لم تكن حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي هي الأولى من نوعها التي ترتكبها الأنظمة العربية القمعية، فسجون البحرين ومصر وسوريا والعراق وتونس وغيرها من الأقطار العربية شاهدة على جرائم تلك الأنظمة بحق كل من يعارضها أو يختلف معها، وأحيانًا من ينصحها كما هو الحال مع خاشقجي.
ومن المؤسف حقاً أن تجد من "يستسهل أو يصمت" عما حدث من جريمة بشعة لخاشقجي ويرفض التعاطف معه لأسباب مختلفة بعضها يتعلق بمواقفه السابقةلقد كان المغدور به في عداد الشخصيات المقربة من نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، بل كان من أشرس المدافعين عن سياسات المملكة بما فيها الحرب على اليمن، إلا أن هذا لم يشفع له عند رموز الحكم، وبالأخص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد أن بدأ بانتقاد سياساته وعبّر عن مطالبه بضرورة الإصلاح السياسي والحقوقي وفسح المجال لحرية الرأي والتعبير في المملكة. ومن المؤسف حقاً أن تجد من "يستسهل أو يصمت" عما حدث من جريمة بشعة لخاشقجي ويرفض التعاطف معه لأسباب مختلفة بعضها يتعلق بمواقفه السابقة من قضايا الربيع العربي والحرب على اليمن وغيرها من الآراء والمواقف التي لا أجد أهمية للوقوف عندها. كحقوقيين، نسعى يوميًا لأن يحظى كل إنسان في عالمنا العربي وفي كل أرجاء العالم بحقوقه كاملة، ومن ضمنها حق حرية التعبير وحق الأمن وحق الحياة، ولا نقبل أن ينتقص من هذه الحقوق الأساسية لمجرد الاختلاف أو الخلاف، ولو اشتدت درجة ذلك الخلاف وفجر الطرف الآخر في خصومته. هناك العديد من الإضاءات التي يجب علينا كأفراد في هذا الجزء من العالم الإشارة إليها في قضية خاشقجي: يجب التأكيد أولاً أن حياة الإنسان أغلى وأثمن من أي وجهة نظر، وأن القبول بأن يقتل فرد بهذه الطريقة الوحشية التي أظهرتها تقارير إعلامية تركية وغربية، هو نوع من أنواع الشراكة في هذه الجريمة البشعة. ثانياً، إن الواقع الحقوقي في دول الخليج والعالم العربي بات مأسويًا وقاتمًا، حيث يقبع المئات من المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين ودعاة الإصلاح في سجون السعودية والبحرين والإمارات وغيرها من الدول، وبات من المعتاد أن يتعرض الناس للاضطهاد والتعذيب والقتل بمجرد التعبير عن آرائهم. وهنا يمكن لفت الانتباه إلى الدور القبيح الذي يقوم به المدافعون عن هذه الأنظمة من الحكومات الحليفة ومنظمات الغونغو إذ بات من الضروري أن يعرفوا الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى أي مدى يمكن أن تذهب فيه هذه الأنظمة من أجل معاقبة شخص يحمل وجهة نظر مختلفة دون خوف من رادع. إن القتل خارج نطاق القانون والإعدام والتعذيب الممنهج وإسقاط الجنسيات بشكل تعسفي وترحيل الناشطين واستهدافهم، باتت أمراً يومياً في المنطقة العربية ويتم توثيقها واستنكارها من قبل المنظمات الحقوقية الدولية والهيئات الأممية وبعض الدول الغربية الحليفة للأنظمة القائمة.
حقوقيين، نسعى يوميًا لأن يحظى كل إنسان في عالمنا العربي وفي كل أرجاء العالم بحقوقه كاملة، ومن ضمنها حق حرية التعبير وحق الأمن وحق الحياة
إن القتل خارج نطاق القانون والإعدام والتعذيب الممنهج وإسقاط الجنسيات بشكل تعسفي وترحيل الناشطين واستهدافهم، باتت أمراً يومياً في المنطقة العربية
دم خاشقجي ودم كريم فخراوي في البحرين ودماء أطفال اليمن وشهداء مجزرة رابعة في مصر وضحايا النظام القمعي في سوريا، كلها دماء عربية تسفك يومياً
نظام المصالح: أزمة أخلاقية
هناك أزمة أخلاقية تعاني منها الدول الحليفة والشخصيات المدافعة عن هذه الأنظمة القمعية من مثقفين وإعلاميين وسياسيين، بتقديمها الصفقات التجارية والمصالح الشخصية على قيمة الإنسان. إنهم يتغاضون عن كل هذه الجرائم الشنيعة مقابل المنفعة التجارية أو الاقتصادية كما أقر بذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحاته الصحفية الأخيرة حول مقتل خاشقجي إذ أعلن بشكل واضح أن إدارته لا تريد أن تخسر صفقات أسلحة بقيمة 110 مليار دولار مقابل قضية خاشقجي.
دم خاشقجي ودم كريم فخراوي في البحرين ودماء أطفال اليمن وشهداء مجزرة رابعة في مصر وضحايا النظام القمعي في سوريا، كلها دماء عربية تسفك يومياً، وحان الوقت لأن نقف جميعاً كنشطاء ومثقفين وكتاب وإعلاميين ومواطنين في وجه من يسترخصها، وأن لا نتنازل عن هذا الموقف لمجرد تباين في وجهات النظر أو المواقف.
كما أن الوقت قد حان أن يتعلم الغرب من أخطاء الماضي، وأن يفتح صفحة جديدة مع شعوب العالم العربي، تكون فيها حرية وكرامة المواطن العربي هما الهدف والمسعى، لا مبيعات الأسلحة والنفط. فنحن شعوب تشتاق للحرية والديمقراطية والشراكة في صناعة القرار الوطني، كباقي دول العالم التي تنعم بالقيم المتقدمة.
أعيش اليوم بعيدًا عن وطني كلاجئ سياسي في ألمانيا بسبب نشاطي الحقوقي وما أنشره في تويتر ووسائل التواصل الإجتماعي، ويقبع زميلي الحقوقي البحريني البارز نبيل رجب في السجن بسبب آرائه ونشاطه، كما يعتقل الحقوقي أحمد منصور في الإمارات، والحقوقي والمحامي وليد أبو الخير في السعودية لنفس الأسباب، والقائمة تطول من النشطاء الذين يدفعون حياتهم وحريتهم ثمناً للكلمة الحرة.
لقد اختصر جمال خاشقجي في مقاله الأخير حقيقة ما نعاني منه وما طالب به المئات من النشطاء في السعودية والبحرين والكويت والإمارات ومصر وسوريا واليمن وتونس، والعالم العربي كافة، إذ قال خاشقجي إن "أمَسُّ ما نحتاجه في العالم العربي هو حرية التعبير وحرية الصحافة". دون ذلك سيكون هناك المزيد من أمثال خاشقجي يقتلون في العلن بسبب وجهة نظر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...