أعادت التطورات الأخيرة في العراق، من انتصارات عسكرية كبيرة لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الملقبة بـ"داعش" وإعلانها الخلافة الإسلامية، النقاش في شأن دور المقاتلين المغاربة في صفوف هذا التنظيم، إلى واجهة الأحداث من جديد، خصوصاً أن أحدث التقارير الصادرة عن مركز "سوفان غروب" للدراسات الإستراتيجية، ومقره في نيويورك، قد قدّر عدد المغاربة الذين يقاتلون إلى جانب التنظيم بنحو 1500 استنفرت الأجهزة الأمنية المغربية في الأيام الأخيرة كل إمكاناتها، خاصةً بعد ظهور نوع من التأييد في صفوف شباب مغربيين مقيمين في المغرب وخارجه للخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي.
تقول التقارير إن المقاتلين المغاربة، سواء الذين قدموا إلى سوريا والعراق من المغرب أو أولئك الذين يحملون جنسيات مزدوجة، لعبوا دوراً حاسماً في أهم المعارك التي يخوضها التنظيم "الجهادي" على الجبهتين. ورغم شح التفاصيل المتعلقة بوجود المقاتلين المغاربة في صفوف التشكيلات التي تخوض الحرب ضد النظام العراقي، فإن ما رشح من أخبار يؤكد مشاركة حاسمة للمغاربة من أصل بلجيكي وفرنسي في عدد من المعارك الهامة والإستراتيجية التي يخوضها التنظيم في إطار سعيه إلى محاصرة العاصمة بغداد. ومن بين تلك المعارك معركة طوزخورماتو جنوبي مدينة كركوك.
وأفادت تقارير أخرى أن المقاتلين المغاربة يكوّنون كتيبة يطلق عليها لقب "كتيبة الانغماسيين" وهي فرقة من الانتحاريين، نفّذ عناصرها عدداً من العمليات الانتحارية في منطقة الأنبار ضد أهداف للجيش العراقي وضد من يعرفون بـ"الصحوات"، وذهبت التحليلات إلى اعتبار تلك العمليات سبباً من الأسباب التي سرّعت بالتفكك الدراماتيكي لقوات الجيش العراقي في الأنبار.
محمد ظريف الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية، اعتبر إن تنظيم الدولة الإسلامية جند المقاتلين المغاربة خصيصاً لهذا النوع من العمليات: "أمراء الحرب خاصة في العراق، عندما كانوا يجندون المغاربة لم يكونوا يبحثون عن مقاتل يخوض حرباً كلاسيكية ضد حكومة المالكي الشيعية، بل يبحثون عن انتحاريين، حتى التسمية (كتيبة الاستشهاديين) دلالتها واضحة، فأغلبهم لن يعودوا إلى بلدانهم وسيقضون هناك، أو سينتقلون إلى ليبيا أو إلى اليمن".
من أبرز تلك العمليات التي وصفت بالنوعية، العملية التفجيرية التي قام بها المدعو "أبو رضا المغربي" الذي اقتحم بسيارة مفخخة اجتماعاً خاصاً للتنسيق بين الجيش العراقي والصحوات في بغداد، وأسفر الانفجار عن مقتل 4 ضباط عراقيين. والعملية التي نفذها المدعو "أبو مصعب المغربي" في منطقة السبعة كيلو بالرمادي وأسفرت عن اغتيال محمد خميس أبو ريشة أحد أبرز قادة الصحوات في العراق.
أما في سوريا، فقد كان لافتاً أن المقاتلين المغاربة قد توزعوا بين أكثر من تنظيم مسلح، وأصبحوا يخوضون معارك دامية فيما بينهم بحسب شهادات من سوريا. إذ سقط عدد كبير منهم في معارك طاحنة بين "جبهة النصرة" وبقية الفصائل و"داعش".
وبرغم أن المقاتلين المغاربة قد انضموا في البداية إلى جبهة النصرة، فإن خطاب داعش كان جذاباً بالنسبة للكثيرين منهم الذين أعلنوا الانضمام إلى التنظيم الأشدّ تطرفاً من بين التنظيمات الإسلامية التي تحارب النظام السوري. وفي وقت لاحق أعلن ابراهيم بنشقرون وهو معتقل سابق في قضايا إرهاب في السجون المغربية، تأسيس تنظيم "شام الإسلام" كتنظيم مقاتل مكون في غالبيته من عناصر مغربية، ودخل هذا التنظيم بدوره في معارك طاحنة مع داعش، قبل أن يتم دمجها في "الجبهة الإسلامية" إثر مقتل قائدها ابراهيم بنشقرون في معركة اللاذقية ضد الجيش السوري.
منير أبو المعالي، صحافي مغربي متخصص في ملف المقاتلين المغاربة في سوريا، يرأس تحرير مجلة "الآن" المغربية الأسبوعية، أنجز تحقيقاً حول "مغاربة داعش". ولأنه ينحدر من مدينة الفنيدق (شمال المغرب) فقد كان يعرف عدداً كبيراً من هؤلاء الشباب قبل أن تتغير مساراتهم واختياراتهم بشكل مفاجىء، ليتحولوا إلى أكثر المقاتلين دموية وفتكاً بخصومهم في سوريا.
رشيد الجازولي، مثلاً، 20 سنة، ترك دراسته الإعدادية، وتفرغ لإحراق الوقت، لكن تغييراً مفاجئاً طرأ عليه حينما وجد عملاً في محل لبيع الأفرشة المنزلية في "حي لوطا" (معقل المقاتلين المغاربة في سوريا)، إذ سرعان ما أطلق لحية خفيفة وارتدى جلباباً قصيراً. لم يكن يعتقد والداه أن هذا التغيير سيقود ابنهما إلى سوريا، خصوصاً أن سلوكه لم يتغير برغم الكم الكبير من الروايات في المدينة عن شبان يغيرون فجأة نمط حياتهم ويغادرون.
شخصية عبد العزيز المحدالي أحد المقاتلين المغاربة الشرسين في "داعش"، ممن قتلوا في المعارك على الأرض السورية، نموذج أكثر تجسيداً لشخصية المقاتلين المغاربة الذين جندتهم المنظمة، وتحولوا بسرعة من شبان يحبون الحياة، أو من شبان يتبنون الإسلام بمفهومه الشعبي في أفضل الحالات، إلى مقاتلين متعطشين إلى الدماء وقطع الرؤوس. نقرأ لأبو المعالي عن شخصية المحدالي الذي كان يقود كتيبة خاصة من المقاتلين المغاربة: "عبد العزيز المحدالي، شاب نموذجي لمثل هذه التحولات غير المفسرة بإتقان. لقد كان صبياً طبيعياً، ثم تحول إلى ناشط ضمن تنسيقية المعتقلين الإسلاميين- السلفيين. وبعدها غادر إلى سوريا حيث سترتفع درجته العسكرية ليصبح في أقل من عام، فاتكاً حقيقياً بأعدائه المفترضين، أي العسكريين السوريين النظاميين. وحينما قتل على أيدي متطرفين في تنظيم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، كانت «داعش» قد أعدت شريطاً من نحو عشرين دقيقة لتمجيده. كان هنالك مقاتلون سعوديون وشيشانيون أكبر منه سناً، يستعرضون بطولة شاب أنهتها رصاصة بندقية في الرأس، وكل ما قيل عنه، كان يتلخص في عبارة موحية: كان شديد البأس على أعدائه".
لكن يمكن القول أن أكثر المقاتلين المغاربة دموية في صفوف داعش، هو محمد حمدوش الملقب بـ"قاطع الرؤوس"، وهو من الفنيدق أيضاً. ظهر محمد قبل بضعة أيام في صورة صادمة وهو يقف بين خمسة رؤوس بشرية. وتوعد حمدوش في رسالة له بالعودة إلى بلاد المغرب فاتحاً بالدماء الطاهرة لتنظيفها من الأوساخ، مهدداً من وقف في وجه الدولة الإسلامية بالذبح.
يتوقع الخبراء أن يستمر تدفق المقاتلين المغاربة المتعاطفين مع "داعش" إلى سوريا والعراق، برغم حالة الاستنفار التي أعلنتها الأجهزة الأمنية المغربية، وتفكيكها ثلاث خلايا متهمة بتجنيد مقاتلين مغاربة للسفر إلى سوريا. كذلك أعلن قبل بضعة أيام عن سقوط الخلية الثالثة المكونة من ستة أشخاص في مدينة فاس، وكانت تعتزم استقطاب عناصر لتنفيذ عمليات في العراق. وبرغم أن تقارير الأجهزة الأمنية المغربية تتجنب ذكر أسماء التنظيمات التي يتم تجنيد المقاتلين المغاربة لها، فإن أغلب الموقوفين هم بحسب المعلومات المتوفرة من المتعاطفين مع تنظيم أبو بكر البغدادي.
لم تتوصل السلطات المغربية حتى الآن إلى أي خيط يمكن أن يشير إلى اسم مهم يقف وراء تجنيد المقاتلين المغاربة إلى سوريا، وكان الشيخ السلفي المتشدد عمر الحدوشي الذي حامت حوله شكوك إعلامية تتصل بوقوفه وراء عدد من الشبان المسافرين إلى سوريا، قد نفى بشكل قاطع علاقته بالأمر مع أن عدداً من الذين سافروا هم من أنصاره.
أعلنت وزارة الداخلية المغربية أخيراً عن جدية تهديدات التنظيم لأمن المغرب، وقال وزير الداخلية المغربي محمد حصاد أمام المجلس الحكومي، إن المعلومات الاستخباراتية المتوفرة تشير إلى وجود خطر إرهابي على المغرب، وعن وجود نية لدى مقاتلي داعش لتنفيذ عمليات في المغرب عبر استعانتهم بالمجموعات الإرهابية التي تنشط شمال إفريقيا أو بمغاربة أعلنوا ولاءهم للتنظيم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...