"السلطات الفلسطينية تسحق المعارضة"، هذا ما انتهى إليه تقرير حديث لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" عن "اعتقالات تعسفية وتعذيب منهجي مُستمر"، جميعها تجري بأيدي مُمثلي قوى الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وسلطات حركة حماس في غزة ضد المعتقلين من المعارضين السلميين.
في تقرير من 149 صفحة، حمل عنوان "سلطتان، طريقة واحدة، المعارضة ممنوعة"، قالت هيومن رايتس إن اشتداد الصراع بين السلطة الفلسطينية وحماس يزيد الانتهاكات المُستمرة، إذ "يستهدف كلّ طرف مساندي الطرف الآخر".
وأضافت: "التعذيب المنهجي الذي تمارسه السلطات الفلسطينية قد يرقى إلى جريمة ضدّ الإنسانية يُمكن ملاحقتها من قبل المحكمة الجنائية الدولية التي تعد فلسطين طرفًا فيها".
بينما تقول كلتا السلطتين إن الانتهاكات "مجرّد حالات معزولة" سيحاسب المسؤولون عنها "غير أن الأدلة التي جمعتها المنظمة تتعارض مع هذه المزاعم".
شهادات قاسية عن تشريفة "أهلا وسهلا" لسلطات رام الله.. وغُرفة "باص" حماس
"لسه بتجيني كوابيس... (إنو) الزنزانة تخنق على نفسي"، يحكي فارس جبور (24 عامًا) احتجزته قوى الأمن بالضفة الغربية 24 يومًا في يناير 2017، بسبب أنشطته مع مجموعة طلابية تابعة لحماس في جامعة الخليل. وقال علاء الزعاقيق (28 عاماً)، طالب دراسات عليا مرتبط بحماس، إنه اعتقل من قبل قوى أمن السلطة الفلسطينية في أريحا في أبريل 2017 لمدة 3 أسابيع. وروى: "لاقاني شخص في لباس مدني على باب (سجن المخابرات العامة في أريحا). وضع عصابة على عيني وكبّل يدي خلف ظهري، وبدأ يضربني... بقيت على هذه الحالة 10 دقائق. ثم أخذني إلى مكتب المدير، وفك العصابة عن عينيّ، وأخبرني أن هذه هي الـ "أهلا وسهلا" ثم قال (المدير) "علقوه"، أي يشبحوني". وتابع: "نُقلت من المكتب إلى الحمامات، ثم عصبوا عينيّ، وكبّلوا يديّ إلى الخلف، ووضعوا قطعة قماش وعلقوها بين الكلبشات وطرف الباب في الحمام. كان هناك حلق ما بين رأس الباب والحائط. عندما يسحبون القماش إلى الأعلى، تصبح يداي مرفوعتين خلف ظهري. قدماي لم تكونا مربوطتين، ولكن كانت أطراف قدميّ تلامس الأرض. بقيت مُعلقًا 45 دقيقة. وضربني أحد الضباط بعصا كبيرة على ظهري أكثر من مرة... بعد أن أنزلوني، كان هناك تخدير تدريجي من يديّ إلى كتفي"."أعيش في بلد يحظر فيه التعبير عن رأيي. هذا البلد لا نحلم به على الإطلاق. لا أعتقد أن هناك فلسطينيًا يقبل بأن يذهب كل هذا النضال، وكل سنوات حياتنا، ليس فقط نحن، بل أيضًا من سبقونا، حتى يكون لدينا في النهاية نظام حكم اتخذ شكل الديكتاتورية..."
"السلطات الفلسطينية تسحق المعارضة"، هذا ما انتهى إليه تقرير حديث لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" عن "اعتقالات تعسفية وتعذيب منهجي مُستمر"، جميعها تجري بأيدي مُمثلي قوى الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وسلطات حركة حماس في غزة ضد المعتقلين من المعارضين السلميين.وفي اليوم التالي قال له العصار (لقب أحد المُحققين في أريحا):´"أوعدك إنو تطلع من هون على كرسي مشلول". كما روى الصحافي في هيئة الإذاعة الفلسطينية، فؤاد جرادة (34 عامًا)، قصة اعتقاله من قبل قوات حماس في يونيو 2017، بعد 3 أيام من وضع منشور على فيسبوك ينتقد حليفًا لحماس: "اضطررت إلى الوقوف معصوب العينين طوال اليوم في غرفة تسمى الباص. كان هناك 5 أو 10 أشخاص معي. في بعض الأحيان كانوا يُجلسوننا في مقاعد صغيرة، لكننا كنا بحاجة إلى إذن لكل شيء نقوم به، بما في ذلك النوم أو التحدث. قضيت 30 يومًا هناك. بعد اليوم الأول، بدأ الضرب، وطلبوا مني أن أفتح يديّ وبدأوا بضربي بكابل وجلد قدميّ". ولم يطلق سراح "جرادة" إلا عندما وافقت السلطة الفلسطينية على اعتقال صحفيين مقربين من حماس في الضفة الغربية. ولدى عودة الصحافي جهاد بركات (29 عامًا)، إلى المنزل، التقط صورًا لموكب رئيس الوزراء العالق على حاجز عناب. حينذاك تم توقيفه من قبل أحد مرافقيه، واُعتقل في طولكرم ورام الله لأربعة أيام". "الشباب خائفون من الكتابة. لا يحاولون. لا يشاركون (المنشورات على فيسبوك) لا يضعون لايك (إعجاب* لأي شخص يكتب شيئاً ينتقد الحكومة. إنهم خائفون"، بحسب محمد لافي، مغني راب (25 عامًا) من مخيم جباليا للاجئين في غزة. كان لافي قد احتجزته سلطات حماس 5 أيام في يناير 2017 بعد أن أصدر شريط فيديو مُوسيقيًا بعنوان "حقك"، دعا خلاله الناس للتظاهر والمشاركة في الاحتجاجات على أزمة الكهرباء.
"كسروا رغبتنا بالدفاع عن حقوق المواطنين"
"أشعر أنني مراقبة، وكأنني تحت المجهر. أطلق سراحي، إلا أنني لا أشعر بأني حرة حتى الآن. لقد كسروا رغبتنا بالدفاع عن حقوق المواطنين"، تتحدث الصحافية بهيئة الإذاعة الفلسطينية تغريد أبو طير (84 عامًا)، كانت قد احتجزتها سلطات حماس 11 يومًا في أبريل 2017 بعد حضور مؤتمرات لخصمها السياسي حركة فتح في رام الله. كما أن حمزة زبيدات (33 عامًا)، الذي يعمل في جماعة غير حكومية تنموية، احتجزته قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لمدة يومين في مايو 2016 بسبب منشور على فيسبوك وجهه إلى الفلسطينيين جاء فيه، "سنناضل ضد السلطة كما نناضل ضد الاحتلال". "أعيش في بلد يحظر فيه التعبير عن رأيي. هذا البلد لا نحلم به على الإطلاق. لا أعتقد أن هناك فلسطينيًا يقبل بأن يذهب كل هذا النضال، وكل سنوات حياتنا، ليس فقط نحن، بل أيضًا من سبقونا، حتى يكون لدينا في النهاية نظام حكم اتخذ شكل الديكتاتورية. من المؤلم جدًا أن يكون لدينا نظام قبل أن تكون لنا دولة. مشكلتنا مع قادة السلطة الفلسطينية هي أنهم يبنون قوات الأمن ويسيطرون على الناس بينما لا نسيطر حتى على حاجز"، على حد تعبير حمزة.قوانين "فضفاضة" وكيانات بوليسية "موازية"
علمًا أن "هيومان رايتس ووتش" التقت 147 شاهدًا، منهم مُحتجزون سابقون وأقارب لهم، ومحامون، وممثلون عن مجموعات غير حكومية، وراجعت أدلة فوتوغرافية وتقارير طبية ووثائق محاكم. ومعروف أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تقدم دعمًا لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، ورُغم خفض واشنطن تمويلها خدمات الصحة والتعليم في 2018، كما مُجمل دعمها لوكالة الأمم المتحدة (الأنروا)، فقد واصلت تمويل قوات الأمن. وعلى نفس الوتيرة تحظى حماس بدعم مالي من قطر وإيران. واستعرضت "رايتس ووتش" أكثر من 20 حالة لأشخاص احتجزوا لأسباب غير واضحة لم تتجاوز كتابة تقارير أو تعليقات على "فيسبوك" أو الانتماء إلى منظمة طلابية أو حركة سياسية غير مرغوب فيها. طوم بورتيوس، نائب مدير البرامج في المنظمة، قال: "بعد مرور 25 سنة على اتفاقات أوسلو، تمارس السلطات الفلسطينية سلطة محدودة في الضفة الغربية وغزة، ولكنها أنشأت كيانات بوليسية موازية في المناطق التي تتمتع فيها بحكم ذاتي... بقيت دعوات المسؤولين الفلسطينيين إلى احترام حقوق الشعب مجرّد تصريحات جوفاء". ومثله، قال شعوان جبارين، مدير مؤسسة "الحق" الفلسطينية: "الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين لا تبرّر السكوت عن القمع المنهجي والتعذيب اللذين تمارسهما قوات الأمن الفلسطينية ضدّ المعارضين". وتُجرم قوانين وصفتها المنظمة بأنها “فضفاضة”مثل الإساءة إلى "مقامات عليا"، وإثارة "النعرات المذهبية"، و"النيل من الوحدة الثورية". ومن يناير 2017 إلى أغسطس 2018، تعرض 221 فلسطينيًا للاحتجاز الإداري دون اتهامات من قبل قوى الأمن في الضفة الغربية، بحسب "الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان". وساهم التنسيق الأمني بين سلطات رام الله وإسرائيل في احتجاز تل أبيب لعدد من المحتجزين السابقين لدى السلطة الفلسطينية، في وقت تشترط حماس أحيانًا الإفراج عن مُحتجز مقابل توقيعه على تعهد بالكف عن الانتقاد والاحتجاج. وفي 27 سبتمبر الماضي، نقلت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أن قوات أمن حماس اعتقلت أكثر من 50 شخصًا ينتمون لفتح، وذكرت أن قوى السلطة في الضفة الغربية احتجزت قرابة 60 ينتمون إلى حماس، في غضون بضعة أيام.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...