمة "صورته" المتكررة في أكثر من حديث يعود إلى الله، أي أن الله خلق آدم شبيها له في الشكل، ولكن الأمر اختلف بعد ظهور الحركة "الجَهْمِيّة" التي اعتبرت أن الضمير عائد إلى غير الله. ويؤكد ابن تيمية على التفسير السلفي الشائع لآيات القرآن التي تتناول شكل الله، والتي شملت نصوصا مثل "يد الله فوق أيديهم"، "فثم وجه الله"، بأن الله له يد ووجه وغيرها من الأعضاء التي تجعل الله شبيهاً بالإنسان في شكله، ولكنها يد ليست كاليد ووجه ليس كالوجه، ولا نستطيع أن نصل إلى صورتها بخيالنا. وهو تفسير اختلف معه فلاسفة آخرون، وقالوا إن المقصود هنا ليس ظاهر الألفاظ، وإنما معان مجازية استخدمها العرب كثيرا في التعبير عن أشياء أخرى، فاليد ما هي إلا تعبير عن القدرة، والوجه هو تعبير عن الإقبال والاهتمام وعن عين الشيء وماهيته، وغيرها من مجازات تقبلها فرق مؤولة كالمعتزلة والجهمية والأشاعرة، ولكن لا يقبلها السلفيون، ومن يسمون أنفسهم "أهل السنة والجماعة". ووفقا للتفسير السلفي، فنحن هنا نتحدث عن صورة الله كآدم (الذكر)، لا كحواء التي تحفل الأدبيات الإسلامية بكتابات تشير إلى أنها خلقت من ضلع آدم، أي أنها كائن تابع، خُلِق من الرجل الذي خلقه الله على هيئته.

الخيال الذكوري في فهم الله.. لماذا؟

كل الديانات هيمن عليها الذكور، أو على الأقل الديانات الإبراهيمية؛ فهُم الأنبياء والحواريون والصحابة ثم الأغلبية الكاسحة من المفسرين وناقلين الدين إلى الناس، وارتبط الدين بأشخاصهم كذكور، ما غذى الخيال الذكوري في قراءة النصوص الدينية، ولا يمكن فصل خيالاتنا أبدا عن فهم الألوهية، كما يقول مصطفى إفيق. ويعزز من تلك النظرة ما اتجه إليه فيلسوف الأديان البريطاني جون هيك، حيث يقول: "إن كل نوايانا وخبراتنا في فهم الله ليست فقط نتيجة للقدرة المعرفية، ولا يمكن تجنيبها المساهمات غير الطوعية الناتجة عن حالتنا الذهنية، والصور التي تنفرد بها محاولاتنا لفهم رسائل الله لنا"، بحسب كتاب "الأديان والحقيقة: التعددية الدينية في فلسفة جون هيك وسيد حسين نصر- Dinler ve Hakikat / J. Hick ve S. H. Nasr'ın Felsefesinde Dinî Çoğulculuk" لعدنان أصلان. ثم يوضح هيك ما يقصده، بحسب المصدر نفسه، ويقول: "الحقيقة الإلهية معروفة لنا بالضرورة في الأشكال التي أصبحت ممكنة لعقولنا، بفضل مواردنا المفاهيمية وممارساتنا الروحية"، أي أننا نفهم الله في إطار ما تمليه علينا مفاهيمنا واستعداداتنا المسبقة. وهذا يعني أن العقل البشري لا يتجنب بسهولة مصيدة التقسيم الجنسي، لأنه يحاول أن يتفهم ويتصور سمات الله، وفقا لقدراته وخياله.

لا يليق بالله أن يكون امرأة

من ناحية أخرى، تضع سرديات إسلامية المرأة في مكانة أدنى، ولذلك لا يمكن أن يكون الله "أنثى" في خيال المسلم، فباعتباره الإله لا بدّ أن يكون في الصورة الكاملة، وهو بالطبع خيال زائف، فندته عالمة اللاهوت الباكستانية، والباحثة في النسوية الإسلامية رفعت حسن في كتابها "تحدي الصور النمطية للأصولية: منظور نسوي إسلامي Challenging the Stereotypes of Fundamentalism: An Islamic Feminist Perspective".

بحسب القرآن، لم تخلق حواء من ضلع آدم، ولم تكن سبباً في طرده من الجنة

تقول رفعت إن هناك 3 أحكام مسبقة تتعلق بالوضع الأنطولوجي للمرأة (الصورة غير المادية للمرأة) لدى المسلمين، وهي: 1- أن الخلق الأساسي للإنسان هو الرجل وليس المرأة، حيث يُعتقد أن المرأة قد خلقت من ضلع الرجل، وبالتالي، فإن المرأة ليست خلقا أصيلا، بل مشتق من الناحية الجينية والثانوية من الرجل. 2- هي سبب طرد الرجل (آدم) من الجنة. 3- تلك المرأة لم تخلق فقط من ضلع رجل، ولكن أيضا لخدمة الرجل، الأمر الذي يجعل وجودها مجرد أداة أساسية وليست أساسية. فندت رفعت تلك الادعاءات، فبينت أنّ خلق حواء من ضلع آدم لم يرد في القرآن، بل أضيف كتفسير لقصة الخلق في كتب التفسير والحديث، كنوع من تداعيات تقليد التوراة في الثقافة الإسلامية، وتوصف بأنها إسرائيليات، ولكن الأكيد أن الله يقول في القرآن، في أكثر من موضع إنه خلق الناس جميعا من نفس واحدة، ومنها ما جاء في سورة الأنعام: "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع"، وسورة الأعراف: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها"، وغيرها من الآيات. أما طرد آدم من الجنة بسبب حواء فهو أمر لم يرد في القرآن بتاتاً، ولكن ما ورد عن الأكل من الشجرة التي حرمهما الله عليهما، أن الشيطان "أزلهما" آي آدم وحواء، بحسب ما جاء في سورة البقرة: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ، وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ".  وفي سورة الأعراف أيضاً، نلاحظ أن وسوسة الشيطان كانت للثنائي، ولوم الله كان للثنائي، دون تحميل طرف منهما مسؤولية أكبر من الآخر: "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ، فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ". أما النقطة الثالثة حول خلق المرأة لخدمة الرجل، فهو أمر لا يوجد دليل واحد في القرآن يدعمه، بحسب رفعت حسن.

ناقصات عقل

بفعل أحاديث منسوبة للنبي، توضع المرأة في الأذهان على أنها مصدر لنقص العقل، وهو بالتبعية أمر يؤدي إلى النقصان في كل شيء، مثل قوله الذي أورده كلا من البخاري ومسلم في صحيحيهما: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ...". لن نناقش مدى صحة هذا الحديث، ونخوض في النقاش المحتدم حول إعادة النظر في التراث الإسلامي، ولكني أريد التأكيد على أن مسألة "نقصان" عقل المرأة ممتدة في الخيال الإنساني كله، وموجودة من قبل ظهور الإسلام بكثير. وتمتد مسألة نقصان عقل المرأة للخيال الإنساني كله، ومن قبل الإسلام بكثير، ففي الرموز والأساطير في الحضارات القديمة المختلفة، تشكل الأنثى محتوى العواطف والرغبة والاحتياجات البيولوجية للحياة، الذي أدى بالتبعية إلى إشعال حروب ودمار وموت، وهي أمور تعني افتقار المرأة للعقل الرشيد، في حين يتم تصوير الرجل دائماً على أنه مصدر الحكمة والعقل الشديد، بحسب ما توضح "باميلا سو أندرسون Pamela Sue Anderson" في كتابها "فلسفة نسوية للدين: العقلانية وأساطير الإيمان الديني A Feminist Philosophy of Religion: The Rationality and Myths of Religious Belief". وترى باميلا أن بعض المؤلفات النسويات، يمكن أن يعتقدن بالخطأ أن هناك فهماً إسلامياً قائم على الذكورة، كالاعتقاد بأن الرجل هو العقل، بينما تمثل المرأة "اللاعقل". وتستدل أندرسون بصفات الله في المخيلة الإيمانية لإثبات وجهة نظرها، فتقول: "يمكننا أن نرى بوضوح أن صفات الله المعبرة عن عن الحب والمغفرة والرحمة والنعم والجمال والأنس والعاطفة، تنتمي إلى صفات المرأة في المخيلة الإنسانية، ويتم التعامل معها على نطاق أوسع من صفات الله الأخرى، بل هي محببة إلى المؤمنين به أكثر من غيرها، بحسب أندرسون. وبالتالي فإن الله "مصدر الحكمة وعقل الكون" يحمل صفات تعتبر "أنثوية" أيضاً "وفق المخيلة الإنسانية"، بجانب الصفات الذكورية، القائمة على القوة والحكمة والهيمنة والعظمة. ولذلك لن يكون من الصواب أن نقول إن العقلانية تخص الرجل واللاعقلانية للمرأة، لا في المعتقد الإسلامي، ولا بشكل عام، وبالتالي فإن التعامل مع الله بخيال جندري، هو أمر صنعه خيال نما على مدار تاريخ البشرية، وانعكس على النصوص الدينية وتفسيراتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image