عادة ما تثير صورة مُسنّ أو مريض يتوجه للانتخاب مشاعر التعاطف، فمن الرائع أن يحرص المرء على أداء واجبه، رغم ظروفه الصحية الصعبة. إلا أن صور الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وهو متوجه للاقتراع على كرسي نقال، والتعب ظاهر عليه بعد غياب طويل عن شعبه وعن عدسات الكاميرات، لا تثير التعاطف، بل الغضب. بوتفليقة ترشح مجدداً للرئاسة، ويطمح أن يتولى قيادة ولاية جديدة، رغم معاناته من متاعب صحية واضحة.
هناك أكثر من رئيس عربي عانى ويعاني المرض بسبب الشيخوخة وتقدم العمر، وربما بسبب الحياة التي عاشها سابقاً، ففي بلداننا وبلدان العالم الثالث، كثيراً ما يمر الزعيم السياسي والرئيس على سجون ومعتقلات بلاده قبل أن يتربع على كرسي الحكم. لهذا نجد البعض منهم وقد نالت الأعوام الماضية من صحتهم، رغم ما يتمتعون به في سنوات حكمهم من رفاهية وجاه ووسائل راحة.
خلال الحملة الانتخابية في الأسابيع الماضية، لم يظهر بوتفليقة نهائياً، تاركاً مدير حملته عبد المالك سلال للقاء الناخبين وتكرار جملة أن "صحة الرئيس تتحسن يوماً بعد يوم"، من دون أي دليل على صحة كلامه. وكلما طالت فترة غياب بوتفليقة، كبر حجم صوره المنشورة في كافة أرجاء البلاد.
عندما ظهر أخيراً كان على كرسي نقال، والمرض والتعب ظاهران عليه، ما يثير تساؤلات حول كيف يتوقع من مريض أن يدير بلداً مثل الجزائر؟ إلا أنه من الواضح أن بوتفليقة ومؤيديه لا يعتبرون المرض الشديد، وعدم القدرة على التواصل مع الشعب مانعاً للحكم. من يلومهم؟ فها هو الرئيس العراقي جلال طالباني يمكث في مستشفى بألمانيا منذ 16 شهراً بعدما أصيب بجلطة دماغية، ومازال يتمتع بصلاحيات الرئيس وحاشيته تتمتع بالمال والجاه المرتبطين بمكتب الرئيس من دون أن يتحمل الرئيس أية أعباء أو مسؤوليات رئاسية في بلد على وشك الانهيار.
من المحزن حقاً أن كلاً من بوتفليقة وطالباني، مثلهم مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي بقي متمسكاً بالرئاسة رغم مرضه وفقدانه القدرة على تولي سلطة البلاد، حتى أطيح به في يناير 2011، كان ذا تاريخ سياسي حافل من أجل قضايا آمنوا بها. لكن بدلاً من الاكتفاء بما حصلوا عليه من ميزات بعد الوصول إلى سدة الحكم والعمل على بناء جيل جديد من الساسة، ظلوا عازمين على التشبث بالسلطة، حتى وهم داخل المشافي أو على كراسٍ نقالة.
مرض "الكرسي" ربما يكون أشد الأمراض التي تعصف بعدد من القادة العرب خطورة. على سبيل المثال، يريد الرئيس السوداني عمر البشير "الاحتفال" بخمسة وعشرين سنة من السلطة، على الرغم من أن بلاده عانت الويلات تحت رئاسته، وعلى رأسها تقسيم البلد مع ما رافقه من حروب وفقر.
أمثلة القادة المسنين والماكثين في مواقعهم لفترات طويلة في العالم العربي كثيرة، مثل البشير ومبارك، ومعمر القذافي قبل قتله عام 2011. لكن يبدو أن هذه هي خيارات القادة العرب لشعوبهم ولأنفسهم: إما قتل الرئيس، أو الدعاء عليه بالموت، أو الانقلاب.
للمفارقة، فإن أكثر من نصف سكان البلاد العربية هم دون الـ25 سنة، وجيل الشباب هذا لا يُذكر له تاريخ سياسي مثير للإعجاب، لأن العجائز والشيوخ لم يتركوا للشباب فرصة للبروز. أضف إلى ذلك أن العالم العربي يعاني من أعلى نسبة بطالة بين الشباب، وهي تتنامى بأسرع وتيرة في العالم بحسب منظمة العمل الدولية. من بين الملايين من هؤلاء الشباب، لا يمكن لأحد أن يحلم أن يصبح رئيساً، إلا إذا قاد انقلاباً.
بعض ملوك وأمراء العالم العربي كبار في السن، لكن النظام الملكي على الأقل ينسجم في طبيعته مع قيادة البلاد مدى الحياة وله أصول دستورية في حال المرض أو تسليم السلطة بسلام، كما في الحالة القطرية عندما سلم الأمير حمد آل ثاني مقالد الحكم إلى نجله الشاب تميم.
التقدم في السن والمرض ليسا وحدهما العائقين أمام قيادة جيدة في الدول العربية. فتزامناً مع الانتخابات الجزائرية، أعلنت الحكومة السورية عن فتح باب الترشح للرئاسة في 21 أبريل الجاري، وبشار الأسد يريد أن يخوضها. مرض رؤساء الدول العربية مرتبط بمرض التمسك بالسلطة، وهو بحاجة إلى العلاج، قبل علاج صحة الرؤساء المرضى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...