منذ قديم الزمان، امتلكت التفاحة سحراً وسراً. وكانت رمزاً للغواية والمعرفة، وبوابة للحب والحرب. ويبدو أنها كانت من أقدم الفواكه التي تعرف إليها البشر، إذ تُظهر البحوث العلمية أن تناول التفاح يعود إلى العصر الحجري، وكان الإنسان يحفظه في تلك المرحلة عبر تقطيعه وتجفيفه بتعريضه للشمس.
تفاحة أفروديت
وقد دخلت التفاحة عالم الأساطير، وكان أول ظهور مؤسطر للتفاحة في المرويات الإغريقية. أسست هذه المرويات صورة التفاحة كبوابة للغواية والحب والحرب. ووفق الأسطورة، دُعيت هيرا وأثينا وأفروديت إلى عرس ثيتس ولم تُدعَ إليه إيريس (إلهة النزاع)، فغضبت وقررت بث الفرقة والنزاع بين الإلهات الثلاث، ووضعت تفاحة ذهبية كُتب عليها (للأجمل)، لتختلف الإلهات الثلاث حول مَن منهنّ الأجمل.
ولحل النزاع قرر زيوس اللجوء إلى تحكيم أجمل البشر من الرجال، وكان هذا الرجل هو باريس ابن ملك طروادة. وللتأثير على قراره، أغرته هيرا بالسلطة، ووعدته أثينا بالحكمة والمجد، وقالت له أفروديت إنها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضل الأخيرة وأعطاها التفاحة ليغضب بذلك الربتين الأخريين.
حققت أفروديت وعدها لباريس، وأخذته إلى طروادة من جديد، وقدمته إلى أهله الذين ابتهجوا بعودته أميراً. ولتوفي دينها أرسلته إلى إسبارطة، فاستغل غيبة ملكها منيلاوس وأغوى زوجته هيلين التي فاقت كل نساء الدنيا جمالاً، وهرب بها إلى طروادة. انقسمت الآلهة فساعد بعضهم اليونانيين وساند بعضهم الآخر الطرواديين، وكانت المعركة الشهيرة.
التفاحة في الميثولوجيا المسيحية
وجاءت الميثولوجيا الدينية المسيحية لتخلق صورة لثمرة شجرة معرفة الخير والشر التي كانت محرمة على آدم وامرأته حواء. فصارت التفاحة رمزاً لهذه الثمرة المحرمة، برغم أن كتاب العهد القديم لا يُظهر صورة لهذه الثمرة. ففي سفر التكوين جاء: "قال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها".
وما ثبّت صورة التفاحة كثمرة محرمة في المثيولوجيا المسيحية هم رسامو عصر النهضة الذين رسموا حواء ممسكةً تفاحة، وهو ما يعكس تأثرهم بالمرويات الأسطورية اليونانية. هكذا حضرت تفاحة باريس وأفروديت بين حواء وآدم.
تفاحة بياض الثلج
التفاحة الثالثة التي تحتل مساحة من الخيال الشعبي هي التفاحة التي أكلتها بياض الثلج ودخلت بسببها في سبات عميق. كانت التفاحة في هذه القصة السلاح الذي استخدمته زوجة أبيها الساحرة للتخلص منها لتبقى أجمل امرأة على وجه المعمورة. وإذا كانت التفاحة الإغريقية أداة لتحديد أجمل امرأة بين الإلهات فإنها صارت في قصة بياض الثلج أداة للتخلص من أجمل امرأة على وجه البسيطة.
وتعيد هذه القصة سرد المرويات المتعلقة ببدء الخليقة مرة أخرى من خلال الأمير الشاب الذي أعاد الحياة لبياض الثلج بقبلة على فمها، بما يشبه نفخ الروح في آدم.
تفاحة نيوتن
التفاحة الرابعة التي شغلت عقول البشر هي تفاحة نيوتن، تفاحة الجاذبية، تفاحة الاكتشاف والمعرفة، وهي التي فتحت باباً واسعاً في الفيزياء الكلاسيكية التي ظهرت على يد اسحق نيوتن. ادعى نيوتن أنه اكتشف الجاذبية حين كان يجلس في حديقة ورأى تفاحة تسقط على الأرض، وسأل نفسه لماذا تسقط التفاحة إلى الأرض ولا ترتفع إلى السماء، وحينذاك اكتشف أن للأرض جاذبيتها.
مواضيع أخرى:
آلهة العرب القدماء: مَن كان يعبدها وأين؟
قصص خلق الكون في حضارات الشرق القديمة
أعاد نيوتن بناء الميثيولوجيا عبر بوابة المعرفة بمثلث (التفاحة، السقوط، الأرض). فبدلاً من أن تكون التفاحة رمزاً لسعي الإنسان للخلود الجسدي، صارت رمزاً للمعرفة الخالدة، إذ قبل الإنسان باستبدال خلوده هو كفرد بخلود المعرفة التي ينتجها فيصير خالداً بمعرفته لا بذاته. ونيوتن واحد من الخالدين بعلمهم لا بجسدهم، وكان تمثيلاً لأسطورة التفاحة والمعرفة والخلود.
تفاحة آبل
التفاحة الخامسة التي نراها يومياً، هي تفاحة مقضومة. إنها تفاحة آبل ماكنتوش، الشركة التي بناها ستيف جوبز المطرود من نعيم أبيه الذي أنجبه من علاقة خارج إطار الزوجية، ونفاه خارج ملكوته. هذه التفاحة المقضومة صارت رمزاً لواحدة من أبرز الشركات التي تُعنى بالمعرفة والتطور والتكنولوجيا، معيدة إحياء العلاقة بين المعرفة والتفاحة الواردة في الأساطير القديمة.
تفاحة نيويورك
وإذا كانت التفاحات الخمس السابقة تمسك بتلابيب الأسطورة من جانب أو أكثر، فإن التفاحة الممثلة لكل أسطورة التفاح هي أرض المعرفة والشهوة والشهرة والحرب والموت والجنون والمال. إنها مدينة نيويورك الأمريكية المعروفة بلقب "التفاحة الكبيرة".
وبرغم أن تاريخ استخدام لقب "التفاحة الكبيرة" لوصف مدينة نيويورك غير محدد بالضبط، يرى البعض أن هذا المصطلح مشتق من بيت للدعارة في نيويورك كانت تعمل فيه امرأة اسمها إيف، أي حواء. ويعود البعض بالتاريخ إلى عام 1909، حين قال إدوارد س. مارتن في كتابه "عابر سبيل في نيويورك"، إن أهالي كنساس ينظرون إلى نيويورك كمدينة للجشع، ويرون أنها تحصل على حصة من الناتج القومي أكبر من حصص غيرها، واصفاً إيّاها بالتفاحة الكبيرة.
وفي بداية عشرينيات القرن الماضي استخدم لفظ "تفاحة" لوصف سباقات الخيل التي كانت تنظم في مدينة نيويورك ومحيطها. والتفاحة هي كناية عن الجائزة التي ينالها الفائزون. واستخدم الكاتب الرياضي في صحيفة نيويورك مورننغ تلغراف جون فيتزجيرالد تعبير "التفاحة الكبيرة"، للقول إن نيويورك هي المكان الذي يقدّم أهم جائزة. وفي عام 1970 تم اعتماد لقب "التفاحة الكبيرة" في حملة ترويجية للمدينة.
نشر الموضوع على الموقع في 26.07.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ 4 ساعاتلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف