شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لماذا تعلمت لغتكم العربية؟

لماذا تعلمت لغتكم العربية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 1 نوفمبر 201806:50 م
قصتي مع اللغة العربية بدأت كما يلي: قبل تعلم العربية في المدرسة التحقت بصف اللغة الاسبانية بسبب الصورة النمطية عنها في أمريكا أنها من أسهل اللغات تعلماً. ولكن بيئة الصف كانت سلبية جدا وأغلبية الطلاب كانوا إما متكبرين أو متنمرين، وجعلني هذا أفكر في تعلم لغة أخرى. تكلمت مع مستشارتي الدراسية التي قدمت لي ثلاثة خيارات: إما أن أترك تعلم لغة جديدة وهذا ليس مقبولا لأن أغلب الجامعات الأمريكية تطلب اتقان لغة أخرى بجانب الانجليزية. أو أن استمر في صف الاسبانية على ما فيه من سلبيات. أو أن أتحول إلى لغة أخرى مثل الألمانية أو الفرنسية أو الصينية أو العربية الفصحى. واقترحت مستشارتي العربية لأن هناك استاذا جديدا شابا يدرسها، وقالت لي إنني سأستفيد من تدريسه كثيرا. كما قالت إن هذه اللغة مهمة وتعلمها سيجعلني مميزا بين أقراني. ورغم تحمسي للعربية بعد هذه المقابلة إلا أنني قلقت كثيرا بسبب سمعة اللغة العربية كلغة صعبة. وفي ذلك الوقت لم أكن أنا، الشاب القادم من مونتانا حيث لا يوجد عرب كثيرون وحيث من السهل على الناس أن يقبلوا الخزعبلات عن الشرق الأوسط، أعرف الكثير عن العرب وثقافاتهم. وقد اعترفت لنفسي بهذا الجهل وبعد ترو وتفكير عميقين قررت أن انتهز الفرصة وأسجل في المستوى الابتدائي للعربية. أتذكر جيدا درسي الأولي في الصف حين كان عمري 14 سنة. كانت الحجرة حافلة بالتلاميذ وكلنا كنا متحمسين للغة الغريبة والأستاذ "ورك". وإذا بالاستاذ الشاب يقدم لنا اتفاقيات كثيرة لنوقعها لكي نلتزم باللغة. تغير وجه الأستاذ اللطيف الذكي ذو الابتسامة الواسعة في نظري إلى أستاذ متشدد. كانت قائمة الشروط المكتوبة على الورقة: 1- لا تغشّوا 2- لا تتوقفوا 3- اقبلوا الحيرة 4- تفوقوا وجدت في بادئ الأمر هذه المقتضيات مجنونة وأكثر مما رغبت فيه وأنا أتعلّم لغة جديدة. مثلا لم يعزز ثقتي القول إن قواعد هذه اللغة معقدة كل التعقيد وصعبة أشد الصعوبة وأن معظم العرب يفضّلون أن ينسوا هذا الجزء من تعليمهم اللغوي. وبصراحة فقد اكتشفت خلال رحلاتي في الشرق الأوسط أن أغلب العرب يضحكون عليّ حينما أتكلم باللغة الفصحى. ولكن الحمد لله شجّعنا أستاذنا كثيرا حتى صدّقنا أنفسنا أن التعلم ممكن، طبعاً بعد توقيع الاتفاقية واتباع قواعد الصف. أوضح أستاذي أنه بمرور الوقت والجهد الكافي سننجح بشكل مطلق. كما أنه بالرغم من الصور النمطية الساذجة والصعوبة الملموسة أكّد أستاذي أن اللغة العربية جميلةٌ للغاية وأننا ستستفيد منها إلى حد كبير. لم ألبث أنْ أدرك أنه كان محقا. كان الأستاذ ورك قوقازيا ولم يكن من أصل عربي، ولاحظنا أنه وبالرغم من عمره الصغير (26 سنة) فقد كان يتقن اللغة كثيراً. وبدأنا نفكر في بعض النظريات التي تشرح أسباب مهاراته اللغوية الممتازة. وكانت نظريتنا المفضلة أن الأستاذ يعمل في الاستخبارات الأمريكية (السي آي إيه) ولكنه ممنوع من التكلم عن تجربته فيها، وكان هذا الكلام ممتعا ومضحكا. وعرفنا فيما بعد أن الأستاذ عمل في فلسطين لوقت طويل بعد تخرجه من الجامعة. وكان ينقل لنا الثقافة العربية إضافة إلى اللغة وهو ما جعل صفنا متميزا وغير عادي. وبعد أن كنت أحصل على C و B، وهي المعدل العام في الصف، بدأت درجاتي بالتحسن بشكل تدريجي في السنة الأولى.
كان عندنا نكتة في الصف وهي أن قواعد اللغة العربية لا حدود لها، وأننا كمن يتسلق جبل هذه القواعد بشكل دائم
أنا أعشق التحدث مع العرب الذين أقابلهم عشوائيا في شوارع مدينة نيويورك بالعربية الفصحى، بالرغم من غرابة لغتي وأنا أتكلم معهم
بدأت أحب اللغة العربية وتعقيداتها. كان عندنا نكتة في الصف وهي أن قواعد اللغة العربية لا حدود لها، وأننا كمن يتسلق جبل هذه القواعد بشكل دائم. ظننا في السنة الثانية أن القواعد قد انتهت بعد أن درسنا الاعراب، وأعرف الآن أن هذا أمر مضحك. كان أستاذنا يساعدنا دائماً على فهم اللغة عن طريق تمارين مبتكرة. مثل ابتكاره لجريمة قتل بمساعدة حبيبته وطلبه منا أن نعمل كمحققين ونسأله في استجواب عن هذه الجريمة. كما ركز على مكافحة جهلنا بالعرب والصورة النمطية المنتشرة عنهم. وكان يطلب منا أن نتكلم عن اعتقاداتنا حول الشرق الأوسط، وكان دائما يسألنا "لماذا؟" وهو ما ساعد على تشكيل فهمنا للشرق الأوسط بشكل موضوعي وإيجابي. تعلمت كثيراً وصححتُ وجهات نظري المضللة الماضية من خلال صف العربية. وأيضا درّسنا بعض الثقافات العربية وأرآنا المأكولات العربية والثياب التقليدية والمعاصرة ولكن يجب أن أقول إنني نسيت معظم أسماء الملابس. وبفضل هذا الأستاذ تغيرت صورة اللغة العربية من فكرة غير واضحة إلى جزء ثابت من حياتي وهويتي. في أحد أيام سنتي الأخيرة في المدرسة الثانوية أخبرني أحد أصدقائي في الصف عن برنامج للدراسة في الخارج إما في الأردن أو المغرب. بعد أسبوع تقريبا قرّرت أن أقدّم طلبا وساعدني أستاذي اللطيف بدرجة عالية. حصلت على المنحة وكنت فرحانا جدا، وبعد ٤ أشهر درست في الرباط لشهر ونصف.  كان لي عائلة مستضيفة عظيمة في حي "تمارة" بجانب الرباط. لم تتكلم عائلتي كلها اللغة الانجليزية باستثناء أخي المستضيف عبد المغيث، وبالطبع كان هذا غريبا ورائعا. كانت هذه المرة الأولى التي أغترب فيها عن منزلي لوقت طويل. درست يوميا هناك وحسّنت عربيتي تحسينا قويا وتعرْفت على ناس كثر وممتازين. استطعت أن أغمر نفسي في الثقافة واللغة اللتين درستهما حتى ذلك الوقت. شعرت بامتياز ضخم فعلا. من الصعب لي أن أوضح الإحساس في تلك المرحلة غير أنني كنت مبتهجاً جداً. حتى اليوم مازالت أتكلم مع أخي المغربي وتعلق أمي المغربية على صفحتي في "فيسبوك" أحياناً. أنا الآن في السنة الرابعة في برنامج اللغة العربية في جامعة نيويورك. تأقلمت الآن مع جامعتي ومدينة نيويورك ووجدت برنامج العربية جيدا جداً ومفيدا. ولكني لا استطيع ان أنسى أهمية بذور اللغة العربية التي زرعها استاذي الأول وأحس بسعادة كبيرة بسبب فرصتي الخاصة لتعميق عربيتي في هذا المكان الجديد. ولكن، تطرح قصتي الطويلة هذا السؤال: هل حققت أيأ من أهدافي الأولية في تعلم العربية؟ وأين وصلت الآن من بداية رحلتي معها؟ في حقيقة الأمر من الباكر جدا أن أرى النتيجة الفورية من دراستي الآن، فعمري لا يزال 20 سنة و إن شاء الله لم أعش ثلث أو ربع حياتي بعد. الآن يمكنني أن أقول إن عندي قدرة متواضعة في التكلم والقرأة والكتابة. أنا أعشق التحدث مع العرب الذين أقابلهم عشوائيا في شوارع مدينة نيويورك بالعربية الفصحى، بالرغم من غرابة لغتي وأنا أتكلم معهم. كما أحببت قدرتي على التكلم مع اللاجئين السوريين عندما درست في برلين. ويعجبني كثيرا أنني قادر على أن أتحدث مع شريكتي المفضلة في برنامج للتكلم من دمشق بواسطة "سكايب" عن كرهنا المشترك لرئيس أمريكا الحالي لساعتين. هي ظريفة جداً وسريعة البديهة. وفوق هذا كله أنا سعيد للغاية لأنني تعلمت الكثير حول المنطقة واللغة والثقافة التي في فترة من الفترات ما عرفت أي شيء عنها. إن الكثير من الأمريكيين لا يتفهمون الثقافة العربية ولديهم صورة مشوهة عن الواقع في العالم العربي. من وجهة نظري، فإن المشاكل السياسية في الشرق الأوسط كثيرة ولا حدود لها. ولكني استوعبت أن العرب أنفسهم لا يمثلون الأنظمة وأن أصواتهم حقيقية وبحاجة لأن تسمع. وفوق هذا كله، سأذهب إلى القول إنني أدركت أن سياسات الأنظمة غير الملتزمة بحقوق الإنسان أو الديمقراطية بشكل عام لا تشكّل هويات العرب وإنما يشكّل الناس هوياتهم وينفصلون عن الواقع المصطنع غير الصحيح الذي نُلحقه نحن بكل المجتمع العربي. كما تعلمت أنه من اللازم أن نرى المجتمع ككل، وبهذا فإن الصورة النمطية حول الارهاب والكره المشترك لأمريكا ليست صحيحة. يبدو لي أن كلا الطرفين لا يفهم الآخر، وأظن أن الحوار والتفاهم المتبادل يستطيع أن يحل محل الصور النمطية بين مجتمعاتنا. هذه هي عملية الفهم التي بدأتها من خلال تعلم هذه اللغة الجميلة. صورة المقال، من Sacred Lines،


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image