تَمكّنَ البريطانيّ فيلياس فوغ عام 1872 من كسب الرهان، وقام برحلة حول العالم في ثمانين يوماً، مغامرةُ طويلة، واجه فيها المخاطر وأنقذ بعض المعذبين، إذّ مر بجانب سكان أندونيسنا "الذين يقعون أسفل الهرم البشريّ"، وحينما غادر آسيا كان سعيداً بعودته " إلى العالم المتحضر".
كما نجا من هجوم الهنود الحمر، البرابرة اللذين هاجموه بدون سبب وأرادوا التهامه، وحين عاد إلى لندن، وقف أمام الجميع منتصرا، ناجياً، ومؤكداً على حذقه وتفوقه، وقدرته على قهر الصعاب، والعودة إلى "برّ الأمان" مع حبيبة التقاها أثناء رحلته، وأدخلها في نظام "العالم المتحضّر".
فيلم "البرابرة- في قلب حدائق الحيوان البشريّة"، إذ كان "المغامرون البيض" في منتصف القرن التاسع عشر، يتوجهون إلى أفريقيا وجنوب أمريكا، لاكتشاف مخاطر تلك البلاد، والتقاط صور انتصارهم، وقدرتهم على "ترويض البرابرة".
وأحياناً اصطيادهم، كـ"تامبو"، الأسترالي الذي تمكّن المُغامر روبرت كابينغهام من اصطياده من أجل أن يعرض في السيرك في أوربا، كون "تامبو" بربري، وصالح للاستعراض، هو "كائن" من تلك الأراضي اللا متحضرة، حيث لا مواطنون ولا جمهوريات، فقط أناس أشباه عراة، يقال أنهم أكلوا لحوم بشر، لابد من التسلل أو اقتحام مساحاتهم واستعراض هذا الانتصار، عبر صورة تذكاريّة يحضرُ فيها المغامر وتامبو وأسرته بعد أن تم أسرهم ونقلهم إلى "العالم الأبيض".
أشد صورهم فجاجة نراها مثلاً عند لندسي لوهان، التي تركت الحفلات والكوكائين وزارت تركيا ومخيمات اللاجئين فيها، ثم التقطت صور مع أسرة سوريّة واشترت ألعاب للأطفال و"بيّضت" ضميرها بعد أن رأت معاناة أولئك اللذين شردتهم الحرب، كما شكرت رجب طيب أردوغان وزوجته على جهودهم، ثم عادت إلى بلادها، ويكفي أن نقرأ عنوان المقال المشار إليه سابقاً حتى تتضح المفارقة: "Lindsay Lohan met with Turkey's president to talk about the Syrian refugee crisis"
وهنا يمكن أن نطرح سؤال، ما الذي يمكن أن تقدمه لندسي لوهان إلى أردوغان فيما يخص قضية اللاجئين السوريين؟ وما هي الخبرات التي ممكن أن تضيفها لحل أزمة المنطقة؟
صورة المغامر أو المنقذ الأبيض هذه دفعت الكثيرين إلى التحرك للتخلص منها، وتم إنجاز دليل مبسّط، كي لا يقع الفرد في فخها.
وخصوصاً أن "صورة المغامرة" تُفقد المكان خصائصه، وتحول سكان "الأرض الغريبّة" إلى موضوعات للتسلية وكسب الاستعطاف، هي تنزع الأفراد من سياقهم ومعاناتهم، لتتحول الصورة لا فقط لوسيلة للمجد الشخصيّ، بل لخلق الاختلاف، بين المواطنين الآمنين، وأولئك المهددين بالخطر في الصورة، كون المغامر يمتلك دليلاً على نجاته، وتفوقه على "الآخر" الذي لم يعد بالضرورة بربرياً، بل مشرداً أو ساكناً في خيمة.
فيلياس، الشخصيّة التي أخترعها الفرنسي جول فيرن، والتي تعكس الصورة المثاليّة للمُغامرْ ورجل الاستعراض، تمتلك جذوراً واقعية، نراها في من هو المغامر؟
تحضر صورة المغامر بوصفه شجاعاً وحَذقاً، يَفهمُ مخاطر الطريق، وقادر على اقتحام أراضي البرابرة، هو يمتلك تكنولوجيا: بوصلة، وبندقية، وأدويّة، هو مُصاب بالسيفلس ويصيب سكان أمريكا الأصليين به ككريستوفر كولوبوس، هو الضابط الذي يقع في حب بوكاهانتس، والمُخرج الذي يريد تصوير فيلم عن كينج كونج، ورجُل الأعمال الذي يبحث عن مدن الذهب، فالمغامرون، يغذّون مخيلتنا منذ الصغر، هم تان تان، وأنديانا جونز، وغيرهم. تاريخياً ، يُعتبر المُغامرون امتداداً لسياسات الاستعمار، والمُحركات التي ترسم الحدود الرمزيّة بين المواطن وأرضه المتحضرة، والبربري وغاباته، ففي الفيلم السابق ذكره، نرى المُغامرين بوصفهم رجال أعمال وأصحاب حدائق حيوان أو متعهدين يكتشفون المناطق التي لم تدخلها "الحضارة"، بأسلحتهم وكاميراتهم وأناجيلهم يقطعون الأدغال التي "لم تطأها قدم إنسان". رجل، أبيض بالطبع، والأهمّ، المغامر فخورٌ ومبتسمٌ في الصور، هو الشجاع الذي ترك حياته "الآمنة" في بلاده، وانطلق لاكتشاف مخاطر "الأرض البعيدة"، ثم عاد ناجياً من "البرابرة".المغامرة في عصر الإنستاغرام
شخص المغامر هذا، حاضر الآن وبشدّة، وأصبح اسمه ضمن سياسات ما بعد الاستعمار، المنقذ الأبيض، شبان وشابات، متطوعون لأسابيع أو أشهر، ومواطنون آمنون، يزورون مناطق منكوبة ومهددة بالخطر في أفريقيا ومخيمات اللاجئين، ويلتقطون مئات صور السيلفي هناك، وينشرونها على أنها براهين على حسن النيّة، بل وحين عودتهم، يؤلفون كتباً ومقالات طويلة ومدونات عن تجربتهم وزياراتهم المؤقتة، ويخبروننا عن مغامرة بناء ملعب أطفال في مخيم ما، ثم النوم في الفندق حزناً. هم المغامرون البيض بين الآخرين المأزومين، أولئك الذين لا تضمن الدول سلامتهم، والذين يقيمون معارض تصوير فوتوغرافيّ مع وصف بسيط لكل صورة، وبضع أسطر عن طفل فقد أسرته، مع ذلك هو يلعب على الأرجوحة التي بناها المتطوعون.لندسي لوهان، التي تركت الحفلات والكوكائين وزارت تركيا ومخيمات اللاجئين فيها، ثم التقطت صور مع أسرة سوريّة واشترت ألعاب للأطفال و"بيّضت" ضميرها بعد أن رأت معاناة أولئك اللذين شردتهم الحرب
أشد صورهم فجاجة نراها مثلاً عند لندسي لوهان، التي تركت الحفلات والكوكائين وزارت تركيا ومخيمات اللاجئين فيها، ثم التقطت صور مع أسرة سوريّة واشترت ألعاب للأطفال و"بيّضت" ضميرها بعد أن رأت معاناة أولئك اللذين شردتهم الحرب، كما شكرت رجب طيب أردوغان وزوجته على جهودهم، ثم عادت إلى بلادها، ويكفي أن نقرأ عنوان المقال المشار إليه سابقاً حتى تتضح المفارقة: "Lindsay Lohan met with Turkey's president to talk about the Syrian refugee crisis"
وهنا يمكن أن نطرح سؤال، ما الذي يمكن أن تقدمه لندسي لوهان إلى أردوغان فيما يخص قضية اللاجئين السوريين؟ وما هي الخبرات التي ممكن أن تضيفها لحل أزمة المنطقة؟
صورة المغامر أو المنقذ الأبيض هذه دفعت الكثيرين إلى التحرك للتخلص منها، وتم إنجاز دليل مبسّط، كي لا يقع الفرد في فخها.
وخصوصاً أن "صورة المغامرة" تُفقد المكان خصائصه، وتحول سكان "الأرض الغريبّة" إلى موضوعات للتسلية وكسب الاستعطاف، هي تنزع الأفراد من سياقهم ومعاناتهم، لتتحول الصورة لا فقط لوسيلة للمجد الشخصيّ، بل لخلق الاختلاف، بين المواطنين الآمنين، وأولئك المهددين بالخطر في الصورة، كون المغامر يمتلك دليلاً على نجاته، وتفوقه على "الآخر" الذي لم يعد بالضرورة بربرياً، بل مشرداً أو ساكناً في خيمة.تاريخياً ، يُعتبر المُغامرون امتداد لسياسات الاستعمار، والمُحركات التي ترسم الحدود الرمزيّة بين المواطن وأرضه المتحضرة، والبربري وغاباته،
دليل مبسّط لتجنب تحويل "المغامرة" وزيارة اللاجئين والمناطق التي دمرتها الحروب إلى دليل على التفوق والتبجح والمجد الشخصييمتد أثر المغامرة إلى ما بعد نهايتها، ويتحول إلى نوع من التبجح، فالمغامر "يعرف ما يحصل" و"يفهم أولئك المعذبين"، هو أعطاهم من وقته وجهده في الإجازة، بل وحفظ اسم واحد منهم، وحاول مساعدته عبر شراء "I-phone" له، وهنا تكمن خطورة المغامر، هو برهان على الفوقيّة، وفاعل في تحويل المأساة إلى للترفيه أو صورة على تيندر لجذب الآخرين، بل أن البعض يتحول إلى صحفي أو معلق وخبير في شؤون "الآخرين"، هو يتبني مآسي العالم في أوقات الفراغ. "كيف توصل صورة العالم- دليل لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ للمتطوعين والمسافرين" قائمة من عشرة ملاحظات قبل نشر صورة على وسائل التواصل الاجتماعي: 1- اسأل نفسك ما هي النوايا التي تدفعني لمشاركة هذا المنشور 2- احصل على موافقة من تصوره وأخبره عن السبب وراء الصورة، وإن لم تستطع أن تشرح له، جد مترجماً و اشرح السبب. 3- عليك أن تعرف أسماء وخلفية الناس الذين تصورّهم. 4- اعرض على من تصورهم نسخة من الصورة. 5- تجنب التعميمات والمعلومات البسيطة ، وضع شرحاً وافياً للصورة مع أسماء الظاهرين فيها والمكان..الخ. 6- احترم العادات والثقافات المختلفة. 7- اسأل نفسك : "إن تم تصويري بذات الشكل، فهل سأقدر ذلك ؟" 8- تجنب الأوضاع والأماكن الحساسة أو الهشة كالمشافي والعيادات الطبيّة. 9- لا تظهر نفسك بصورة البطل في القصة التي تريد نقلها. 10- تحدّى الصورة النمطيّة وفككها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت