شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أميركا بعد 5 سنوات على خطاب أوباما في القاهرة

أميركا بعد 5 سنوات على خطاب أوباما في القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 29 أكتوبر 201611:26 ص

حين ألقى باراك أوباما خطابه الشهير في جامعة القاهرة، قبل خمس سنوات، فرح كثيرون بصورة أميركا الجديدة التي رسمها الرئيس الأميركي بينما خاب أمل آخرين مما اعتبروه تراجعاً في التزامها بقضايا الديمقراطية والحرية.

خمس سنوات مرّت سريعاً ولكنها حرّكت الركود المزمن في الشرق الأوسط بفعل ما شهدته من "ربيع عربي". الأحداث التي وقعت والتي لم تتوقّعها الإدارة الأميركية وتعاطي "القوة العظمى" معها تغري بإعادة قراءة هذا الخطاب على ضوء المتغيّرات.

في القاهرة، رتّب الرئيس الأميركي إطلالته على طريقة الأفلام الهوليوودية. استخدم كل المؤثرات التي تدفع المتلقي إلى الإنبهار بسيناريو عادي جداً. فقبل توجهه إلى جامعة القاهرة لإلقاء خطابه، زار مسجد السلطان حسن. هناك رفض الرئيس ارتداء الخفّ المخصص للسائحين وقرّر تعرية قدميه إلا من الجوارب. مرافقته في الزيارة، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ارتدت الحجاب. مشاهد أُريد منها إظهار احترام الإدارة الأميركية للإسلام. "لو كان أوباما امرأة لارتدى الحجاب كما فعلت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون"، قالت نوال السعداوي.

في كلامه أمام 2500 شخصية لم تبخل عليه بمقاطعته بالتصفيق أكثر من مرّة، امتلك أوباما شجاعة إجراء نقد ذاتي لبعض جوانب السياسة الأميركية. اعترف بتغذية مناخات الحرب الباردة للتوتر حين عوملت بلدان ذات أغلبية مسلمة -بلا حق- كأنها مجرد دول "وكيلة" من دون "مراعاة تطلعاتها الخاصة". واعترف بأن الولايات المتحدة "لعبت إبان فترة الحرب الباردة دوراً في إطاحة الحكومة الإيرانية المنتخبة بأسلوب ديمقراطي". كان أوباما لا يزال جديداً في موقع السلطة. الآن، لو أراد أن يقوم بنقد ذاتي لوجد الكثير في سياسات إدارته.

الإسلام ليس نقيضاً للحضارة الأميركية. هذه هي الرسالة الأساسية التي أراد الرئيس الأميركي إيصالها إلى العالم الإسلامي. دعا إلى نوع من تجاوز الماضي على أساس مقايضة تنهي "دائرة الارتياب والشقاق" وتحقق "بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استناداً إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل". فـ"أميركا لا تتعارض مع الإسلام ولا داعي أبداً للتنافس فيما بينهما". تجاوز أوباما الربط الذي سوّق له فريق المحافظين الجدد في إدارة جورج دبليو بوش بين الإسلام والعنف معتبراً أن "الإسلام ليس جزءاً من المشكلة المتلخصة في مكافحة التطرف العنيف، وإنما يجب أن يكون الإسلام جزءً من حلّ هذه المشكلة".

ولكن بعد خمس سنوات من خطابه، لم يتمكن أوباما من بناء أي تحالف مع أيّ فريق إسلامي، باستثناء المملكة العربية السعودية التي كانت أساساً تدور في فلك السياسة الأميركية، والتي سُجّل عليه في خطاب القاهرة مغازلته لملكها حين أشاد بـ"مبادرة جلالة الملك عبد الله المتمثلة في حوار الأديان". في الملف الإيراني، لم يعد يعير اهتماماً لـ"تطلعات الشعوب". أعطى الأولوية للمسار الديبلوماسي في المفاوضات النووية على دعم معارضي النظام الإيراني وعلى التصدّي للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول أخرى. في أفغانستان يعمل على إعادة إطلاق "محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وطالبان"، كما أعرب وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل Chuck Hagel بعد عملية تبادل للأسرى بين الطرفين قبل أيام. كل تقارب قام بين إسلاميين والإدارة الأميركية في عهد أوباما أتى على حساب الديمقراطية والحرية. في الأساس، أخفى الرئيس الأميركي تراجع أولوية بناء الديمقراطيات في السياسة الأميركية خلف ستار قوله إنه "لا يمكن لأية دولة ولا ينبغي لأية دولة أن تفرض نظاماً للحكم على أية دولة أخرى".

في خطاب القاهرة، احتل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحيّز الأكبر. وإن أكثر أوباما من الحديث عن المعاناة التاريخية لليهود وأقلّ من الحديث عن معاناة الفلسطينيين، فقد اعتبر أن حقيقة وجود "شعبين لكل منهما طموحاته المشروعة ولكل منهما تاريخ مؤلم يجعل من التراضي أمراً صعب المنال". تعهّد أوباما بتحريك المفاوضات وقال: "ستكون تصريحاتنا التي تصدر علناً هي التصريحات نفسها التي نعبّر عنها في اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب". لم يفِ أوباما في وعده بالتعاطي بشفافية مع هذه الأزمة. رغم تعثر المفاوضات قبل فترة قليلة، إلا أن إدارة أوباما ترفض الكشف عن وثيقة الإطار التي أعدّها وزير الخارجية الأميركي جون كيري وتقاوم رغبة دول "القارة العجوز" في نقل هذه الوثيقة إلى مجلس الأمن وتحويلها إلى خطة سلام للأسرة الدولية. أثبتت الدول الأوروبية أنها أكثر إنسجاماً مع نفسها.

"يلازمني اعتقاد راسخ بأن جميع البشر يتطلعون لامتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرئهم في أسلوب الحكم المتبع في بلدهم، ويتطلعون للشعور بالثقة في حكم القانون وفي الالتزام بالعدالة والمساواة في تطبيقه، ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب، ويتطلعون لحرية اختيار طريقهم في الحياة"، قال أوباما في القاهرة. ولكن يبدو أنه ومع ثورة بعض الشعوب العربية على الديكتاتوريات التي تحكمها، لم تعد هذه "المشاعر النبيلة" تراود الرئيس الأميركي. في مصر،أظهرت بعض الوثائق أنه "وبرغم إعلان تجميد المساعدات العسكرية، الصادر في تشرين الثاني الماضي، فقد واصلت الولايات المتحدة إرسال أسلحة بقيمة ملايين الدولارات من قطع للدبابات والمروحيات والطائرات المقاتلة والصواريخ الموجّهة إلى القوات المسلّحة المصرية".

قفزت الإدارة الأميركية فوق كلام عضو مجلس الشيوخ الأميركي السناتور جون ماكين الذي أكد أنه "إذا أرادت مصر أن تصبح جزءاً من المجتمع الدولي وتتعاون معنا وتحظى بمساعدتنا، لا يمكنها القيام بممارسات كالسجن التعسفي للصحافيين". وتنصّل أوباما من كلامه هو في القاهرة عن ترحيبه "بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم".

في سوريا، لم تدعم أميركا الثورة بأكثر من بعض الخطابات ولم تمارس ضغوطاً على حلفائها لمنعهم من إغراق سوريا بـ"التطرف العنيف" الذي تعهّد رئيسها من القاهرة بمحاربته. في ليبيا، دفعت حلف شمال الأطلسي إلى إسقاط نظام العقيد معمّر القذافي الديكتاتوري ثم تلكأت عن دعم المسار الديمقراطي فتحولت ليبيا إلى نهب لفوضى الميليشيات.

"إن أحداث العراق قد ذكّرت أميركا بضرورة استخدام الدبلوماسية لتسوية مشاكلنا كلما كان ذلك ممكناً"، قال أوباما في القاهرة منتقداً الإدارة الأميركية السابقة واستشهد، لدعم فكرته، بقول توماس جيفرسون Thomas Jefferson: "إن القوة ستزداد عظمة كلما قلّ استخدامها". لم يتحدث أوباما عمّا تتضمنّه التكملة المنطقية لفكرة جيفرسون من أن الامتناع المطلق عن استخدام القوّة يفقد القوة جدواها. وضع الرئيس المبادئ التي نادى بها ضمن إطار الحقوق الإنسانية ("ليست أفكاراً أميركية فحسب"، قال) وأكّد " أننا سندعمها في كل مكان". لم تدعم أميركا "مبادئها" في عهد أوباما وتراجعت مراراً أمام كل مَن رفع قبضته في وجهها.

حين ألقى أوباما خطبته الشهيرة لم يكن قد مرّ على تسلّمه مقاليد الرئاسة أكثر من ثمانية أشهر. حينذاك اختار القائد الكاريزمي لكلامه عنوان "بداية جديدة" A New Beginning. بعد خمس سنوات نستطيع التأكيد أنه لم تكن "بداية جديدة" ولا مَن يحزنون. أميركا لم تستطع تخطي تناقضاتها التاريخية بين الترويج خطابياً للديمقراطية وتبنيها سياسات لا تحترم سوى مصالحها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image