عرفوا التوحيد والشرك وعبادة الكواكب... أديان العرب قبل الإسلام
الجمعة 26 أكتوبر 201805:19 م
شهدت منطقة الجزيرة العربية قبل الإسلام شيوع عقائد دينية متباينة، بعضها كان امتداداً لأفكار بدائية، وأخرى وصلتها بحكم مجاورة شعوب أخرى والاتصالات التجارية، عدا معتقدات فرضتها ظروف مثل الحرب.
معتقدات بدائية
شأنها شأن الحضارات القديمة، لم تكن الأديان في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام قائمة على منظومة عقائدية واحدة مثل الأديان السماوية في ما بعد، وإنما كانت هناك مجموعة من الأفكار المتناثرة التي لا يربط بينها خيط واحد، يقول مدير مركز الدراسات القبطية في مكتبة الإسكندرية الدكتور لؤي محمود سعيد لرصيف22. ويشير إلى أن معتقدات ما يُسمّى بـ"الجاهلية الأولى" كانت امتداداً لمعتقدات بدائية قائمة على الطوطمية والأرواحية وعبادة الأسلاف. والطوطم بحسب سعيد قد يكون نباتاً، أو حيواناً، أو جماداً، أو أي شيء يعتقد أفراد القبيلة أنهم يتحدرون من سلالته، فيدينون له بالولاء ويصير رمزاً لهم، وإذا كان نباتاً لا يأكلونه، وإذا كان حيواناً لا يقتلونه، بل يعلنون الحداد عليه إذا وجدوه ميتاً. أما الأرواحية، فتعني الاعتقاد بوجود أرواح لها قدرة خارقة تؤثر في حياة الناس سلباً أو إيجاباً، وتتجسد في أشياء معيّنة مثل الشجر أو الأحجار فيتعبد لها الناس، بحسب سعيد. وفي إطار هذه العقائد أيضاً، عرف العرب عبادة الأسلاف. شرح سعيد أن أهل القبيلة كانوا يمجّدون شيخهم أو أحد محاربيهم الشجعان أو شخصاً يرونه صالحاً وفيه "قوة إلهية"، وبمرور الزمن وتعاقب الأجيال يتحوّلون إلى التعبّد له اعتقاداً منهم بأن أرواح هؤلاء الأموات باقية وتستمر في الدفاع عن القبيلة.عبادة الأوثان

قبل "لُحي"
رغم ذلك، هناك مَن يرى أن عرب الجاهلية كانوا يدينون بالوثنية منذ زمن بعيد، وقبل ظهور عمرو بن لحي على مسرح الأحداث. دلّل على ذلك الدكتور محمد سهيل قطوش، في كتابه "تاريخ العرب قبل الإسلام"، بأن عرب الجنوب عبدوا الثالوث الكوكبي، القمر والشمس والزهرة، في الألف الأولى قبل الميلاد، أي قبل عهد بن لحي بمئات السنين، والراجح أنهم صنعوا أصناماً ترمز إلى هذه الآلهة. دليل آخر حملته إلينا القصص العربية القديمة التي أشارت إلى الوثنية في معرض حديثها عن الأقوام البائدة، منها أن "قوم عاد كانوا يعبدون الحجارة والأخشاب وقد أصيبوا بقحط، وعندما أضرّ بهم الجفاف أرسلوا وفداً إلى مكة يستقون آلهة الكعبة"، روى قطوش. ليس هذا فحسب، فقد "كان لقبيلة جرهم التي سكنت مكة قبل خزاعة مجسمات مؤلهة سبقت ما أحضره بن لحي الخزاعي، منهم إساف ونائلة، وكان لهما أيضاً تمثال لغزالين من ذهب". وعبد أهل حضرموت وكندة صنم الجلسد، وكان كجثة الرجل العظيم، عبارة عن صخرة بيضاء لها رأس كرأس الأسد. كما عبد العرب في جاهليتهم الأولى وفي طورهم الطوطمي قبل عصر بن لحي الأصنام الخمسة، ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وصوروهم على أشكال الإنسان والحيوان، ذكر قطوش.الشرك
على أية حال، تعبّدت قبائل العرب لعدد من الأصنام، بعضها كان في مكة وبعضها الآخر في مواضع قريبة منها وأحياناً بعيدة عنها، لكن أشهرها "اللات"، الصنم الأنثى الذي عزا إليه العرب فصل الصيف، و"العزى" إلهة المكيين المفضلة، ومناة، إله السحاب والرياح المطيرة وكان منصوباً بين مكة والمدينة، إضافة إلى إساف ونائلة. والواضح أن القبيلة الواحدة لم تلتزم بعبادة إله واحد، فعرفت ما يمسى بـ"الشِرك" أي تعدد الآلهة داخلها. يروي الدكتور جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" أنه كان لكل قبيلة إله خاص بها يحميها من الأعداء، فإذا تحالفت القبائل تحالفت آلهتها معاً، أما إذا تحاربت، فقد ينصرف المغلوبون عن آلهتهم إلى عبادة آلهة أخرى على اعتبار أنها ضعيفة ولا قدرة لها على الدفاع عنهم، كما قد يتأثر الغالبون بعبادات المغلوبين الذين خضعوا لهم، فيضيفون آلهة المغلوبين إلى آلهتهم، لا سيما إذا كان المغلوبون أصحاب ثقافة عالية. ويشير علي إلى أن واقع الجوار والاتصال ترتب عليه اقتباس آلهة المجاورين وإضافتها إلى آلهة القبيلة، مشيراً إلى أن الآلهة الجديدة المقتبَسة قد تطغى على القديمة ويقل شأن بعضها ويُهمَل ثم يموت اسمها.الثالوث الكوكبي
اتجه أهل اليمن نحو طقوس تعبّدية مختلفة نوعاً ما، فأقبلوا على عبادة الشمس والقمر والزهرة. ذكر الدكتور أحمد أمين سليم في كتاب "معالم من تاريخ العرب قبل الإسلام" أن القمر مثلّ في هذا الثالوث دور الأب، أما الشمس فمثّلت دور الأم، بينما مثلت الزهرة دور الابن، وجسدوا هذه الأشياء في أوثان تعبدوا لها. ولم يكن الثالوث الكوكبي وحده معبود العرب. بحسب قطوش، عبدوا أجراماً سماوية أخرى، كالدبران وهو كوكب مشؤوم، عبدته قريش وكنانة وطائفة من تميم رهبة لا رغبة، وذكره الشعراء بالنحوسة، بينما عبدت طيء الثريا والمرزم وسهيل، في حين عبدت بعض قبائل لخم وخزاعة وقيس وقريش الشعرى، والعبور، وعبد بنو أسد عطارد وبعض قريش كوكب الأسد، وعبد بعض أهل مكة زحل، وبنو لخم وجرهم المشتري.الديانة المصرية
وجدت الديانة المصرية القديمة طريقاً لها إلى شبه الجزيرة العربية منذ القرن الرابع الميلادي، وذلك بحكم الجوار الجغرافي والعلاقات التجارية وصلات النسب والقرابة.يدلل سعيد على ذلك بالعثور على معبد للإله حورس في منطقة الفاو بشمال الجزيرة العربية، وتماثيل وجعارين (تماثيل لحشرة الجعران أو الخنفسة) مكتوب عليها بالهيروغليفية في منطقتي الدمام والزهران على الخليج العربي شرقاً، إضافة إلى نصوص عربية قديمة مكتوبة بالثمودية واللحيانية ومكتوب عليها "عبد إيزيس" و"عبد أوزوريس".
قبل الإسلام، كان لكل قبيلة عربية إله خاص بها يحميها من الأعداء، فإذا تحالفت القبائل تحالفت آلهتها معاً، أما إذا تحاربت، فقد ينصرف المغلوبون عن آلهتهم إلى عبادة آلهة أخرى على اعتبار أنها ضعيفة ولا قدرة لها على الدفاع عنهم
تقول القصة الأكثر شيوعاً في المصادر العربية إن عمرو بن لُحي، وكان تاجراً من قبيلة خزاعة التي طردت أحفاد النبي إسماعيل من مكة، هو مَن أحضر الأوثان من العراق والشام بعد أن رأى أهلهما يتعبّدون لها... لمحة عن معتقدات العرب قبل الإسلام؟ويلفت إلى أن أحمد كمال باشا (أول أثري مصري في القرن التاسع عشر) ذكر أن آلهة العرب المذكورة في القرآن كلها أسماء مصرية قديمة، مثل "اللات" المأخوذ من اسم إله مصري هو "الررت" وتم تحريف الاسم حيث نُطق "لام" بدلاً من "راء". ويرجّح قطوش ذلك في كتابه بتأكيده أن الصنم "يغوث" الذي عبده العرب في قبائل مذحج وهوازن وتغلب، وكان على هيئة أسد، ربما يكون مجلوباً من مصر، فقد كان من بين آلهة المصريين صنم على صورة أسد أو لبوة يسمونه "تغنوت"، ولما كان العرب يكتبون بدون تنقيط فإن التقارب الشكلي واضح بين اللفظتين (يغوث وتغنوت). ويتفق سليم أيضاً مع ما ذُكر بإرجاعه عبادة الشمس في القسم الشمالي من شبه الجزيرة العربية، حيث تقع مملكتا تدمر والأنباط، إلى قربهما من حضارة مصر في الغرب، إذ كان الإله "رع" إله الشمس الأول.